إعلان
إعلان

إياد الموسوي لسفيربرس : الفن رؤيةٌ تحفظ الهوية الثقافية وتعيد مساءلتها

#سفيربرس _حوار: دنيا صاحب – العراق

إعلان

فنانٌ تشكيلي عراقي، خطّ مسيرته كما يُخطّ القدر على صفحات التاريخ، وجعل من اللون لغةً فلسفية تُسائل الوجود. حمل ريشته كجواز عبور إلى أعماق ذاته والعالم وصاغ لغة تعبيرية تجريدية تتجاوز المرئي نحو ما ورائيات الوجود.

نسج من الغربة ذاكرةً ملوّنة ومن الحنين لوحاتٍ تنبض بجمال تراثه الشخصي البغدادي بعينٍ تستبصر ما وراء جدران بغداد وأزقتها المترامية على ضفاف نهر دجلة. “يسكن حنينه تفاصيل البيوت التراثية ويرتّل مع صوت مآذن الجوامع ويضيئها بأنوار المصابيح التي تسهر معه اناء الليل.”

وُلد في بغداد وعاش في كندا، حيث تخرّج في جامعة كونكورديا بمونتريال، ونال منحًا مرموقة كـ”روسو” و”فرميت” وأكمل دراسات عليا في مركز بانف للفنون بألبرتا. لم تكن هجرته جغرافية فقط، بل تحوّلت إلى رحلة فنية مزجت بين زخرفة الشرق وتحليل الغرب، ليبتكر منهجية “الألوان المركبة”.

يُعرف بأسلوب يمزج الرمزية الصوفية بالتكوينات الهندسية ويستخدم خامات متعددة في جدارياته مثل الفولاذ، النحاس الجلد، الخشب، الحجر المرمري والموزاييك. يوظّف هذه المواد بفنية عالية لخلق جداريات ثلاثية الأبعاد تنبض بالرمز والتراث بروح معاصرة، حتى غدت أعماله نُصبًا ثقافيةً في ساحات عربية وأجنبية.

يفتح أبواب التساؤل، ويعيد تركيب المعنى عبر الضوء والظلال، جامعًا بين الخط واللون والجمال الداخلي.
في معرضه “تناقض 24″، جسّد صراع الازدواجية داخل الإنسان، بشخصيات مزدوجة الوجوه تائهة وسط مؤامرات العصر.
وفي “تحديات وجودية”، طرح بأسلوب رصين أسئلة الكينونة والقلق، وجعل من اللوحة ساحة حوار بين الفنان والإنسان.

أقام أكثر من 27 معرضًا خاصاً حول العالم اضافة إلى المعارض المشتركة في مدن كبرى كـ: مونتريال، أوتاوا، بانف أبوظبي، دبي، الرباط، وبغداد واقتنت أعماله مؤسسات كبرى مثل مرسيدس بنز وArt Bank – Ottawa، ومجموعات خاصة حول العالم.

في هذا الحوار، نغوص في إرثه الصوفي، ومادته الفريدة، وذاكرته التي تحوّل اللوحة إلى وطنٍ بديل يحتضن مشاعره إلانسانية.

§ كيف تُعرّف نفسك ومسيرتك الفنية التي تمتد لأربعين عامًا؟ وهلّا حدثتنا عن أهم مراحل تطور أسلوبك الفني خلالها؟

§ أُعرّف نفسي كفنان تشكيلي يحاول أن يترجم التجربة الشخصية والإنسانية في أعمق أبعادها الجمالية والفلسفية أربعون عامًا من العمل الفني ليست مجرد عدد من المعارض أو اللوحات، بل هي رحلة عبور في الزمان والمكان والروح انتقلت بين بلدان وثقافات متعددة، من الشرق إلى الغرب، ومن ضفاف الروح العربية إلى فضاءات الطبيعة الكندية. كل مكان ترك أثرًا في نفسي ولغتي التشكيلية
تطورت تقنياتي وأسلوبي عبر مراحل، بدأت بالرسم الواقعي والانطباعي، ثم انفتحت على التعبيرية والتجريد، لأصل لاحقًا إلى توليف شخصي اسلوبي الخاص بين الرمزية، التصوف البصري، والطرح المعاصر. المرأة والطبيعة لعبا دورًا هامًا، وكذلك تجاربي الإنسانية، فكل مرحلة من حياتي كانت بمثابة طبقة لونية تُضاف إلى قماشة تجربتي الفنية تأثّرت بتراثي العائلي الشخصي وانحدر من عائلة تتوارث الادب والشعر والفنون الجميلة، مع إيحاءات من التراث البصري العراقي كالعمارة العراقية و الإسلامية والحضارات الرافدينية القديمة.

§ ذكرتَ في إحدى مقابلاتك أن “التناقض موجود داخل كل إنسان”. كيف تُجسّد هذا التناقض في أعمالك؟ وهل ترى أن الفن يمكن أن يكون أداة لتحقيق السلام الداخلي؟

§ نعم، التناقض هو جوهر الوجود الإنساني، وهو ليس عيبًا بل ضرورة، لأنه المحرّك الأول للوعي. هناك حلقات متصلة من التناقضات داخلنا: بين العاطفة والعقل، بين الواقع والحلم، بين الحرب والسلام أجسّد هذا التناقض بصريًا من خلال التوتر بين الخطوط والاشكال الاختصار في استخدام الالوان التقابل بين الألوان، والتضاد في العناصر البصرية. أحيانًا تظهر اللوحة كصرخة داخلية، وأحيانًا كحالة تأملية الفن، ومعه الموسيقى، من أنقى الوسائل التي تمنح الإنسان فرصة لمصالحة نفسه، وتهذيب روحه والبحث عن السلام الداخلي في عالم يزداد اضطرابًا.

§ في معرضك الأخير “تناقض 24” بالرباط، استخدمت تقنية الفحم والتفحيم باللون الأسود للتعبير عن هموم الإنسان المعاصر. ما الدلالة الجمالية والفلسفية لهذه التقنية؟ ولماذا اخترتها دون غيرها؟

§ الفحم هو أداة بدائية، عتيقة كان الانسان الاول ينقش بها داخل الكهوف ، لكنها تحمل في بساطتها عمقًا فلسفيًا هائلًا. اخترتها لأنها تعبّر عن المادة الأولية، عن الأصل، عن الرماد والولادة، عن الظلال التي نسكنها وتُسكننا الرسم بالفحم بالنسبة للفنان المحترف هو تمرين مستمر على الصدق البصري، وهو أداة تُطوَّع لتوليد المعاني الكثيفة التي يصعب على الألوان البراقة قولها. في “تناقض 24″، استخدمت الأسود لأنه لون الداخل، لون الغموض، والهمّ الإنساني، ولأنه قادر على احتواء النور وتشكيله في ذات الوقت.

§ خلال إقامتك قرب مركز بانف الفني في كندا، رسمت مناظر طبيعية آسرة. كيف انعكست تلك التجربة في صياغة لوحتك وهل هناك أعمال تشكّل امتدادًا لتلك المرحلة؟

§ الطبيعة الكندية كانت بمثابة مرآة روحية. الصمت الأبيض للثلوج، والجبال الممتدة، جعلني أُعيد النظر في مفهومي للفراغ واللون. تلك التجربة لم تكن لحظة عابرة، بل امتدت آثارها إلى أعمال لاحقة تشكّل امتدادًا بصريًا وروحيًا لتلك المرحلة
أصبح الفراغ عنصرًا فاعلًا في اللوحة، وأخذ الضوء دور البطولة في الكثير من أعمالي تعلمت من بانف أن الجمال لا يحتاج إلى تعقيد، وأن البساطة قد تكون أبلغ من الكلام.

§ كيف تحقق الهوية الثقافية العراقية والعربية الإسلامية في أعمالك الفنية؟ وهل ترى في ذلك دورًا توثيقيًا أم بُعدًا رؤيويًا يتجاوز التقاليد؟

§ الهوية ليست قناعًا نرتديه، بل جوهر يتسرّب تلقائيًا في كل ما نفعله إذا كنا صادقين في بحثنا الفني. لا أتعمد تقديم “هويتي” في اللوحة، لكنها تنبثق بطبيعتها من مخزوني البصري والثقافي: من الحرف العربي إلى الزخرفة الإسلامية، إلى حرارة الألوان الصحراوية ، أرى أن دور الفن يتجاوز التوثيق إلى الرؤية؛ هو ليس فقط يحفظ الهوية، بل يعيد مساءلتها، تشكيلها وتقديمها للآخر كقيمة إنسانية قابلة للحوار والتجدد.

§ كيف أثّرت دراستك لتاريخ الفن الغربي في كندا على رؤيتك للفن المعاصر؟ وكيف حافظت على التوازن بصريًا بين الروحانية الشرقية والمقاربات الغربية؟

§ دراسة تاريخ الفن الغربي في كندا منحتني أدوات تحليلية ومرجعيات بصرية شاسعة، لكنها لم تُلغِ انتمائي. بالعكس، جعلتني أعي خصوصية ما أحمله من إرث شرقي وروحاني.
الفن لا يعرف تناقضًا بين الشرق والغرب. هو لغة واحدة لها لهجات متعددة. أحاول أن أدمج الروح الشرقية – بتأملها وشفافيتها – مع الطرح الغربي – بنزوعه التحليلي والمفاهيمي – لأخلق تجربة بصرية إنسانية شاملة.

§ كثيرًا ما نلاحظ في أعمالك تناغمًا بين الألوان الحارة والباردة. ما الفلسفة الجمالية التي تحكم هذا التوازن، وما رمزية الألوان في خطابك البصري؟

§ الألوان ليست مجرد زينة، بل هي طاقة. الألوان الحارة تمثل لي الحياة، الدفء، الاندفاع بينما الباردة تعبّر عن الصفاء العقل، والتأمل. التوازن بينهما هو محاولة لترجمة تعقيد الحالة الإنسانية.

§ الطبيعة هي معلّمي الأول منها أستلهم تدرجاتي. ألواني ليست اختيارات عشوائية، بل انعكاس لحالة وجدانية، لطقس داخلي، لنبض اللحظة.

§ بعض لوحاتك تميل إلى التعبيرية بالتجريد، وأخرى إلى الرمزية الصوفية. هل تتعمد هذا التنوع لأنك تراه انعكاسًا لتحولاتك النفسية والوجدانية الروحية؟

§ التنوع في أسلوبي ليس مخططًا بقدر ما هو انعكاس صادق لحالتي الوجدانية. اللوحة تأتي كما تشاء، لا كما أريد. أحيانًا تكون انفعالية وأحيانًا تأملية. أحيانًا تصرخ وأحيانًا تهمس أنا لا أفرض على العمل شكله، بل أتركه ينمو كما تنمو النبتة. وهذا التنقل بين التعبيرية والتجريد، وبين الرمز والصوفية، هو جزء من تحولي النفسي، ومن تقلبات الروح في مواجهة العالم.

§ برأيك، هل يشكّل الذكاء الاصطناعي خطرًا على جوهر الإبداع الإنساني في الفن؟ وهل ترى في ما يقدّمه أداة مكمّلة للتجربة الفنية، أم محاولة لإزاحة الوجدان والروح التي لا تنفصل عن جوهر العمل الفني؟

§ الذكاء الاصطناعي أداة – متقدمة ومثيرة – لكنها تبقى وسيلة، لا غاية. لا يمكنه أن يستبدل الروح، لأنه ببساطة لا يملكها. الفن الحقيقي هو انفعال إنساني، مزيج من وعي ولا وعي، من مشاعر وذكريات، من عمق وجودي لا يستطيع الذكاء الاصطناعي محاكاته. أراه أداة مفيدة في بعض الجوانب التقنية أو البحثية، لكنه لن يكون بديلًا عن التجربة الإنسانية بكل تناقضاتها وحرارتها.

§ هل قمت بتأليف كتب أو دراسات تحمل رسائلك الفكرية الفلسفية التي تتضمنها أعمالك التشكيلية؟

§ نعم، لدي عدد من الدراسات والكتب الفنية التي نُشرت في مجلات متخصصة ودوريات ثقافية، تتناول رؤيتي الفلسفية للفن، والتجربة الجمالية، وأسئلة الهوية، والجمال، والعلاقة بين الفن والوجود. أؤمن أن الفن لا يكتمل إلا حين يُكتب عنه، لأن الكتابة تعمّق الرؤية وتوثق الرحلة.

#سفيربرس _حوار: دنيا صاحب – العراق

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *