الفنان مصطفى صالح : ببت العود العربي مرآة تعكس حضارة العراق وثقافته الروحية والإنسانية
#سفيربرس _ حاورته : دنيا صاحب - العراق

تجسّد مسيرة عازف العود الفنان مصطفى صالح نموذجاً متفرداً من التلاقي بين الموسيقى والثقافة الروحية حيث لا يقتصر عطاؤه على العزف فحسب، بل يتعداه إلى بث القيم الأخلاقية والإنسانية المتجذّرة في عمق الهوية الثقافية العراقية. فمنذ بداياته في معهد الفنون الجميلة ببغداد، وصولاً إلى تألقه في معهد بيت العود العربي، تَشَكَّلَت ملامح استاذ موسيقي يعيد إلى آلة العود صوتها الرنان بوصفها رسالة إنسانية تغذي العقول والأرواح.
بزغ نجم الفنان مصطفى صالح
في بيت العود العربي كعازف متألق وأستاذ مقتدر. وكان أول من قدّم حفلات تخرّج خاص على آلة العود حاملاً بين أنامله نبض التراث العراقي الأصيل ورؤية معاصرة منفتحة على المستقبل.
رحلته ليست مجرّد سيرة عازف موسيقي وأستاذ ناجح، بل هي شهادة حيّة على أن فنّ الموسيقى يمكن أن يشكّل بيئةً صالحة للتثقيف والتنوير الفكري والروحي، ومناخًا أخلاقيًا ومعرفيًا خصبًا يُعزّز العلاقة بين الأستاذ وتلاميذه على أساس من التفاهم والاحترام المتبادل.
في لقائنا مع الفنان الموسيقي مصطفى صالح نسلط الضوء على مسيرته الفنية كنموذج حيّ على كيفية تحول الموسيقى إلى دورها الفعال في تشكيل الوعي، وتعزيز القيم الأخلاقية الإنسانية ، وترسيخ الثقافة الروحية الصوفية في وجدان الأجيال الصاعدة.
§ من هو مصطفى صالح نجم؟ حدّثنا عن هويتك الشخصية ومسيرتك منذ البدايات، وما الذي شكّل ملامحك موسيقار ومدرّس لآلة العود؟
§ أنا مصطفى صالح نجم، من مواليد بغداد في 26 كانون الأول عام 1990. فنان موسيقي ومدرّس لآلة العود، تخرّجت في جامعة بغداد – كلية الفنون الجميلة، ومعهد الفنون الجميلة، وكنت من أوائل خريجي الدفعة الأولى لمعهد بيت العود العربي في بغداد.
منذ خطواتي الأولى في عالم الموسيقى، شكّلت آلة العود جوهر هويتي الثقافية، وصارت امتدادًا لروحي وصوتي. لا أكتفي بعزفها، بل أعيشها وأعبّر من خلالها عن ذاتي ومشاعري. عملت مدرّسًا في فن الموسيقى، وأسعى دائمًا إلى أن أنقل هذا الشغف إلى طلابي، فلا أدرّبهم على التقنية فحسب، بل أعلّمهم كيف يعزفون بوعي وإحساس وانسجام مع ذواتهم ويعبرون عن انتمائهم الثقافي.
التحقت بكلية الفنون الجميلة – قسم الموسيقى عام 2012، وتتلمذت على يد الأستاذ نصير شمه و أحمد شمه تخرّجت عام 2015 بدرجة امتياز، وكنت أول طالب في القسم يقدّم كونسرت تخرج خاص لآلة العود، تضمن مؤلفات من تأليفي، في تجربة غير مسبوقة آنذاك.
اليوم، أُدرّس آلة العود في معهد الفنون الجميلة وفي بيت العود العربي – بغداد، وأحمل رسالة فنية وتعليمية أطمح من خلالها إلى بناء جيل جديد من العازفين، يؤمنون بأن الموسيقى ليست مجرد فن، بل أسلوب حياة، من تجربة ثقافية روحية عميقة.
§ ما الذي يميز منهاج التعليمي الموسيقي في اكاديمية بيت العود العربي – بغداد عن غيره من المعاهد الموسيقية في العراق؟
التميّز الحقيقي في بيت العود العربي يكمن في وجود منهاج تدريسي خاص ومتنوع . الطالب هنا يمرّ بعدة مراحل تعليمية تستمر لسنتين، تتوزع على ثماني مراحل، وكل مرحلة من تأليف أستاذ من أعمدة الفن الموسيقي العربي، القائد الموسيقي الكبير الدكتور نصير شمه و الأستاذ سالم عبد الكريم، والأستاذ جميل بشير
كل مرحلة تقدّم للطالب أسلوبًا ومدرسة موسيقية مختلفة، ما يمنحه تنوعًا في التذوق والأداء ويطوّر مهاراته بأسلوب احترافي متكامل. وهذا ما يجعل خريج معهد بيت العود عازفًا محترفًا يمتلك مهارة فنية عالية في العزف وثقافة موسيقية متكاملة.
§ كيف أثّر ارتباطك بالموسيقار الكبير الدكتور نصير شمة على مسيرتك الفنية والمهنية؟
§ الارتباط باسم الدكتور نصير شمه كان نقطة تحوّل حقيقية في حياتي الفنية. لقد فتح أمامي آفاقًا واسعة، ومنحني نافذة لأطلّ من خلالها على العالم، حيث ارتقيت من المستوى المحلي إلى فضاءات المستوى الدولي.
قبل أن أتعرف عليه، كنت أعمل مدرسًا في معهد الفنون الجميلة حتى عام 2015، ولكن لم يكن لاسمي حينها أي امتيازات تُذكر. أما بعد تلك اللحظة المفصلية، فقد بدأت أرى قدراتي الكامنة تتحرّر، ووجدت نفسي أمتلك طاقة جديدة في العزف على آلة العود، وأسلوبًا متطورًا في تعليم الطلاب.
الدكتور نصير شمه لم يكن فقط قدوة موسيقية، بل كان أستاذاً ملهمًا وموجّهًا ساعدني على اكتشاف أبعاد جديدة في مواهبي الفنية، وصقلها بشكل غير تقليدي، حتى أصبحتُ أكثر نضجًا ومسؤولية في تدريس الطلاب.
§ كيف ترى واقع التعليم الموسيقى والعزف على آلة العود اليوم في العراق، مقارنةً بالسنوات السابقة؟
§ نحن نعيش اليوم نهضة ثقافية موسيقية واسعة في العراق، وخصوصًا في العاصمة بغداد، لم نعهدها من قبل
في السابق، كان الإقبال على تعلم الموسيقى والعزف على آلة العود محدودًا جدًا، بسبب العادات والتقاليد السائدة ان ذاك ، وكذلك نتيجة الظروف الأمنية والمعيشية الصعبة التي مرّ بها البلد.
لكنّ الوضع اليوم تغيّر بشكل ملحوظ، بفضل التطور الكبير في الوعي الثقافي لدى العراقيين. لقد أصبح الناس أكثر انفتاحًا على الفن والموسيقى وصار هناك شغف حقيقي بتعلم الموسيقى والاقبال على آلة العود، ليس فقط لدى الشباب
بل حتى كبار السن، النساء، والأطفال أيضاً.
في معهد بيت العود العربي – بغداد، نستقبل طلابًا من مختلف الأعمار، يجمعهم حب الموسيقى الشرقية العربية وخصوصا الحان ألة العود . هذا التفاعل الثقافي المثمر أسفر عن نشوء فرق موسيقية عديدة حاضرة في المشهد الثقافي العراقي.
§ ما أبرز مشاركاتك الموسيقية داخل العراق؟
§ نعم، شاركت في العديد من المهرجانات والفعاليات الموسيقية داخل العراق، خاصة بعد تكليفي من قبل الدكتور نصير شمه كمساعد في إدارة معهد بيت العود العربي في بغداد، حيث قدمت حفلات مع طلاب المعهد في محافل مهمة منها المؤتمر العلمي لبيت الحكمة، معرض بيت الكتاب وحفل في كلية الفنون الجميلة. كما قُدت فرقة الخيال وفرقة الألوان إلى جانب نخبة من الأساتذة، وكان لها حضور مؤثر في المشهد الثقافي.
أما على صعيد الجوائز
لقد حصلت على المركز الأول في مسابقة المقام في مدينة الزوراء، وجائزة المركز الأول في محافظة بابل بقيادتي لفرقة الخيال الموسيقية، إلى جانب عدة شهادات تكريمية ودروع أخرى، وكلها أكدت لي أن بيت العود ليس فقط مكانًا للتعليم بل منصة لصناعة فنانين فاعلين في المجتمع.
§ هل هناك اضافات جديدة للمنهاج التدريسي وخطط في تطوير بناء معهد بيت العود؟
§ اليوم، يعمل الدكتور نصير شمه على تطوير رؤية جديدة للمنهاج، من خلال إضافة تمارين حديثة وتوسيع آفاق التعليم الموسيقي داخل معهد بيت العود، وهذه النقلة المرتقبة ستعطي دفعة جديدة لتجربة التعلّم، وستُسهم في تخريج عازفين أكثر تميزًا واحترافًا.
كما أنه سوف يوسع في المقاعد الدراسية للصفوف لاستقبال عدد كبير من الطلاب.
§ كيف يؤثر بيت العود العربي في تعزيز الوعي الثقافي والفني لدى الشباب في ظل التحديات التي تواجه الهوية الثقافة في العراق؟
§ في ظل الحروب والطائفية التي أثرت سلبًا على الثقافة والوعي في العراق، يلعب بيت العود العربي دورًا محوريًا في تهذيب النفوس وتنمية الحس الفني الإبداعي والروحاني لدى الشباب. نحن لا نقتصر على تعليم فن الموسيقى فقط، بل نركز على تنمية الوعي الفكري والأخلاقي والإنساني للطلاب لنمكنهم من التمييز بين الطرب الأصيل والموسيقى التجارية أو الرقمية التي تُنتج أحيانًا بواسطة آلات ومؤثرات مصنعة بالذكاء الاصطناعي، والتي تفتقر إلى نبضات القلب وأحاسيس ومشاعر روح الإنسان الحقيقية. نعمل تحت توجيهات الدكتور نصير شمه ، و نحرص على تخريج عازفين يكونون قدوة ومصدر إلهام للآخرين، قادرين على الحفاظ على التراث الموسيقي الأصيل ونقله بأمانة وإبداع.
§ ما الرسالة التي يوجّهها الفنان مصطفى صالح إلى من يحلم بأن يصبح موسيقيًا وعازف عود؟
§ أنصح كل من يحلم أن يكون عازف عود أن يتخذ الدكتور نصير شمه قدوة، يحتذي بمسيرته الابداعية ويجعل من بيت العود العربي بوابة الانطلاق لتحقيق حلمه بالاجتهاد والالتزام والصبر والمثابرة يصبح الحلم حقيقة.
#سفيربرس _ حاورته : دنيا صاحب – العراق