العقلية الماراثونية.. بقلم : دنيا صاحب
#سفيربرس _ بغداد

العقلية الماراثونية هي بنية ذهنية تتّحد فيها بصيرة الاستنباط بضياء التنوير المستمدّ من الفكر المقدّس لتلاوة القرآن الكريم. تتسم هذه العقلية بالصدق “والحرية في مختلف أشكال فنون التعبير.
وتتميّز بقدرتها على اختزال الزمن، من خلال إنجاز المهام بسرعة وكفاءة عاليتين، مقرونة باتساع الرؤية الفلسفية ووضوح الطرح عبر أساليب متعددة. فكلّما انكشفت الرؤية وانقشع الحجاب عن بصيرة القلب، انطلقت العبارة، وانساب المعنى.
تُعرف هذه العقلية بقوة تركيزها، وسرعة بديهتها، وحُسن اختيارها، وإصرارها على بلوغ أهداف رؤيتها البعيدة المدى. إنها تتجاوز النمط التقليدي، وتبتكر منجزات غير مألوفة. ومن خلال أفكارها، تخوض سباقات ماراثونية شاسعة في ميادين الفكر والروح والثقافة، بتجارب تتجاوز حدود الإدراك العقلي، لترتقي إلى ما هو خارج نظام الأسباب في سياق الحياة الاعتيادية.
إنها عقلية تحقّق النجاحات المتواصلة، وتفوز بالكأس الذهبي لما تمتلكه من سعة خيال، وصفاء ذهن، وبصيرة منفتحة على البُعد الروحي العاشر وما بعده — تلك هي عين الروح التي تطّلع على الحقائق المخفية. هي عقلية المتنوّر بتراتيل الروح وآيات الذكر الحكيم، عقلية ذات أنماط سماوية، مؤلفة من نبوغ، وعزيمة راسخة، وشغف لا يخبو، وثبات لا ينقطع على وتيرة من الجهد والإصرار، في سبيل كشف الحقائق المستترة، وبلوغ قمة الهرم الطاقي الكوني.
ويتجلّى جوهر هذه العقلية في رفض الاستسلام أمام أي عائق، بل في التقدّم بثقة وثبات نحو تحقيق الأهداف. إذ ترى العالم بعين منفتحة تعيش في نور إلهي، مؤمنة أن التوفيق والنجاح يتحققان — بإذن الله — كمعجزة قد تُنجز في لحظة أو أقل.
وصاحب هذه العقلية لا يرضى بإنجاز عابر، بل يؤسّس لمسيرة متكاملة ترتكز على وعي كوني وبصيرة منفتحة على آفاق الوجود، مدركًا أن كلّ خطوة، مهما بدت شاقّة، تقترب به من الغاية المنشودة.
وتتجلّى هذه العقلية أيضًا في المران اليومي، كما لدى الرياضيين، إذ تسعى إلى التميّز والتفوّق في شتّى ميادين الحياة: في العلم، والفن، وريادة الأعمال، والإصلاح الثقافي، والسياسي، والاجتماعي، ولا سيّما في ميدان التربية والتعليم. ومن يتحلّى بها، يُدرك أن الإنجاز الحقيقي يكمن في النجاح ضمن رسالة كونية واعية، وفي القدرة على الاستمرار، وتجاوز التحديات النفسية والجسدية معًا.
وتنمي هذه العقلية صفات جوهرية مثل: الإيمان العميق بالقضية، والصدق، والأمانة، والإخلاص، والحرية، والجد، والمثابرة، والثقة بالنفس، والتفكير البعيد المدى، والانفتاح على آفاق غير محدودة، مقرونة بالتزام يومي بعمل متقن يقود إلى نجاح متسارع. وهي، في جوهرها، نقيض “عقلية النتائج البطيئة” التي كثيرًا ما تفضي إلى خيبة أمل أو تراجع.
وفي زمنٍ تتسارع فيه العتمة، وتُستبدل الجهود الواعية ببدائل تكنولوجية جوفاء، تبرز العقلية الماراثونية كقيمة فكرية وإنسانية متجذّرة في المثل العليا. فكلّ ما يُبنى برويّة ووضوح، وعلى أسس من منطق سليم وكلمة حرّة نابعة من يقين، هو الأبقى أثرًا، والأجمل في سجلّ الإنجاز.
إنّ الرحلة الماراثونية للعقل هي رحلة مقدّسة، لما تحمله من أفكار عظيمة وتجارب روحية وإنسانية تسمو فوق الواقع المادي، متجاوزة حدود الإدراك السطحي، لترسم المعنى الحقيقي والعميق للحياة، كما في الرحلة النبوية لنبي الله موسى مع الخَضِر عليهما السلام — حين تتجلّى الحقيقة في باطن الأمور، ويُعاد تعريف الزمن، الحقائق، العلم، والمعرفة، والغاية، وبلوغ النتيجة.
#سفيربرس _ بقلم : دنيا صاحب – العراق