إعلان
إعلان

كتب الدكتور شاهر الشاهر : هل نرى مرشحاً سوريا لمنصب أمين عام جامعة الدول العربية

#سفيربرس

إعلان

 مع اقتراب نهاية الفترة المحددة لشغل منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، ظهرت مطالبات عربية في أن لا يكون هذا المنصب حكراً على مصر، أسوة بباقي المنظات الدولية (كمنظة الوحدة الافريقية والاتحاد الأوربي وغيرها)، خاصة وأن أداء الأمين العام الحالي أحمد أبو الغيط لم يكن مرضياً على ما يبدو.

يجري انتخاب الأمين العام لجامعة الدول العربية بأغلبية ثلثي أصوات الدول الأعضاء في الجامعة، ولمدة خمس سنوات، قابلة للتجديد مرة واحدة. وكان من المعتاد أن تقوم مصر بتقديم اسم مرشحها لشغل المنصب إلى الدول الأعضاء لتأخذ موافقتهم المسبقة عليه، ثم تطرح الاسم للتصويت في جلسة علنية، وتمر الأمور بسهولة وسلاسة مطلقة.

وكان عبد الرحمن عزام أول أمين عام لجامعة الدول العربية، تم ترشيحه حينها من جانب الملك عبد العزيز آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية، تقديراً لمصر ودورها ومكانتها.

تدوير منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية بات مطلباً للكثير من الدول فظهرت دعوات سعودية لترشيح عادل الجبير وزير الدولة للشؤون الخارجية، ودعوات في الامارات لترشيح السيد أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية، وكذلك الحديث عن ترشيح وزير الخارجية المصري السابق سامح شكري وغيرهم.

لقد بات منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية بمثابة “مكافأة نهاية الخدمة”، لوزراء خارجية مصر، وهو نهج يجب العمل على منع تكريسه، سعياً لضخ دماء شابة قادرة على اعادة شيء من الألق لهذه الجامعة.

الجزائر أيضاً تسعى لتقديم اسم مرشحها، خاصة وأن “دول المغرب العربي” باتت تشعر أن هناك احتكاراً للعمل العربي المشترك من قبل “دول المشرق العربي”، وهذا ما تجسد في الغياب الكبير لتلك الدول عن القمة العربية الأخيرة التي عقدت في بغداد.

جميعها دعوات مشروعة، والجميع يعرف أنه ليس بمقدور جميع المرشحين الفوز بمنصب الأمين العام، لكن مجرد الترشيح سيلقي الضوء على المرشح ودوره ودور بلاده في دفع العمل العربي المشترك. مع حرص الجميع على بقاء مقر الجامعة العربية في مصر( إلا إذا رأت الدول الأعضاء غير ذلك) كما ورد في ميثاق تأسيس الجامعة، ولما للقاهرة من مكانة باعتبارها أهم العواصم العربية تأثيراً حتى اليوم.

هذه المطالبات لم تكن رسمية حتى الآن، لكنها صدرت من قبل عدد من الكتاب والمثقفين المقربين من السلطة في عدد من الدول، أو الحريصين على دفع العمل العربي قدماً، عبر البحث عن رؤى وآليات جديدة لتطوير عمل جامعة الدول العربية.

تم توقيع ميثاق جامعة الدول العربية في 22 آذار/مارس 1945، بينما دخل ميثاق الأمم المتحدة حيز التنفيذ في 24 تشرين الأول/أكتوبر من العام ذاته. ومن المفيد ربما التذكير بأن سوريا كانت حاضرة ومشاركة في تأسيس كلتا المنظمتين، وأن الوفد السوري، برئاسة فارس الخوري، كان له الدور في إدخال المادة الـ78 في ميثاق الأمم المتحدة، وما زالت حتى اليوم تسمى “مادة المندوب السوري”. وهي المادة التي تنص على إنهاء الوصاية الاستعمارية، التي كانت تسمى “الانتداب”، فكانت بمثابة “بداية النهاية لعصر الهيمنة الاستعمارية”.

شغل منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية منذ تأسيسها ثمانية أشخاص (سبعة منهم مصريون)، باستثناء الفترة التي جرى فيها نقل مقر الجامعة من مصر إلى تونس بعد توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني. في تلك الفترة أصبح الدبلوماسي التونسي الشاذلي القليبي أميناً عاماً للجامعة (1979-1990)، بحكم أن بلد المقر أصبح تونس، وهو ما يسهل من عمل الأمين العام.

كانت دولة قطر قد تقدمت باقتراحاً بأن يكون اختيار الأمين العام لجامعة الدول العربية مفتوحاً، وليس حكراً على دولة بعينها، وحظي هذا المقترح بموافقة مكتوبة من 18 دولة، لكن قطر تراجعت عن مسعاها هذا بعد نجاح الثورة المصرية، كي لا تظهر وكأنها تقف موقفاً مناهضاً للثورة.

لقد بات جلياً أن أداء الجامعة لم يعد مرضياً، وهو أمر لا تتحمله الجامعة وحدها بكل تأكيد، فالجامعة العربية ليست كياناً مستقلاً في حد ذاته، بقدر ما هي تعبير عن مجموعة إرادات الدول العربية مجتمعة. وبالتالي، فإن فعّاليتها ليست سوى انعكاس لفعّالية تلك الدول، والعكس صحيح.

لكن ذلك لا ينفي حقيقة وجود ترهل في البنية الهيكلية للجامعة، خاصة وأن الأمين العام هو صاحب الصلاحية في اختيار موظفي الجامعة وكوادرها، باستثناء بعض المقرات الموجودة في دول عربية أخرى حيث يحتاج ذلك إلى ترشيحات من قبل دولة المقر وموافقة الأمين العام.

لقد بات من المفيدً أن تقوم الدول الأعضاء بترشيح الموظفين واختيارهم، وفق محاصصة يجري التوافق عليها، لما لذلك من اهمية في إنهاء حالة احتكار المناصب، خاصة إذا ما تم تحديد الفترة الزمنية القصوى لشغل تلك المناصب.

في سوريا ولعقود طويلة لم نعد نسمع عن مرشحين سوريين لشغل مناصب دولية، أو مثقفين ومبدعين مؤهلين للفوز بجوائز عربية أو دولية، وهذا نابع من “سياسة التقزيم” التي حرص النظام السابق على تكريسها، وليس لأن السوريين غير مؤهلين لذلك، والدليل هو نجاحات السوريين وابداعهم على مستوى العالم، في مختلف النواحي.

لعقود طويلة لم يعد العالم يعرف شاعراً أو أديباً سورياً، ولم تسجل حالات ابداعية سورية، نتيجة لغياب “الحامل الثقافي” القادر على تقديم هؤلاء للعالم، وهذا الحامل هو الدولة وحدها بكل تأكيد.

لقد تعرض المجتمع السوري لحالة من “المسخ” المتعمد من قبل السلطة، التي استعانت بالصغار وولتهم أمور البلاد، فكانوا الأوصياء غير المؤتمنين على مصير المجتمع السوري ومبدعيه.

الصغير يبحث عن من هو أصغر منه، وسوريا هي الخاسر الأكبر، فكان التراجع والانحطاط على مختلف الصعد والمستويات.

على الصعيد السياسي، وبعد نجاح الثورة السورية كنت من المتخوفين من مدى قدرة القيادة الجديدة على تحقيق النجاحات، نظراً لغياب الخبرة التي كنت اعتقد أنها غير متوفرة، بحكم الأمر الواقع، وعدم تمكن الكثير من أبناء الشعب السوري من أخذ مواقعهم وفرصهم التي يستحقون، ولعقود مضت.

لكن الأيام أثبتت عكس ذلك، وخاصة على صعيد السياسة الخارجية، فالجميع بات مقتنعاً بحجم النجاحات التي حققتها الدبلوماسية السورية الجديدة، وبات وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني محط اعجاب الكثيرين لأدائه الذي فاق جميع التوقعات، وخاصة إذا ما قورن هذا الأداء بالفترة الزمنية القصيرة التي مرت على شغله لهذا المنصب.

المفارقة أن الوزير هو ابن المنطقة الشرقية، وهي المنطقة التي كان شبه محرماً على ابنائها الدخول إلى وزارة الخارجية، بعد أن تم تشويهها من قبل النظام السابق ووسائل اعلامه، وتصويرها على أنها ما زالت تعيش عصر البداوة، وأن ابناءها يفتقدون لمقومات اللباقة والكياسة والعمل الدبلوماسي، والدليل على ذلك هو أعداد الدبلوماسيين والسفراء من أبناء تلك المنطقة.

هذا الحديث ليس سوى تشخيص للواقع، بعيداً عن أية أبعاد طائفية أو عرقية قد تخطر في بال البعض، فنحن سوريون أولاً وأخيراً، وقدرنا العيش في هذا القارب، أو غرقه بنا جميعاً.

من هذه الزاوية أرى أنه من المفيد أن يكون هناك مرشحاً سورياً لشغل منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، حتى لو لم يكتب النجاح لهذا المقترح وذاك الترشيح، لكنه سيكون بداية لنهج جديد تكون فيه سوريا الجديدة الحامل لتقديم أبنائها للعالم، بدلاً من “سياسة التقزيم لتعظيم القائد” التي حرص النظام السابق على تكريسها، ولعدة عقود.

من هذه الزاوية اقترح أن تقوم الحكومة السورية بترشيح السيد أسعد الشيباني وزير الخارجية والمغتربين السورية لشغل منصب الأمين لجامعة الدول العربية، نظراً لأدائه اللافت ونجاحه الكبير في مهمته، وأن نستثمر حالة التعاطف العربي معنا في سبيل انجاح ذلك.

وأن نعمل على دعم أي مرشح سوري لشغل أي منصب أو وظيفة دولية، ونقف خلف كل فنان أو مبدع يسعى للفوز بجائزة على مستوى العالم، فنجاح أي منهم هو نجاح لنا جميعاً، ولسوريتنا التي نريد.

#سفيربرس ـ بقلم :د. شاهر الشاهر

أستاذ الدراسات الدولية

جامعة صن يات سين/ الصين

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *