إعلان
إعلان

ناقل المعلومات يرتقي إلى التأليف الرقمي والتصميم المعرفي… والحكمة ـ بقلم : حسين الإبراهيم

#سفيربرس

إعلان

قيل عن الصّحَافَةُ أنها المهنة التي تقوم على جمع وتحليل الأخبار والآراء والتحقق من مصداقيتها وتقديمها للجمهور، وغالبا ما تكون هذه الأخبار متعلقة بمستجدات الأحداث على الساحة السياسية أو المحلية أو الثقافية أو الرياضية أو الاجتماعية وغيرها.

الصحافة في اللغة العربية

الصحافة هي صناعة الصحفي لمقالات تهتم بجميع الأحداث التي تدور في مجتمعنا، والصحافيون هم القوم الذين ينتسبون إليها ويتطلعون عليها، ويعملون بها. أول من استعمل لفظ الصحافة، بمعناها الحالي، كان الشيخ نجيب الحداد، منشئ جريدة «لسان العرب»، في الإسكندرية، وحفيد الشيخ ناصيف اليازجي، وإليه يرجع الفضل في هذا المصطلح «صحافة»، ثم قلده سائر الصحفيين، بعد ذلك.

استخدم العرب والأوروبيون عديدا من المصطلحات لوصف الصحافة، بأشكالها المختلفة. فعند دخول الصحافة، لأول مرة، في مطلع القرن التاسع عشر، كان يطلق عليها لفظة «الوقائع»، ومنها جريدة الوقائع المصرية، كما سماها رفاعة الطهطاوي. وسميت كذلك «غازته»، نسبة إلى قطعة من النقود، كانت تباع بها الصحيفة. كما أطلق عليها الجورنال. وقد استعمل العرب الأقدمون كلمة «صحفي» بمعنى الوراق الذي ينقل في الصحف، وقيل في ذلك عن بعضهم: «فلان من أعلم الناس لولا أنه صحفي» بمعنى أنه ينقل عن الصحف أو الصحائف. وقد عرف بعضهم الصحافة الحديثة بأنها كل نشرة مطبوعة تشتمل على أخبار ومعلومات عامة وتتضمن سير الحوادث والملاحظات والانتقادات التي تعبر عن مشاعر الرأي العام وتباع في مواعيد دورية محددة وتعرض على الجمهور عن طريق الاشتراك والشراء.

وقد أطلق العرب لفظ الغازته على الصحف، في أوائل عهدها، تقليدا للأوروبيين؛ حيث يقال إن أول صحيفة، ظهرت في البندقية، عام 1656، كانت تسمى غازته؛ فشملت هذه التسمية فيما بعد كل الصحف بلا استثناء.

وعندما أنشأ خليل الخوري، عام 1858، جريدة «حديقة الأخبار» في بيروت أطلق عليها اللفظ الفرنسي «جورنال». وكان الكونت رشيد الدحداح اللبناني، صاحب جريدة «برجيس باريس»، الباريسية، هو أول من اختار لفظ «صحيفة»، وجرى مجراه أكثر أرباب الصحف، في ذلك العهد، وبعده؛ فما كان من أحمد فارس الشدياق اللبناني، صاحب »الجوائب« في القسطنطينية، وهو الذي ناظر الكونت رشيد الدحداح، في بعض المسائل اللغوية، إلا أن عقد العزم على استعمال لفظ «جريدة» (وهي الصحف المكتوبة كما وردت في معاجم اللغة) ومن ذاك الوقت شاع لفظ الجريدة، لدى جميع الصحفيين، بمعناها العصري.

وقد استعمل بعضهم، كالقس لويس صابونجي، صاحب «النحلة»، لفظة «النشرة»، بمعنى الجريدة، أو المجلة، وهكذا صنع المراسلون الأمريكيون، أصحاب »النشرة الشهرية«، و«النشرة الأسبوعية»، في بيروت وغيرهم.

ومن المسميات، التي أطلقت على الصحافة، «الورقة الخبرية» و«الرسالة الخبرية» وقد استعملتها جريدة المبشر، وأكثر الصحف العربية، في الجزائر ومنها كذلك «أوراق الحوادث»، وهو الاسم الذي أطلقه، للدلالة على صحف الأخبار، نجيب نادر صويا، منشئ مجلة «كوكب العلم»، في القسطنطينية.

وهناك، كذلك، اسم «المجلة» وأول من استعمله، في الوطن العربي، كان الشيخ إبراهيم اليازجي، عندما أصدر مجلة الطبيب، عام 1884. ولفظة المجلة أصلها الفعل «جلّ»، أي علا وسما مقاما، أو وضح وظهر. ومن ثم فإن اسم المجلة يعني إيضاح الحقائق.

هل تغير تعريف الصحافة بعد ظهور الإعلام الرقمي؟

نعم، تغير تعريف الصحافة بشكل كبير بعد ظهور الإعلام الرقمي. في السابق، كانت الصحافة تعتمد على الصحف الورقية والإذاعة والتلفزيون كمصادر رئيسية لنقل الأخبار والمعلومات. أما اليوم، فقد أصبح الإعلام الرقمي جزءاً أساسياً من المشهد الإعلامي، مما أدى إلى تغييرات جوهرية في مفهوم الصحافة ووظائفها.

أبرز هذه التغييرات تشمل:

  • السرعة والآنية: لم يعد الصحفي بحاجة إلى انتظار الطباعة أو البث التلفزيوني، بل يمكنه نشر الأخبار فور حدوثها عبر الإنترنت.
  • التفاعل مع الجمهور: أصبح الجمهور جزءاً من العملية الصحفية، حيث يمكنه التعليق والمشاركة في صناعة المحتوى.
  • تنوع المحتوى: لم تعد الصحافة مقتصرة على النصوص المكتوبة، بل تشمل الفيديوهات، البودكاست، والرسوم البيانية التفاعلية.
  • الصحافة الفردية: لم يعد الصحفي بحاجة إلى مؤسسة إعلامية كبيرة، بل يمكنه العمل بشكل مستقل عبر منصات التواصل الاجتماعي والمدونات.

تعريف الصحافة المعاصرة

الصحافة المعاصرة هي منظومة إعلامية تتسم بالتفاعلية والسرعة والتنوع، حيث لم تعد مقتصرة على المؤسسات التقليدية مثل الصحف الورقية والقنوات التلفزيونية، بل توسعت لتشمل المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي. تعتمد على التقنيات الحديثة لنقل الأخبار والمعلومات بشكل فوري، مما يسمح للجمهور ليس فقط بتلقي الأخبار، بل بالمشاركة في صناعتها والتفاعل معها.

الصحافة اليوم هي مزيج من الوسائط المختلفة، تشمل النصوص، الفيديوهات، البودكاست، والرسوم البيانية التفاعلية، مما يساهم في إيصال المحتوى بطريقة أكثر جذباً ووضوحاً. كما أن ظهور الصحافة الفردية عبر المدونات والمنصات الرقمية عزز استقلالية الصحفيين، حيث لم يعد نشر المحتوى حكراً على المؤسسات الإعلامية الكبرى.

في جوهرها، الصحافة المعاصرة تركز على المصداقية، الشفافية، وإشراك الجمهور في صناعة الأخبار، مع الحفاظ على القيم الصحفية الأساسية المتمثلة في البحث عن الحقيقة ونقلها بموضوعية.

الصحفي المعاصر

لم يعد الصحفي مجرد ناقل للمعلومات، بل أصبح مفسراً، محللاً، ومتفاعلاً مع الأحداث والجمهور. في عصر الإعلام الرقمي، تغيرت طبيعة الصحافة، وأصبح الصحفي مطالباً بمهارات متعددة تتجاوز مجرد نقل الأخبار، مثل التحقق من المعلومات، إنتاج محتوى متعدد الوسائط، والتفاعل مع الجمهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

الصحفي المعاصر هو صانع محتوى، يستخدم الأدوات الرقمية لنقل الأخبار بطريقة جذابة وسريعة، ويعتمد على التحليل العميق لفهم السياقات المختلفة للأحداث. كما أن الصحافة الاستقصائية أصبحت أكثر أهمية، حيث يسعى الصحفي إلى كشف الحقائق وتقديم معلومات موثوقة وسط انتشار الأخبار الزائفة.

الصحفي المعاصر لم يعد مجرد ناقل للأخبار، بل أصبح أشبه بمهندس معلومات يصمم المحتوى وفق احتياجات الجمهور، ويقدم المعرفة بلغة العصر، إنه خوارزمي تنظيم المعلومات الصحفية.

الصحفي هو مزيج من المحقق، المفسر، والمحلل، يستخدم أدوات التكنولوجيا الحديثة، والذكاء الاصطناعي، وأساليب السرد المتنوعة ليُكيّف المحتوى بناءً على طبيعة الجمهور واهتماماته. فهو لا يكتفي بنقل المعلومة، بل يُعيد صياغتها، يُبسطها، ويربطها بسياقها الأكبر.

هذا التحول يجعل الصحفي المعاصر أقرب إلى كونه مبتكر معرفة، أكثر منه ناقل لها، حيث يعتمد على الفهم العميق للبيانات، والتفاعل مع المتلقي، واستخدام الأدوات الرقمية الحديثة ليجعل المعلومات أكثر تأثيراً، دقةً، وسهولةً في الوصول.

الصحفي هو الفنان الذي يتمثل الوقائع بمادته الصحفية وينقلها إلى المتلقي وفق حاجته إليها وبما يشبع تلك الحاجة

أصبح الصحفي فناناً في صياغة المعرفة، حيث يعيد تشكيل الوقائع وينقلها بأسلوب يتوافق مع احتياجات الجمهور ويشبع فضوله.

الصحافة الحديثة بين الإبداع والحكمة

لم تعد الصحافة مجرد نقل للمعلومات، بل تحولت إلى فنٍّ يجمع بين الإبداع والتحليل، وسرد القصص بطريقة تفاعلية تلامس وجدان المتلقي. فهي تشبه عمل الفنان الذي يصوغ المشاعر والتجارب الإنسانية بأدواته، لكنها تضيف إليها دقة البيانات وقوة التكنولوجيا. الصحفي هنا يصبح “مؤلفاً رقمياً” يصمم المعرفة، لا يكتفي بالجمع، بل يعيد تشكيل المعلومة لتصبح قصة ذكية ومؤثرة.

لكن رغم براعة الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات وإنتاج المحتوى، يبقى عاجزاً عن بلوغ الحكمة. لأن الحكمة تتطلب فهماً عميقاً للسياق الإنساني، وتراكم الخبرات، والقدرة على الموازنة بين العقل والقلب. الصحافة الحقيقية، عندما تتحول إلى فنٍّ راقٍ، تقترب من الحكمة لأنها لا تقدم المعلومة فحسب، بل تضعها في إطارها الأخلاقي والعاطفي، مما يجعلها جسراً بين المعرفة والإنسانية.

هكذا تظل الصحافة الجيدة تذكيراً بأن التكنولوجيا، مهما بلغت ذكاءها، لن تحل محلّ البصيرة الإنسانية التي تمنح المعنى الحقيقي للكلمات.

#سفيربرس ــ بقلم : حسين الإبراهيم

 

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *