الهاربة… كتبت : دلال ابراهيم
# سفير برس

أجادت بإتقان رسم الدائرة حولها سدت كل المنافذ إليها وبصلابتها كانت تهش كل فوضى الرغبات تتظلل بمظلة الخيال والأوهام التي تتفنن في صناعتها ، رتبت جيداً مواعيد قلقها .
وروزنامة مشاعرها ورفوف ألامها وأحزانها. ووقفت تراقب حيناً حلماً تائه الخطوات حيران يبحث في أشلاء الزمان بقايا صفحات طواها النسيان. وحيناً آخراً تراقب المارة يحملون أقنعتهم المعتادة تشيح بوجهها عنهم وتعبرهم بخطى ثابتة غير عابئة بنظراتهم المشدودة إليها. تقف أمام مرآتها تتمعن في آثار السنين المرسومة على ملامحها. حسناً لا زالت الشفاه تحمل شبح ابتسامة باهتة . تمشي غارقة في هم تنوء بما على ظهرها من تعب وأحزان السنين وشقاوة حلمها الملكي…
نعم هادئاً كهدوء قلبها كان ذلك الركن القصي الذي اتخذته محراباً تؤدي فيه طقوس عبادات خاصة تقف فيه مع ذاتها الحائرة . تعانق أملاً هنا وتصد يأساً هناك. وكلما اشتدت عليها وطأة الألم تتسلق الذاكرة فراراً من همجية اللحظة تفتش رفوفها رفاً رفاً تنتقي منها ما ينعش الروح وما يملأ الرئتين سلاماً. وفي بحور الصمت المربك تتحصن تثور وتنطفيء في ثوان أو لحظات مبعدة من رأسها تساؤلات متواترة إلى أين يمضي قطار الحياة وفي أي المحطات سيتوقف أو يتعطل تتوه في متاهات الفكر المعتمة يسكنها الشرود في ملكوتها المحيط بها كأنها أصبحت على حافة جرف تعرف أن أي سهوة منها ستهويها إلى الأعماق السحيقة ولا من سبيل للصعود. وفي كل زاوية تقف أمامها الحياة بوجهها المتجهم تتزاحم الصور أمامها, هاهو ضباب عريض يزحف إليها يلفها كشبكة عنكوت. أنت وحدك الآن على قارعة الجرح, وبدموع طفلة تحاول أن تلوك المسافات وتختصر الزمن برفة عين وبذراعين تعبتا من حمل مظلة الخيال والأوهام …
هنا ترتجف شفتاها ويرتج صوتها ترى ما العمل ؟ هي الهاربة دوماً من الواقع المرهق .. تحاول أن تتناسى وتخترع ما تشاء من الحجج ملتجئة إلى طواحين النسيان .. سأسعى ألا أحبك وتتخذ من الغضب أحياناً رداء .. ولكن لا تدري هل تستمر في لعبة الهروب وتواصل الفرار. أظن أن الأمر أصبح محال فعندما تفر منه تجده مثل الدخان يتسرب إليها من كل الفتحات .. تتهرب من الأسئلة عند حدود معينة تود أن تقف ولا تتخطاها. وترتعد كلما نظرت إلى الوراء وهي التي اعتقدت أنها نظفت جيوب الذاكرة .. ولكن ثمة ذاكرة لا تريد أن تبرح مكانها .. ولكنها ستعبر وتلملم ما تبقى من براثن الألم بعد أن شمت عطر الطمأنينة المنبعث من قلبها الوادع كطير في الجنة . كفكفت دمعتها ورسمت ابتسامة مضيئة وكتبت مبتسمة على احدى الزوايا . سأعيش على قيد أمل ( إلى … حين مسرة ).
#سفيربرس _ بقلم : دلال إبراهيم