ما سر الانجذاب نحو المحتوى التافه… بقلم : د. فتون عبدالله الصعيدي
#سفيربرس

يشكل انتشار المحتوى السطحي والهش في الفضاء الرقمي وبعض وسائل الإعلام ظاهرة تستدعي التوقف عندها.
لا يمكن عزو هذه الظاهرة إلى مجرد وجود هذا المحتوى، بل إلى الإقبال الجماهيري الواسع عليه.
فلو لم يكن هناك دعم جماهيري هائل ونسب مشاهدة مرتفعة، لما تمكن هؤلاء “المؤدون” من الاستمرار، ولما تحولوا إلى شخصيات مؤثرة تُستثمر فيها الأموال وتُمنح منابر تفوق أحيانًا تلك المخصصة للمثقفين.
لذلك، فإن السؤال الأكثر أهمية ليس “لماذا يطغى المحتوى التافه على وسائل التواصل الاجتماعي؟” بل يجب أن يكون: “لماذا يميل الأفراد إلى هذا المحتوى المتدني، رغم إدراكهم العام لسلبياته ومخاطره وضرورة مكافحته؟”
-الذوق العام والبحث عن المواءمة النفسية:
يرتبط جزء كبير من الإجابة بما يُعرف بـ “الذوق العام”، والذي يمثل مجموع الخصائص المشتركة في الاختيارات الثقافية والاجتماعية لمعظم أفراد المجتمع. يتأثر هذا الذوق بعوامل متعددة، أبرزها المستوى التعليمي والظروف الاقتصادية.
ولكن الجانب الأكثر أهمية في سياقنا هو ارتباطه الوثيق بجانب المتعة في النفس البشرية، فالإنسان بطبيعته يميل بشكل فطري نحو ما يجلب له السرور والبهجة ويبعد عنه الضيق والملل.
-الهروب من تعقيدات الحياة الحديثة:
تُساهم التعقيدات المتزايدة للحياة المعاصرة، إلى إرهاق الإنسان نفسيًا وعصبيًا، في توجيه هذا الميل. فالتحديات اليومية والضغوط المستمرة تدفع الفرد نحو التملص من الجدية بجميع أشكالها، والاتجاه نحو السخرية والتعليقات الفكاهية، وصولًا إلى تبسيط القضايا والمفاهيم المعقدة وتجريدها من أي عمق أو منطق.
و أصبح الحل المفضل للإنسان المنهك من إيقاع الحياة السريع هو الاستهلاك اليومي لمحتوى بسيط ومسلٍ. هذا المحتوى لا يتطلب جهدًا فكريًا، ولا يضيف عبئًا على الأذهان المتعبة، والأهم أنه لا يفاقم من إرهاق الأعصاب التي تضررت بالفعل من صراعات السياسة والحروب والأزمات الصحية.
-تآكل الذوق العام وتداعياته:
ما ينطبق على الإعلام الرقمي ينطبق أيضًا على مجالات أوسع كالكتب والموسيقى، أي على جميع أوعية الثقافة. فالمحتوى السطحي يعمل على تآكل الذوق العام وتدني مستواه في جميع جوانب الحياة. طالما ظل المتلقي، الذي يشكل حجر الزاوية في بناء الذوق العام، مثقلًا بهموم الحياة ومقيّدًا بقيودها فسيستمر في بحثه عن الملاذ في العبث والسطحية. وسيظل بذلك عميلاً دائمًا لـ “متاجر التفاهة” التي ستتوسع أكثر وتُلحق المزيد من الضرر.
#سفيربرس _ بقلم : د. فتون عبدالله الصعيدي