علي بدوان حارس الذاكرة الفلسطينية وداعاً.. بقلم :ليلى صعب
#سفيربرس

تودع الساحة الثقافية الفلسطينية والعربية اليوم أحد أبرز مناضليها بقلمه وفكره، في سبيله القضية المركزية قضية فلسطين، الكاتب والناقد علي بدوان الذي عُرف بصوته الجريء ومقالاته التي اشعلت الوعيً واذكت نارَ المقاومة الثقافية. رحل جسده اليوم عن دنيانا الفانية، لكنّ كلماته ستظل خريطةً للذاكرة، وجذوةً للعودة.
كان بدوان شاهدًا على العصر، فمن مخيم اليرموك إلى منافيه، حمل في قلبه ألم اللجوء، وفي قلمه حكاية شعبٍ لن يموت. كتبَ لتكون فلسطين حيةً في الضمير، وكتبَ لئلّا يُنسى اليرموك، أو تُنسى القرى التي محاها الاحتلال.
يُعد علي بدوان الكاتب الفلسطيني احد اهم الذين تبنوا منهجاً فكريا لمحاربة ضياع الذاكرة الفلسطينية، بدا هذا جليا في عشرات المقالات الصحفية و المؤلفات التي توثّق تاريخ الشعب الفلسطيني ونضالاته على كل الجبهات ، وتحديدا في مرحلة ما بعد النكبة وحتى اليوم.
نشا علي بدوان في مخيم اليرموك في دمشق – وكان شاهدً عيان على تجربة اللاجئين الفلسطينيين معاناتهم، فشغلت همومهم وحكايات هم وما حملوه معهم من ذكريات حيزا كبيرًا من كتاباته التي وثقت حياتهم و دونت تاريخ تاريخ مخيماتهم، ففي كتاباته، ربط بين المأساة الفردية للاجئ وبين والصراع الجماعي والقضية الكبرى، مؤكدًا أن الذاكرة الفلسطينية لا تقتصر على السرد التاريخي، بل تعتبر سلاحٌ ماض من أدوات المواجهة ضد التهويد والتهميش والنسيان الذي كان رهان المنظمات اليهودية.
انفرد علي بدوان في تفنيد ومقاومة الرواية الصهيونية مستعينا بقدرة فائقة عُرف بها وهي التحليل النقدي للرواية الإسرائيلية، التي تكشف زيف الرواية الباطلة “أرض بلا شعب” من خلال توثيقه الصفحات من حياة الفلسطينيين قبل النكبة وبعدها.
وقد ركز بشدة في مقالات وفي مناسبات مختلفة على حفظ الذاكرة الفلسطينية (أسماء القرى المدمرة، الروايات الشفوية، الصور الأرشيفية، العادات والتقاليد والتراث ) هو شكل اساسي من أشكال المقاومة. وقد استضفته في مناسبات عدة للتوسع في هذا الجانب، ولحظت موسوعيته و ذاكرته المتوقعة رحمه الله، بالإضافة إلى الدقة والتوثيق الدقيق للمصادر والمراجع التي استقى منها معلوماته.
احتل مخيم اليرموك مكان الصدارة في كتاباته باعتباره عاصمة الشتات الفلسطيني والمحطة الاخيرة باتجاه القدس، وقد اعتبره في اكثر من مناسبة رمزا للمذاكرة المهددة الزوال؛ والتي أصبحت هدفا مباشرا خلال الحرب،
و تحوّل المخيم من مكانٍ للجوء إلى ساحة المعركة وتم زجه في الصراع على أوسع نطاق،
فعاد الى توثيق دمار المخيم وغريبة اهله الثانية ، مدرجاً الحدث في سياق استمرار مأساة التهجير الفلسطيني.
“الكتابة كفعلٍ نضالي مقاوم “عبارة سمعتها منه شخصيا يوم كنا نتبنى المقاومة الثقافية، فكان يؤكد انه ينبغي الانكتفي بالسرد التاريخي، بل يجب تبني اللغة والكلمة كأداة لإحياء الهوية الفلسطينية، خاصة لدى الأجيال الشابة التي لم تعايش النكبة.
وقد الف في هذا السياق كتابه” فلسطين الذاكرة والهوية” والذي ركز فيه على دور الذاكرة في الحفاظ على الحقوق الفلسطينية، معتمد في ذلك على عشرات الروايات الشفوية للاجئين التي وثقها ، معتبرًا أن هذه الذكريات تشكل تاريخًا مضادًا للرواية الإسرائيلية التي اعتمدت الكذب والتضليل.
كما خص المخيم بكتابه “مخيم اليرموك: سيرة مكان”الي سرد فيه تاريخ المخيم كرمزٍ للشتات والمقاومة معا .
– في رصيده مئات المقالات في الصحف مثل “القدس العربي” و”دنيا الوطن”، اللقاءات والندوات الاعلامية المرئية والمسموعة التي تُعتبر أرشيفًا حيًا وواقعيا للقضية الفلسطينية.
أمن علي بدوان بأن الذاكرة الفلسطينية ليست ماضيا منسيا بل حاضرا يبنى عليه وينطلق على أساسه للمستقبل فكانت هذه الرسالة الأساسية في اعماله، من خلال توثيق القرى المدمرة، وحكايا اللاجئين، وتاريخ المقاومة، يحاول أن يضمن ألا يتمكن الاحتلال من طمس الهوية الفلسطينية مهما طال الزمن.
وآمن ان””الذاكرة الفلسطينية هي خارطة العودة، وكل كلمة تُكتب عنها هي خطوةٌ نحو تحقيق العدالة.”
وبهذا المعنى، يكون الراحل علي بدوان قد حوّل القلم إلى سلاحٍ في معركة البقاء، فحافظ على الذاكرة الفلسطينية كقضيةً حيةً في الوعي الجمعي العربي والعالمي.
اليوم، يرحل ابن المخيم وكاتبه البار ، لكنه يترك إرثًا من الكلمات كالسنابل، تُغذّي الأجيال بحقّ العودة، وتُذكّرهم أن الذاكرة تُهزمُ البندقيةَ حين يتعطل ضميرُ العالم،والحكاية هي الشعلة حين ينطفئ نور الحقيقة.
علي بدوان لم يكن كاتبًا عاديًّا، بل كان حارسًا للذاكرة الفلسطينية الأصيلة، امضى حياته في خدمتهاوكان لايزال في جعبته الكثير
فكيف يرحلُ الحارس؟
لن يرحل.. بل يتحوّل إلى ذاكرةٍ أخرى، في قلوب محبيه والباحثين عن الحقيقة من بعده والمناضلين على درب العودة…
#سفيربرس _ بقلم : ليلى صعب