رحلة الواثق… كتاب في ذاكرة المسرح الإماراتي: سيرة إبداع وريادة
#سفيربرس _ قراءة نقدية : للباحثة والناقدة دنيا صاحب الحسني – العراق

صدر كتاب “رحلة الواثق” بجزأيه في عام 2024، وهو من تأليف الكاتبة ومصممة الأزياء العالمية نهاد واثق السامرائي، حيث وثّقت فيه السيرة الإبداعية والمهنية لوالدها، الفنان الرائد والمسرحي واثق عبد الستار السامرائي، المهندس المعماري والكاتب المسرحي، الذي كان أول من أشعل مصباح المسرح في دولة الإمارات، واضعاً بصمته الخالدة في ذاكرة تراث الفن المسرحي العربي والخليجي.
في هذا الكتاب، تنطلق نهاد واثق في سرد حكاية والدها من العراق إلى أبوظبي، موثّقةً رحلة فريدة لشاب طموح حمل نصوصه المسرحية وأحلامه إلى بلد عربي، قبل أن تُشيد فيه خشبة مسرح أو يتكوّن جمهور كبير. فالكتاب لا يقتصر على كونه سيرة ذاتية، بل هو مرجع ثقافي وفكري يؤرّخ لبدايات المسرح في الإمارات، منذ لحظات التأسيس الأولى وحتى مراحل التألق والريادة.
حين وصل واثق السامرائي إلى خور دبي عام 1963، بعد تسعة أيام قضاها على بوم خشبي أبحر به من البصرة. لم يكن يحمل معه سوى أفكار مشروعه، ونصوصه المسرحية، وإيمانه العميق برسالة الفن فشرع في بناء أول خشبة مسرح في الشارقة، كما ساهم أيضاً في تطوير الحركة المسرحية في أبوظبي ودبي حيث ساهم في تأسيس فرق مسرحية
وتنظيم عروض مسرحية مما كان له أثر كبير في نشر الثقافة المسرحية وتعزيزها في إمارات المملكة و صاغ من الأدوار أصواتاً، ومن الفراغات مشهداً متكاملاً.
إن كتاب “رحلة الواثق” يتجاوز كونه مجرد وفاء عاطفي بين ابنةٌ وأبيها، ليصبح مشروعاً ثقافياً يعيد قراءة التاريخ المسرحي الإماراتي الخليجي من زاوية الضوء الأول الذي سطع في أجواء دولة الإمارات العربية المتحدة.
✦ ما وراء التوثيق… قراءة فلسفية
يمتاز الكتاب برؤية تتجاوز السرد التقليدي نحو أفق فلسفي تاريخي عن الزمن، والهوية، والمسرح بوصفه فعلًا ثقافياً وحضارياً.تعيد نهاد ترتيب المشاهد كما لو أنها تُخرج مسرحية داخل ذاكرتها المفعمة بالحنين دون أن تغفل عن الموضوعية والتوثيق الدقيق تمزج بين التاريخ العائلي، والإرث الفني الثقافي، والذاكرة الجمعية لجيل من المسرحيين الذين عاصروا مرحلة تألق والدها وقيادته لحركة المسرح الإماراتي، لتطرح سؤالاً جوهرياً:
> هل يمكن للحنين إلى مسيرة والدها أن يشكّل مادة تؤسس مرجعاً ومصدراً تاريخياً لإرثٍ ثقافي حضاري من خلال كتابها “رحلة الواثق”؟
في “رحلة الواثق”، يأتي الجواب: نعم، عندما يُكتب بعين الكاتبة العميقة، وقلب الابنة الأمينة.
✦ المسرح بوصفه مشروعاً تنويرياً
يعرض الكتاب تجربة واثق السامرائي فناناً مسرحياً وكاتب روايات أدبية مسرحية، وصاحب رؤية فلسفية تضمنت مشروعاً حضارياً تنويرياً، بدأه شاب عراقي جاء عبر الخليج العربي يحمل أفكاره المتميزة ونصوصه المسرحية ليبني أول لبنات المسرح الدرامي في بيئة عربية خليجية ناشئة.
ابتكر عروضاً مزج فيها الهوية الخليجية الحديثة بنصوص الأدب المسرحي الدرامي، وإلى جانب تأليفه للنصوص المسرحية، كان واثق السامرائي أيضًا مخرجً و ممثل مسرحي و مشرف على الموسيقى، قام بإخراج مسلسلات اذاعية مما أضفى طابعاً فنياً متكاملاً وكذلك بنى المعماري واثق السامرائي أسس العمارة الحضارية. وشرع في مهمة التخطيط المعماري وشارك في بناء المساكن الشعبية. لقد ترك بصمة ابداعية في تاريخ العمارة الحديثة و المسرح الإماراتي العربي ويُعتبر من المؤسسين الأوائل لهذا الفن في المنطقة.
من بين أبرز أعماله المسرحية:
1. من أجل ولدي
2. العدالة
3. مطوع خميس
4. لو العمة تحب الكنة كان إبليس دخل الجنة
5. مد ريولك على كد لحافك
✦ توثيق لا يُنسى … بوعي ناطق
يتضمن الكتاب صوراً أرشيفية نادرة، ونصوصاً بمخطوطات أصلية، ورسائل شخصية، وشهادات حيّة، إلى جانب مقتطفات من صحف ومجلات وثّقت تجربة جيل من المسرحيين يتقدمهم واثق السامرائي.
تظهر براعة نهاد في هذا العمل، لا بوصفها كاتبة فقط، بل كأمينة لذاكرة والدها، حافظة لتراثه، ومخلصة لمشروعه، أعادت حضوره الفني إلى واجهة الثقافة الإماراتية والعربية، مانحةً سيرته حياة جديدة بين صفحات كتاب رحلة الواثق يُعدّ اليوم مرجعًا مهمًا في تاريخ المسرح الخليجي العربي الإماراتي.
✦ شهادة حيّة لمسيرة فنان معماري وأديب مسرحي
“رحلة الواثق” رؤية حضارية متجسدة في نص أدبي تأريخي، وبيان ثقافي في فلسفة المسرح الإماراتي والعراقي وإضاءة أولى لمسرح لا يزال ينبض بالحياة. هو كتاب وفاء لوصية أب مثالي وسجلّ تأسيسي لمسرح درامي ثقافي تنويري، وشعلة لوعيٍ مجتمعي متجدّد.كتبته ابنةُ رائدٍ مسرحي صنع من الخشبة صرحاً معاصراً، ومن الظل أدواراً، ومن العرض المسرحي رسالة خالدة.
#سفيربرس _ قراءة نقدية : للباحثة والناقدة دنيا صاحب الحسني – العراق