كتبت د. سماهر الخطيب : أطماع بلا حدود: إسرائيل تتمدد في الجنوب السوري وسوريا تبحث عن مظلة ردع
#سفيربرس _ بيروت

في ظل تزايد التوترات الإقليمية وتسارع الأحداث على الساحة الدولية، تبدو سوريا مرة أخرى في مرمى الاستهداف، لا كدولة فاعلة، بل كمساحة جغرافية مستباحة يتقاطع فيها الصراع الإقليمي والدولي. وتبرز في هذا السياق المطامع الإسرائيلية المتصاعدة في الجنوب السوري، مدفوعة بتواطؤ غربي وتجاهل دولي مقلق، ما يعيد للأذهان مشاهد التدخلات العسكرية التي لطالما أطاحت بسيادات دول وشعوب في المنطقة، وما تحاول التوصل إليه تل أبيب في حربها على إيران.
تحوّلت إسرائيل خلال السنوات الماضية من حالة “الردع الدفاعي” إلى مشروع توسّعي مكشوف، يتغلغل في الجغرافيا السورية واللبنانية بحجج أمنية تتعلق بحماية حدودها الشمالية. والآن إسقاط النظام الإيراني عن بكرة أبيه، وسوريا تحديدًا تتعرض لسيل من المخاطر الكبيرة بعد أن صدرت تصريحات صادرة عن كبار المسؤولين في تل أبيب، وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، كشفت عن نية إسرائيل إقامة منطقة عازلة منزوعة السلاح في الجنوب السوري، وهي خطوة تنذر بتحوّل خطير من احتلال الجولان إلى رسم خرائط جديدة للمنطقة بغطاء دولي.
ولم تكتفِ إسرائيل بالضربات الجوية المتكررة التي طالت مواقع عسكرية سورية في العمق، بل عمدت إلى انشاء بنية أمنية واستخباراتية في محيط درعا والقنيطرة، مستغلة غياب الدولة المركزية، وارتباك المرحلة الانتقالية بعد سقوط النظام البائد نهاية عام 2024.
في مقابل هذه المطامع الإسرائيلية الواضحة، يبرز غياب الردع الفعّال من الجانب السوري، نتيجة الإنهاك الاقتصادي بعد الحرب، وضرب إسرائيل آخر ما تبقى من قدرات الجيش السوري والبنية العسكرية إبان سقوط النظام البائد. فالتدخلات الخارجية، خصوصًا من قبل واشنطن وبعض العواصم الغربية، تقوّض نهوض فرص بناء الدولة واستعادة الاستقرار، بل شجعت بعض القوى المحلية على المطالبة بإدارات ذاتية، ما زاد من هشاشة المشهد السيادي في البلاد مثل قوات سوريا الديمقراطية وملف الأكراد.
وهنا يطرح المراقبون ضرورة إعادة صياغة التحالفات الاستراتيجية لسوريا، ليس من باب الارتهان، بل من باب المصلحة الوطنية، خصوصًا عبر تعزيز الشراكة مع روسيا وتركيا، باعتبارهما الفاعلين القادرين على قلب موازين القوى على الأرض.
روسيا، التي رسّخت وجودها في الساحل السوري من خلال قاعدة حميميم، تملك أدوات ردع حقيقية تمنع تل أبيب من التمادي، ليس فقط عسكريًا، بل دبلوماسيًا عبر الفيتو في مجلس الأمن. فالموقف الروسي لا يقتصر على الدعم العسكري، بل يشكّل جزءًا من مظلة حماية سياسية تمنع فرض تسويات دولية مجحفة.
في المقابل، تلعب تركيا دورًا محوريًا على الأرض، من خلال قربها الجغرافي وصلتها المباشرة ببنية المعارضة التي استولت على الحكم في دمشق، ما يؤهلها لتكون شريكًا في بناء جيش سوري جديد محترف، قادر على فرض السيادة على جميع المناطق ودحر ما تبقى من الإرهاب، وعلى كبح أي تغوّل خارجي.
التاريخ القريب يثبت أن سوريا التي بلا حلفاء أقوياء، تُصبح لقمة سائغة في صراع المحاور. ومن هنا، فإن بناء معادلة ردع قائمة على شراكة استراتيجية مع موسكو وأنقرة يمثل اليوم خيارًا وجوديًا لا سياسياً فقط. فتلك المعادلة كفيلة بخلق توازن في وجه الغطرسة الإسرائيلية، وتمنع تحوّل سوريا إلى منطقة نزاع مفتوح بلا حدود أو قوانين.
إن الحفاظ على ما تبقى من السيادة السورية، في ظل فراغ ما بعد الأسد، لا يكون إلا بخطة دفاع وطنية مدعومة بتحالفات استراتيجية ذكية، تقطع الطريق على تل أبيب في جنوب البلاد، وتعيد تعريف التوازن الإقليمي لصالح دمشق، لا ضدها..
#سفيربرس _ بيروت _ بقلم : د. سماهر الخطيب