الْمَدْنِيَّةُ الْمَنْسِيَّةُ… بِقَلَمِ دُكْتُورِ رَمَضَانَ أَحْمَدَ الْعُمْرِ
#سفيربرس _ بيروت

مَدِينَةُ مَعَرَّةِ النُّعْمَانِ السُّورِيَّةُ تَقَعُ فِي جَنُوبِيِّ مُحَافَظَةِ إِدْلِبَ ، وَتُعَدُّ ثَانِيَ أَكْبَرِ مَدِينَةٍ فِيهَا بَعْدَ إِدْلِبَ ، تَحْتَوِي هَذِهِ الْمَدِينَةُ عَلَى الْمِئَاتِ مِنْ الْمَوَاقِعِ الْأَثَرِيَّةِ الْمُهِمَّةِ ، وَالَّتِي تُعْطِي دَلِيلًا وَاضِحًا عَلَى الْحِقْبَةِ التَّارِيخِيَّةِ الَّتِي مَرَّتْ الْمَدِينَةُ عَبْرَ الْعُصُورِ . . . فَفِي الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ كَشَفَتْ إِحْدَى الْحَفْرِيَّاتِ عَنْ مَقْبَرَةٍ تَعُودُ لِلْعَصْرِ الْبِيزَنْطِيِّ ، وَجَاءَ ذَلِكَ مِنْ خِلَالِ الصُّدْفَةِ خِلَالَ الْحَفْرِ مِنْ أَجْلِ الْبِنَاءِ ، وَعَلَى الْفَوْرِ تَمَّ تَوَاصُلٌ مَعَ الْجِهَاتِ الْمَعْنِيَّةِ لِمُتَابَعَةِ الْحَدَثِ ، وَبِالْفِعْلِ اسْتَجَابَتْ مُدِيرِيَّةُ الْآثَارِ فِي مَدِينَةِ إِدْلِبَ وَذَهَبَتْ إِلَى الْمَوْقِعِ ” فِي الْحَيِّ الشَّمَالِيِّ الْقَرِيبِ مِنْ الْمَقْبَرَةِ الْجَنُوبِيَّةِ فِي الْجِهْهِ الشَّرْقِيَّةِ مِنْ مَدِينَةِ مَعَرَّةِ النُّعْمَانِ ” وَأَوْضَحَ مُدِيرُ آثَارِ إِدْلِبَ السَّيِّدُ حَسَّانُ اسْمَاعِيلَ أَنَّهُ تَمَّ الْكَشْفُ بَعْدَ الْحَفْرِ عَنْ مَدْفَنَيْنِ ، كُلُّ مَدْفَنٍ يَحْتَوِي عَلَى سِتَّةِ قُبُورٍ ، وَبِالِاسْتِنَادِ لِبَعْضِ الدَّلَائِلِ الْأَثَرِيَّةِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَدْفَنَيْنِ يَعُودُ لِلْحِقْبَةِ الْبِيزَنْطِيَّةِ بِدَلِيلِ وُجُودِ صَلِيبٍ عَلَى أُحْدَى الْمَدَافِنِ ، وَعَلَى الْأَرْجَحِ يُقَدَّرُ عُمْرُ هَذِهِ الْمَقْبَرَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ 1500سَنَةٍ ، وَبِالنَّظَرِ الَى الْمَوْقِعِ الْأَثَرِيِّ الْمُكْتَشَفِ نُلَاحِظُ أَنَّ الْمَقْبَرَةَ ، تَمَّ بِنَائُهَا بِطَرِيقَةٍ فَنِّيَّةٍ وَهَنْدَسِيَّةٍ رَائِعَةٍ ، وَوُجِدَ الْأَقْوَاسُ النِّصْفُ دَائِرِيَّةٍ فَوْقَ كُلِّ قَبْرٍ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْأَعْمِدَةِ وَالتِّيجَانِ . . .
وَكَانَ قَدْ تَأَثَّرَ الْمَوْقِعُ بِبَعْضِ الْأَضْرَارِ نَتِيجَهُ لِلْحَفْرِ وَعُثِرَ عَلَى بَعْضِ الْأَوَانِي الْفَخَّارِيَّةِ وَالْعِظَامِ . . .
فِي الْحَقِيقَةِ يُعَدُّ هَكَذَا مَوْقِعٌ أَثَرِيٌّ ثَرْوَةً وَطَنِيَّةً حَقِيقِيَّةً ، وَيَتَمَثَّلُ فِي إِحْدَى الْأَوْجُهِ الثَّقَافِيَّةِ الْأَثَرِيَّةِ مِنْ تَارِيخِ سُورِيَّةَ . . .
وَفِي ظِلِّ هَذَا الِاكْتِشَافِ الْمُهِمِّ نُوصِي الْمَعْنِيِّينَ فِي سُورِيَّةَ ، بِضَرُورَةِ الْحِفَاظِ عَلَى الْمَعَالِمِ الْأَثَرِيَّةِ ، كَوْنَ تِلْكَ الْمَوَاقِعِ تُمَثِّلُ هُوِيَّةَ سُورِيَّةَ ، وَتَارِيخُهَا وَكَذَلِكَ الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا يَضْمَنُ لَنَا الْمُحَافَظَةَ عَلَى الثَّقَافَةِ وَالتُّرَاثِ لِلْأَجْيَالِ الْقَادِمَةِ ، وَأَيْضًا الْمُحَافَظَةَ عَلَى التَّوَاصُلِ مَعَ جُذُورِنَا التَّارِيخِيَّةِ الْقَدِيمَةِ ،
وَأَيْضًا نَغْتَنِمُ الْفُرْصَةَ وَنُؤَكِّدُ عَلَى ضَرُورَةِ تَسْلِيطِ الضَّوْءِ عَلَى الْمَوَاقِعِ الْأَثَرِيَّةِ فِي مُحَافَظَةِ إِدْلِبَ وَالَّتِي تُعْتَبَرُ الْأَخِيرَةَ مِنْ الْمُدُنِ الْمَنْسِيَّةِ ، فَهُنَاكَ الْكَثِيرُ مِنْ الْمَوَاقِعِ الْأَثَرِيَّةِ الَّتِي لَا تَمْتَلِكُ شُهْرَةً مَحَلِّيَّةً وَلَا عَرَبِيَّةً وَلَا عَالَمِيَّةً ، وَفِي نَفْسِ الْوَقْتِ فَهِيَ تُقَدِّمُ لَنَا نَظْرَةً وَاضِحَةً وَتَفْصِيلِيَّةً عَنْ التَّطَوُّرِ التَّارِيخِيِّ لِلْبَشَرِيَّةِ ، وَتُسَاعِدُنَا فِي فَهْمِ التَّسَلْسُلِ التَّارِيخِيِّ لِلْأَحْدَاثِ الَّتِي شَهِدَتْهَا تِلْكَ الْمَوَاقِعُ قَبْلَ حِقْبَةِ التَّدْوِينِ التَّارِيخِيِّ ، وَالْأَهَمِّيَّةُ التَّارِيخِيَّةُ لِتِلْكَ الْمَعَالِمِ الْأَثَرِيَّةِ تَتَجَلَّى فِي الْكَثِيرِ مِنْ النِّقَاطِ ، وَمِنْهَا نَمَطُ حَيَاةِ تِلْكَ الْمُجْتَمَعَاتِ وَتَطَوُّرُهَا وَالثَّقَافَاتُ وَالدِّيَانَاتُ وَالْمَصَادِرُ الْمُتَنَوِّعَةُ وَالصِّنَاعَاتُ الْيَدَوِيَّةُ وَالْفُنُونُ وَالْهَنْدَسَةُ وغيرها…
#سفيربرس _ بيروت _ بِقَلَمِ دُكْتُورِ رَمَضَانَ أَحْمَدَ الْعُمْرِ