أولوية المعنى: حين يُصبح الإنسان صادقًا مع ذاته
#سفيربرس_هبة الله دهمان _فيينا

“أن تكون صادقًا مع نفسك، هو أول طريقك نحو السلام.”
في واقع معقد تحيط به الفوضى والفرص المتزاحمة والمعايير المتناقضة، لم يعد من السهل أن يعيش الإنسان كما يريد، أو أن يعرف أصلًا ما الذي يريده حقًا تحيط به توقعات الآخرين وتتزاحم حوله الصور النموذجية لما يجب أن يكون عليه لكن، في لحظة صدق مع الذات، قد يُعاد كل شيء إلى موضعه الأول: ماذا يُضيف لي هذا الطريق؟ ماذا يمنحني هذا الارتباط؟ هل ما أفعله يُشبهني؟ وحين يبدأ الإنسان بطرح هذه الأسئلة، يكون قد قطع أول خطوة في طريق الصدق الداخلي؛ طريق يعطي فيه الأولوية لما يضيف إليه حقيقةً وحياة.
ما الذي يعنيه أن يُعطى الأولوية لما يضيف حقيقةً وحياة؟ ليست مجرد عبارة مثالية أو شعار معنوي، بل هي دعوة لمراجعة الخيارات، ولإعادة ترتيب الأولويات على أساس المعنى، لا المظهر. الحقيقة في هذا السياق لا تشير إلى المعلومة المجردة، بل إلى الانسجام الداخلي. إلى كل ما يُقوّي الصلة بين الإنسان وذاته. أن يكون ما يفعله متسقًا مع قناعاته. أن تكون علاقاته صادقة، واختياراته نابعة من وعي لا من ضغط أو قلق أو تصنّع.
أما “الحياة” فليست التكرار ولا الاستهلاك ولا الأداء التلقائي. الحياة هنا هي الشعور، الحضور، التفاعل الحقيقي مع اللحظة. أن يعيش الإنسان بكل ما فيه: بقلبه، وعقله، وبذائقته الخاصة، لا كما يُملى عليه. أن يجد لوجوده أثرًا داخليًا قبل أن يبحث عن أثر خارجي.
التحول نحو منح الأولوية لما يضيف حقيقة وحياة لا يحدث فجأة، بل غالبًا ما يسبقه صراع داخلي، وتعب من المسايرة، وشعور بالخواء رغم “النجاحات الظاهرة”. يبدأ بالانتباه إلى التفاصيل الصغيرة التي تستهلك الروح: الحديث المُتكلّف، العلاقة الفاترة، التواجد في أماكن لا تُشبه الداخل، السعي وراء رضا الآخرين على حساب الذات.
ومع هذا التحول، يبدأ الفرز: فرز في الأحاديث، في الوجوه، في العادات اليومية، وحتى في التطلعات. ما لا يُشبه العمق يُستبعد، وما لا يضيف معنى يُستغنى عنه، ولو كان “شائعًا” أو “مقبولًا اجتماعيًا”.
ليس سهلًا أن يعيش الإنسان وفق هذه الأولوية في عالم يُكافئ السرعة والمظاهر والنجاح السطحي. كثيرًا ما يُتهم من يختار العمق بأنه “معقّد”، أو يُنظر إليه على أنه “غريب الأطوار”، لأن المجتمع كثيرًا ما يُفضل التناسق مع القالب العام على حساب الأصالة الفردية. إلا أن هذا الثمن، على صعوبته، يبدو زهيدًا أمام ما يُكسبه الإنسان حين يعيش في انسجام مع ذاته. فثمن تزييف الذات أكبر، لأنه يُطفئ الحياة من الداخل تدريجيًا.
في السنوات الأخيرة، بدأت تظهر موجة مختلفة من الوعي، خاصة بين فئات الشباب، تدعو للصدق مع الذات، وللتخلي عن العلاقات السامة، وللبحث عن المعنى في تفاصيل الحياة اليومية. هذا التيار لا يقتصر على التنمية الذاتية، بل يتغلغل في الفن، والأدب، والموسيقى، وحتى في الحوارات اليومية. هناك ميل واضح للتوقف عن التصنّع، وميل أقوى للعودة إلى الإنسان في صورته الحقيقية: البسيطة، المتسائلة، الباحثة عن العمق لا الصخب.
أن يُعطى الإنسان الأولوية لما يضيف له “حقيقةً وحياة” هو قرار وجودي، يتطلب شجاعة داخلية ومراجعة صادقة. لكنه في الوقت نفسه، بابٌ نحو الحرية، نحو التصالح، ونحو حياة فيها طمأنينة، حتى وإن قلّ فيها عدد الأشخاص أو تبدلت فيها المسارات. في النهاية، هو طريق للعيش لا للبقاء فقط، طريق يمنح الإنسان معنى يليق بروحه، لا دورًا مكررًا في حياة الآخرين.
أن تُعطي الأولوية لما يضيف حقيقةً وحياة هو أن تتعامل مع نفسك كقيمة، لا كخلفية في حياة الآخرين. هو أن تبني حياة تستحقك
#سفيربرس_هبة الله دهمان _فيينا