إعلان
إعلان

الوفاء والإخلاص طباع لا تباع – بقلم محمود أحمد الجدّوع

خاص سفير برس

إعلان

الدكتوره دورثي عالمة ألمانية في مجال الآثار وهي بالعقد السادس من العمر تشرف على التنقيب الأثري في عدد من مناطق سورية, وعلى طلاب الدراسات العليا في جامعة برلين الذين يوفدون إلى سورية من أجل التطبيق العملي لأبحاثهم في مجموعة من المناطق الأثرية في سورية وخاصة في منطقة وادي الفرات .

خلال فترة تواجدها في سورية اكتسبت الكثير من المعارف عن العادات والتقاليد في هذه المنطقة وتعتبرها من أجمل أيام حياتها , د: دورثي عرفتها عن قرب منذ بضع سنوات , استطاعت من خلال احتكاكها بأهالي منطقة الرصافة “رصافة هشام بن عبد الملك” حيث امتزجت في يوم من الأيام الديانتين المسيحية والإسلامية , وكانت منارة للحضارة الإنسانية التي شهدتها هذه المنطقة ذات يوم , حتى أنها التزمت وضع غطاء على رأسها أثناء اختلاطها بهم وكذلك زيارتها لهم احترماً لتلك العادات والتقاليد الدينية لسكان هذه المنطقة.

كذلك اكتسبت وتعلمت الكثير من المفردات الشعبية ,تتحدث بها ممزوجة بالألمانية والإنكليزية أحياناً , ولم تقف عند هذا الحد بل شاركتهم عادتهم بالمأكل والملبس والمشرب وفي أفراحهم وأتراحهم , وبادلتهم الحب والمودة , وبادلوها الوفاء والإخلاص .

تقول دورثي لم أشعر بقيمة الحياة اإاجتماعية إلا عندما خالطت هذا المجتمع الريفي الطيب, أحسست بمعنى التكافل والتضامن الذي نفتقده في مجتمعنا الغربي الذي يغلب على الطابع المادي الصرف, على الرغم من توفر جميع مبهجات الحياة .

الدكتورة دورثي شهدت الأشهر الثلاثة الأولى للأحداث في سورية وسافرت إلى برلين في منتصف الشهر الخامس, وقد اصطحبت معها سائقها السوري ” أحمدهواش ” من أهالي الرصافة بدعوة منها لمدة شهر تكريماً لإخلاصه وتفانيه في عمله معها , حيث وضعت له برنامج سياحي خاص جالت فيه مع زوجها معظم المدن الألمانية وتم تكريمه مع الطلبة والباحثين من قبل جامعة برلين كضيف شرف للجامعة.

بعد عودته من ألمانيا التقيت ” أحمد ” وحدثني مفصلاً عن رحلته لبرلين وأثار دهشتي عندما أخبرني بقصة مرافقته للدكتورة دورثي للتلفزيون الألماني حيث قال :
ونحن هناك اتصل التلفزيون الألماني” بالدكتورة “كما اعتاد أن يناديها دائماً , من أجل أن تكون ضيفة في برنامج حواري خاص ولمدة ساعة على الهواء مباشرعن سورية.

وبالفعل ذهبنا إلى مبنى التلفزيون في اليوم التالي ,وكعادتها تحب أن تعرف خفايا الأمور وتفاصيلها في أي عمل تقوم أو تشارك به, لذلك طلبت من إدارة التلفزيون الإطلاع على التقارير المصورة التي سوف ترافق الحوار وعندما اطلعت على التقرير الأول والذي كان يتضمن صور مظاهرات وضرب لأحداث من تونس واليمن ومصر وأخرى من سورية, حملت حقيبتها وخاطبت مدير القناة والمعدين بلهجة حادة أنتم تكذبون وهذه المشاهد ليست في سورية, بالأمس قدمت من هناك ولا يوجد مثل هذه الصور الوحشية التي تودون عرضها , ولن اسمح لنفسي أنَّ أكون شريكاً لكم في هذه الكذبة وهذا التضليل , هذه لعبة قذرة أتمنى أن تتحققوا من مصادركم قبل أن تعرضوها. أحمد هيا بنا !!!!.

قال أحمد: في تلك اللحظة أنتابي شعور قوي امتزجت فيه الدهشة والذهول , و لم أستطيع أن أتمالك نفسي وذرفت عيناي دموعاً لم استطيع أخفاءها , وشعرت لحظتها كم تحمل هذه المرأة من الوفاء والصدق لشعب أكلت خبزه وملحه , وبنفس اللحظة تذكرت مدى الكذب والتضليل الذي يمارسه أبناء وطني في تشويه صورتنا وتعريتنا أمام العالم وعلى شاشات تدعي المهنية والعروبة !!!؟.

وعندما هممنا بالخروج من القناة لحقنا مدير القناة ومعاونه وتوسلوا إليها بالرجوع وسوف تحذف كل هذه التقارير, وبعد أخذ ورد ورجاء عادت الدكتورة , إلى الاستديو وقد فات على موعد الحوار سبع دقائق وأعطت للمخرج شريط كانت تحمله في حقيبتها وقالت له : لن أتحدث سوى عن طيبة الشعب السوري وبساطته وعن السياحة والمواقع والكنوز الأثرية التي حباها الله بها, وكذلك عن مدى العلوم والمعرفة التي اكتسبها طلاب جامعة برلين من هذه المواقع الأثرية والأثر النفسي الذي تركه سكان تلك المناطق في نفوسهم .

وبالفعل دار الحوار كما أرادت ,وفي نهاية الحوار سألتها المذيعة ماذا تقولين للشعب السوري من خلال شاشة التلفزيون الألماني؟.

تنهدت ثم بكت الدكتورة دورثي والألم يبدو على محيّاها, عندهابكيت بحرقة وأنا اتابعها في القاعة المجاورة للأستديو وقالت: أتمنى لأهلي وأخوتي في سورية الأمن والسلامة والأمان وأتمنى منكم كإعلام ألماني أن تكونوا شفافين وصادقين في نقل أخباركم , وانتهى الحوار ,وفي اليوم التالي أعتذر التلفزيون الألماني رسمياً للشعب السوري عن الصور التي كان قد بثها في نشرات سابقة .

تحية حب من القلب لكِ دكتورة دورثي على وفاءك وإخلاصك للشعب السوري الذي منحتيه كل هذه المساحة من الحب والوفاء وعلى مشاعرك الصادقة !!، لأن مثل هذه المشاعر لايمكن أن تشترى أو تصنع أو تباع.

بقلم :رئيس التحرير
محمود أحمد الجدّوع

سفير برس- أحمد هواش- و د . دورثي – مكرما – في برلين

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *