إعلان
إعلان

تحليل منهجية التغطية الإخبارية في إطار حاجات المتلقي ـ بقلم :حسين الإبراهيم

#سفيربرس

إعلان

تطورت احتياجات الجمهور من الأخبار بشكل كبير خلال العقود الأخيرة، فلم يعد الاهتمام يقتصر فقط على نقل الحقائق المجردة، بل أصبحت الأخبار تلعب دورًا أعمق في حياة الناس، حيث يبحثون عن الفهم، التحليل، وحتى الشعور بالتواصل والارتباط بالمجتمع من خلالها. فكيف تطورت هذه الاحتياجات؟ وما مدى اهتمام الصحفيين بتلبيتها؟ وهل يمكن للإعلام أن يكون أكثر من مجرد وسيط لنقل المعلومات؟

تحول مفهوم الحاجة إلى الأخبار

لطالما كان يُفترض أن الجمهور يريد فقط الحقائق المجردة من وسائل الإعلام، باعتبار أن الأخبار يجب أن تكون موضوعية وخالية من التحيز، إلا أن الدراسات الأكاديمية أظهرت أن الناس يبحثون عن ما هو أكثر من المعلومات المجردة.

في أربعينيات القرن الماضي، وصف “برنارد بيرلسون” كيف شعر سكان نيويورك بالارتباط الاجتماعي عند قراءة الصحف، بعد أن أعدّ  دراسة اجتماعية، عندما توقفت ثماني صحف عن الصدور لمدة أسبوعين بسبب إضراب عمال شركة التوزيع في نيويورك.

سأل بيرلسون الجمهور عن أكثر ما افتقدوه خلال هذه الفترة، وتوصل إلى أن الصحف تلعب أدوارًا متعددة تجعلها جزءًا أساسيًا من حياة الناس، مثل نقل المعلومات، الإخبار، والهروب من العالم اليومي.

هذه الدراسة كانت جزءًا من منظور جديد للعلاقة بين الجمهور ووسائل الإعلام، حيث بدأ يُنظر إلى الجمهور على أنه عنصر فاعل في انتقاء الرسائل والمضامين المفضلة، وليس مجرد متلقٍ سلبي.

ومنذ سبعينيات القرن العشرين، بدأ الباحثون في تحليل مجموعة واسعة من “الاستخدامات والإشباعات” التي تقدمها الأخبار، مثل الترفيه والتفاعل.

اليوم، أصبح للصحفيين والمؤسسات الإخبارية أدوات جديدة لفهم احتياجات الجمهور، مثل نموذج احتياجات المستخدم الذي طورته هيئة الإذاعة البريطانية BBC، والذي يعمل على هيكلة وتصنيف المحتوى الإخباري وفقًا للحاجات المختلفة للجمهور.

ما الذي يريده الجمهور من الأخبار؟

تشير الدراسات الحديثة إلى أن الجمهور لا يبحث فقط عن الأخبار التي تبقيه على اطلاع، بل يريد أيضًا أخبارًا تساعده في الفهم، وأخرى تلبي احتياجاته الشعورية والاجتماعية. وهنا يتم تصنيف احتياجات المستخدم إلى أربع فئات رئيسية بلسان الجمهور وفق الجدول التالي:

فجوة بين احتياجات الجمهور وما تقدمه وسائل الإعلام

ورغم أهمية هذه الاحتياجات، هناك فجوة واضحة بين ما يريده الجمهور وما يحصل عليه بالفعل. في استطلاع عالمي شمل 47 سوقًا، اعتبر 65٪ من المشاركين أن الأخبار التي تلبي احتياجات المعرفة والفهم مهمة جدًا، لكن أقل من نصفهم يرى أن وسائل الإعلام تقوم بعمل جيد في تلبيتها.

من ناحية أخرى، تعد الحاجة إلى تقديم وجهات نظر مختلفة أعطني منظورا واحدة من أبرز الأولويات غير الملباة، حيث يعتقد الجمهور أن الإعلام لا يقدم التنوع المطلوب في التحليل والرؤى. هذه الفجوة تمثل تحديًا كبيرًا للصحفيين والمؤسسات الإعلامية، حيث يُطلب منهم تقديم محتوى أعمق وأكثر تحليلاً بدلًا من مجرد الأخبار السريعة والعناوين المثيرة.

اختلاف الحاجات الصحفية عبر الدول والثقافات

ما يريده الجمهور من الأخبار ليس متشابهًا في جميع الدول، حيث تشير الدراسات إلى أن هناك اختلافات واضحة في الأولويات حسب المنطقة الجغرافية:

  • في أوروبا الغربية وأمريكا اللاتينية، يفضل الجمهور الأخبار التي تساعد على الفهم والتحليل.
  • في شمال أوروبا وآسيا والمحيط الهادئ وأجزاء من إفريقيا، تبقى المعرفة هي الأولوية الأولى.
  • في الدول التي تعاني من ضعف حرية الصحافة، يميل الجمهور إلى البحث عن الأخبار الأساسية التي توفر معلومات دقيقة بدلًا من التحليل.

دور الصحفي في تلبية احتياجات الجمهور: بين التطور التقني وفهم السلوك القرائي

مع تحول حاجات الجمهور من الأخبار إلى مستويات أكثر تعقيدًا تشمل المعرفة، الفهم، الشعور، والتفاعل، أصبح الصحفي مطالبًا بتطوير قدراته ومهاراته ليس فقط في إنتاج الأخبار، بل أيضًا في تحليلها، تقديمها، والاستفادة من التقانات الحديثة بما فيها الذكاء الاصطناعي.

  1. 1. الصحفي بين التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي

لم يعد دور الصحفي يقتصر على جمع المعلومات وكتابتها، بل بات يشمل أيضًا فهم أدوات التكنولوجيا، واستثمار ما توفره الخوارزميات والذكاء الاصطناعي لصناعة محتوى أكثر دقة وتأثيرًا. من هنا، فإن الصحفي مطالب بالعمل على:

  • التدريب المستمر: مواكبة التطورات التكنولوجية من خلال دورات تدريبية متقدمة حول أدوات الذكاء الاصطناعي في الصحافة.
  • استخدام التكنولوجيا لتعزيز دقة الأخبار: الاعتماد على التعلم الآلي في تحليل البيانات الكبيرة، واستخراج المعلومات ذات الصلة بالموضوع.
  • تحقيق التوازن بين الذكاء الاصطناعي واللمسة الإنسانية: فهم أن الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يحل محل الصحفي بالكامل، بل يمكن أن يكون مساعدًا قويًا في إنجاز المهام الروتينية، مما يسمح له بالتركيز على التحليل والربط العميق للأحداث.
  1. 2. متابعة تطورات التقانات وتأثيرها على الإعلام

مع التطور السريع في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، هناك ضرورة لمتابعة:

  • كيف تؤثر التقنيات الجديدة على طرق البحث والتحقق من الأخبار.
  • كيف يمكن للصحفي الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تحليل بيانات الجمهور ومتابعة التوجهات الإعلامية.
  • المخاطر الأخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الأخبار، مثل ضرورة الحفاظ على الدقة وعدم الانجراف وراء الأخبار التي يتم إنتاجها بشكل آلي دون تحري صحتها.
  1. 3. فهم سلوك الجمهور القرائي: دراسة الحاجات والعلاقات الاجتماعية

لكي يتمكن الصحفي من تلبية احتياجات المستخدمين بشكل أكثر فعالية، يجب أن يكون ملمًا بـ:

  • دراسة الجمهور: استخدام أدوات تحليل البيانات لفهم اهتمامات القراء، ومعرفة أي نوع من الأخبار يتابعونه.
  • تحليل العلاقات الاجتماعية وتأثيرها على استهلاك الأخبار: كيف تؤثر الثقافة، السياسة، والاقتصاد على طبيعة الأخبار التي يبحث عنها الجمهور؟
  • مواكبة التحولات في طرق استهلاك الأخبار: مع تصاعد استخدام المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، على الصحفي أن يدرك كيف يغير الجمهور طريقة تفاعله مع الأخبار، ويصمم المحتوى بطريقة تخدم هذه التحولات.

الصحفي في عصر الذكاء الاصطناعي: صانع محتوى أم محلل بيانات؟

في ظل هذا التطور، يواجه الصحفي تحديًا حقيقيًا: هل يظل مجرد ناقل للمعلومات أم يصبح محللًا دقيقًا لفهم احتياجات الجمهور وصياغة الأخبار بناءً على ذلك؟ يمكنه تجاوز هذا التحدي من خلال دمج التكنولوجيا بالتحليل الإنساني، بحيث تكون الأخبار:

  1. أكثر دقة بفضل التكنولوجيا.
  2. أكثر عمقًا بفضل التحليل الصحفي.
  3. أكثر ارتباطًا بالجمهور بفضل الفهم السلوكي.

بهذا الشكل، لن يكون الصحفي مجرد وسيط بين الخبر والجمهور، بل سيصبح مفسرًا، محللًا، ومبدعًا في تقديم المعلومات بأسلوب يتماشى مع حاجات المستخدم المتغيرة.

دمج الذكاء الاصطناعي في الصحافة: الفرص والتحديات

أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من صناعة الأخبار، حيث يساعد الصحفيين في تحليل البيانات، التحقق من المعلومات، تخصيص المحتوى، وحتى كتابة التقارير. ومع ذلك، فإن استخدامه يتطلب فهمًا دقيقًا لكيفية استثماره بشكل فعال دون المساس بالمصداقية الصحفية.

كيف يمكن للصحفيين دمج الذكاء الاصطناعي في عملهم؟

هناك العديد من الطرق التي يمكن للصحفيين من خلالها الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، ومنها:

  1. تحليل البيانات الضخمة: يساعد الذكاء الاصطناعي في استخراج الأنماط والاتجاهات من كميات هائلة من البيانات، مما يسهل الصحافة الاستقصائية.
  2. التحقق من الأخبار: يمكن للذكاء الاصطناعي رصد الأخبار المزيفة عبر تحليل مصادر المعلومات وتحديد مدى موثوقيتها.
  3. أتمتة المهام الروتينية: مثل نسخ المقابلات، تصنيف الصور، وتحرير النصوص، مما يوفر وقتًا ثمينًا للصحفيين للتركيز على التحليل العميق.
  4. تخصيص المحتوى: يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل سلوك المستخدمين واقتراح الأخبار التي تتناسب مع اهتماماتهم، مما يعزز التفاعل مع الجمهور.
  5. إنتاج الأخبار: بعض المنصات تستخدم الذكاء الاصطناعي في كتابة التقارير الإخبارية، خاصة في مجالات مثل الرياضة والاقتصاد، حيث تعتمد على بيانات منظمة.

هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلبي احتياجات المستخدم؟

مع تزايد استخدام الذكاء الاصطناعي في صناعة الأخبار، بدأ الجمهور يتساءل: هل يمكن للآلة أن تلبي احتياجات المستخدم بنفس الطريقة التي يفعلها الصحفي البشري؟

أظهرت الدراسات أن الناس يشعرون بعدم الارتياح تجاه الأخبار المصنوعة بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي، بل يريدون وجود الصحفي في الحلقة لضمان الدقة والتحليل والتفسير الإنساني للأحداث.

ورغم ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دورًا مساعدًا في تحليل الأخبار وتصنيفها وفقًا لاحتياجات الجمهور، لكنه لا يمكن أن يكون بديلًا للصحفي البشري في تقديم السياق والفوارق الدقيقة والتفسير العميق.

الخاتمة

لم يعد الجمهور يكتفي بالأخبار التي تقدم له الحقائق فقط، بل يريد أن يشعر بأنه جزء من الحدث، يفهم خلفياته وأبعاده، ويرى تأثيره على حياته اليومية. وهذا يضع الصحفيين أمام تحدٍ كبير: كيف يمكنهم مواكبة هذه التغيرات في احتياجات الجمهور، وتقديم أخبار تلبي مختلف الحاجات، بدلًا من التركيز فقط على نقل الحدث؟

مع تطور الصحافة الرقمية وظهور نموذج احتياجات المستخدم، أصبح لدينا أدوات أكثر دقة لفهم الجمهور وتصميم المحتوى بطريقة تلائم احتياجاته المتغيرة. لكن يظل السؤال الأهم: هل تستطيع وسائل الإعلام حقًا تلبية هذه الاحتياجات، أم ستبقى الفجوة قائمة بين ما يريده الناس وما يحصلون عليه بالفعل؟.

#سفيربرس ـ بقلم :حسين الإبراهيم

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *