إعلان
إعلان

أساليب التربية الحديثة بين طفل الحي الراقي وطفل الحي الشعبي

خاص - سفيربرس- مريم علي جبة

إعلان

خاص – سفيربرس- مريم علي جبة

الطفل: هو ذلك الكائن الجميل الذي يكونه الله بقدرته التي لا يقدر عليها سواه. ثم لا يلبث هذا الطفل الذي يكون جنيناً ثم يولد طفلاً ثم يعيش مراحل مختلفة من حياته تنتهي بالشيخوخة التي قد تطول أو تقصر وهو أمر علمه عند الله.

لقد تنوعت أساليب تربية الطفل وكثرت المؤلفات التي تتحدث عن تربية الطفل منذ ولادته حتى يقوى عوده. لكننا نجد في النهاية أن الأم تربّي طفلها حسب البيئة التي تعيشها الأسرة والطفل معاً. والكثيرات من الأمهات لا يعرن انتباهاً أو أهمية لأي من أساليب التربية الحديثة للطفل، لذلك نجدهن يربين أطفالهن على”السجية” كما يقال بالعامية.والسجية تعني أسلوب تربية يرثنه عن أمهاتهن وجداتهن مع استخدام أدوات بسيطة في التربية حسب التطور الذي يمكن أن يحدث في حياة وبيئة هؤلاء الأمهات. ويكبر الطفل ليصبح شاباً يافعاً ثم رجلاً ثم كهلاً ثم يدخل مرحلة الشيخوخة.

وكم يتبادر للذهن سؤالاً مهماً وهو: كيف يعيش هذا الكائن كل هذه المراحل من حياته خاصة إذا قارنّا بين تربية شخصاً ما يعيش حياة مختلفة عن حياة شخص آخر. ولنفترض أن الأول يعيش في حي شعبي فقير وبيئة غير نظيفة ومن حوله البيوت المكتظة فوق بعضها بعضاً فضلاً عن الأصوات التي يسمعها منذ أن يستيقظ صباحاً وحتى وقت نومه هذه الأصوات التي غالباً ما تكون ضوضاء حقيقية تعمّ النفس وتؤرق العين. أما الثاني فلنفترض أنه يعيش في حي راق وفي شقة نظيفة وواسعة ولديه غرفة خاصة وفيها كل مستلزمات الرفاهية والأدوات التي يمكن أن تُسعد الفرد.

كيف لنا في مثل هاتين الحالتين أن نتحدث عن أسلوب تربية واحد يمكن أن نوجهه للأهل ليربوا أطفالهم عليه؟ وهل هذا الأسلوب الواحد من التربية يمكن أن يطبق على الفرد الذي يعيش في حي راق وبيئة نظيفة خالية من الضوضاء المزعجة التي يعيشها الفرد الذي يعيش في حي شعبي وينام في غرفة واحدة مع أخوته الذين قد يتجاوزون العدد (6) أو ربما أكثر؟.

تقول إحدى الأمهات: لقد ربيت أبنائي تربية حديثة. وعندما توجهت بسؤالي لها: ماذا تعني بالتربية الحديثة؟ أجابت الأم: منذ أن بلغ ابني الأول السنة الأولى من عمره بدأت آخذه إلى معهد موسيقي ليتعلم على آلة موسيقية، وبالفعل استطاع أن يجيد العزف على آلة البيانو خلال ثمانية أشهر من انتسابه للمعهد، وعندما انتهت دوراته الموسيقية في المعهد جلبت له آلة بيانو إلى البيت وأصبح يعزف بشكل يومي ويقوي نفسه حتى أصبح في سن العاشرة وهو الآن عازف بارع على آلة البيانو حتى أنه يعزف مقطوعات لبيتهوفن وموتزارت وموسيقيين آخرين.

إن هذه الأم التي تحدثت لنا عن جوانب عديدة للتربية الحديثة التي ربّت أبنائها عليها واخترنا التربية الموسيقية التي استطاعت أن تربي أحد أبنائها عليها حتى استطاع أن يكون عازفاً ماهراً على آلة البيانو.

ولو أردنا أن نطبق هذه التربية على طفل عاش في حي شعبي مع عائلة فقيرة وأم مغلوبة على أمرها من كثرة الأولاد  ومن عضّ الفقر لحياتها هل يمكن أن توفر لابنها ما وفرته الأم الأولى لأبنائها جميعاً هذا من جانب، ومن جانب آخر الأم الأولى تحدثت عن بيتهوفن وموتزارت، ومجرد الحديث عن هذين الموسيقيين العالميين يمكننا أن نستنتج أن هذه الأم مثقفة وعلى دراية ربما تكون كافية بكل أنواع الثقافة. في حين أن الأم الثانية ربما لا تعرف حتى المطربة الكبيرة فيروز مع احترامنا لهذه المطربة العظيمة. فكيف لنا أن نوجه أسلوب تربية واحد نتحدث عنه في وسائل إعلامنا المرئية والمكتوبة والمسموعة لطفلين يعيشان في بيئتين مختلفتين تماماً؟

في إحدى الندوات التلفزيونية التي بثّها التلفزيون العربي السوري عام 2010 استضاف أستاذ جامعية اختصاصها علم اجتماع جنائي وكانت تتحدث هذه الأخصائية عن أسلوب تربية للطفل.. كانت الندوة على الهواء مباشرة وقد اتصلت بالتلفزيون وطرحت سؤالاً على الأستاذة الجامعية يقول: أنتم تتحدثون عن اسلوب تربية جميل ورائع ولكن هذا الأسلوب على أي أطفال يمكن أن يُطبّق؟ هل على أطفال منطقة المالكي وأبو رمانة والروضة.. وهذه مناطق راقية جداً في دمشق؟ أم على أطفال السكن العشوائي والشعبي والأحياء الفقيرة والبيوت الضيقة والبيئة الملوثة؟ وهذا الأسلوب التربوي الحديث لمن توجهونه لأب وأم مثقفين ولديهما المال الكافي لتوفير مستلزمات الطفل العصري من غرفة نوم خاصة وجهاز كمبيوتر وجهاز موبايل من فئة الخمس نجوم وحمام في البانيو والمياه الساخنة في كل وقت عبر الطاقة الشمسية. أم إلى أبوين كما يقال بالعامية (عايشين على باب الله) ولا يمتلكون من المال سوى ما يسد ضرورات الحياة اليومية من طعام وشراب ولا ننسى أن هذه الأبوين يعانيان في كل شهر أو شهرين من فواتير الكهرباء والماء التي تثقل كاهلهما من دون أدنى شك.

كيف لنا أن نطبق أساليب التربية الحديثة على طفلين يختلفان من حيث العيش والثقافة والبيئة؟ وبعبارة أعمق: يختلفان في كل شيء؟.

الجدول التالي يبين بعض الاختلافات بين الطفل الذي يعيش في حي راق وطفل يعيش في حي شعبي فقير:

طفل الحي الراقي طفل الحي الشعبي
1.    ثيابه نظيفة وألوانها راقية وغالباً ما تشتريها له أمه من الماركات العالمية 1.    ثيابه عادية تشتريها له أمه من سوق الخضرة حتى ألوانه باهتة وتدل على رخصها
2.    يتناول فطوراً من الحليب والبيض والكورن فليكس 2.    تلف له أمه سندويشة زعتر يأكلها على الماشي
3.    يتحدث لغة إنكليزية بطلاقة 3.    اللغة العربية الفصحى لا يكون قد أجادها بعد
4.    هادئ أثناء حديثه مع الآخرين 4.    غالباً ما يكون صوته عال
5.    مفرداته منتقاة وأدبية 5.    مفرداته سوقية
6.    ينام في غرفة خاصة فيها كمبيوتر وانترنت وتلفزيون 6.    ليس لديه غرفة خاصة وينام مع إخوته وليس لديه كمبيوتر ولا يعرف استخدام الأنترنت
7.    يأخذ حماماً يومياً قبل النوم ويرتدي بيجامة نظيفة 7.    غالباً ما ينام دون حمام وبثيابه التي ارتداها في أول يومه
8.    يلعب في الحديقة أو في نادي يكون منتسباً إليه يمارس لعبة يحبها 8.    يلعب في الحي “طابة” مع أقرانه
9.    ملامحه هادئة 9.    ملامحه مضطربة
10.                      بشرته صافية 10.                      بشرته تميل إلى الشحوب.

 

إنه مجرد التدقيق في نقاط الاختلاف التي ذكرناها في الجدول السابق، والتي تميز حياة كل طفل؛ سنرى أنه من الضرورة بمكان إعادة النظر فيما يتعلق بأساليب التربية التي لا يمكن تطبيقها على طفلين يعيشان في بيئتين مختلفتين بشكل كامل.

لقد أكد علماء الاجتماع وعلماء نفس الطفل أن الطفل خلال سنواته الثلاث الأولى هي أهم مراحل حياته والتربية والاهتمام خلال السنوات التي تمتد منذ اليوم الأول لولادة هذا الطفل حتى نهاية عامه الأول هي واحدة لا تختلف بين طفل وآخر لأن الركيزة الأهم حسب علماء النفس وعلماء الاجتماع ليكمل حياته لاحقاً تعتمد على هذه السنوات الثلاث الأولى من حيث الاهتمام بطعامه ونومه ومراقبته باستمرار حتى يكمل هذه السنوات، ومن ثم تبدأ حياة الطفل ليكون مستعداً لمراحل حياته اللاحقة. ولكن حتى هذه المرحلة من حياة الطفل ونقصد هنا مرحلة السنوات الثلاثة الأولى من حياته هي تختلف بين طفل الحي الراقي وطفل الحي الشعبي، فطفل الحي الراقي ومنذ بلوغه الست أشهر  على سبيل المثال يصبح ينام في غرفة خاصة له وحده، بينما الطفل الذي يعيش في حي شعبي فهو يظل ينام في غرفة أبويه حتى يبلغ سن متأخرة من حياته.. ناهيكم عن النتائج التي يمكن أن تعود بالإساءة على الطفل في حال نومه باستمرار في غرفة أبويه، ويمكن أن أذكر هنا حالة مرضية يمكن أن يصاب بها الطفل ولكن بعد أن يكبر ويصبح رجلاً وهي حالة تعرف في العلم والطب باسم (كليبتومانيا). ولا مجال لشرح هذه الحالة هنا بالتفصيل بل يمكن أن نعرفها بأنها مرض السرقة.

أمراض متشابهة بين طفل الحي الراقي وطفل الحي الشعبي:

قد يصاب الطفل بأمراض عديدة من ارتفاع درجة الحرة الإسهال المغص.. إلخ. وغالباً ما تكون هذه الحالات طبيعية وسرعان ما تزول عند الاهتمام بحالة الطفل أثناء مرضه وإعطائه الدواء اللازم. لكن قد يصاب الطفل بحالة قد لا يكون منشؤها عضوي بقدر ما يكون منشؤها نفسي، وقد تستمر هذه الحالة حتى يكبر وربما حتى يصبح رجلاً كبيراً ومن هذه الحالات: التبول الليلي، وهذه الحالة قد يصاب بها طفل الحي الراقي وطفل الحي الشعبي على السواء، لكن أسباب كل منها قد تختلف؛ إذ أننا نرى على سبيل المثال طفل الحي الشعبي يبوّل على نفسه في الليل بسبب الضرب والصراخ من قبل أمه إذ أن الضرب والصراخ الزائد ضد الطفل بشكل عام يحلق في نفسه خوفاً يتجلى أكثر ما يتجلى لدى الطفل في فترة الليل وهو نائم فيتم التعبير عنه بالتبول الليلي وعندما يصحو الطفل في الصباح تجده أمه وقد ارتكب خطأ فاحشاً فتبدأ أمه بضربه والصراخ عليه ويغيب عن بال هذه الأم التي تفتقد إلى المعرفة أساساً أن الطفل كان نائماً ولم يع ما قام به حتى أنه يغيب عن بال الأم أنها هي السبب في حالة طفلها.

في حين لو انتقلنا إلى طفل الحي الراقي الذي يبوّل على نفسه ليلاً نجد أسباباً قد تكون بعضها مغايراً لتلك الأسباب الموجودة لدى طفل الحي الشعبي، فأم الطفل الذي يعيش في الحي الراقي لا تصرخ في وجه طفلها ولا تضربه لأنها مشغولة بأشياء أخرى: عملها، شكلها الخارجي، ماكياجها، أهم صرعات الموضة، أصدقائها.. وأشياء أخرى ربما أصعبها على الإطلاق غياب هذه الأم الطويل عن البيت..وترك الطفل وحيداً لساعات طويلة مع الخادمة –في النادي- في الحديقة.. إلخ

هذه الأسباب وغيرها يمكن أن تجعل الطفل مصاباً بالتبول اللاإرادي وهي حالة لا واعية تحدث عند الطفل ليعبر عما في داخله من اعتراض على تصرفات والدته معه من غياب وإهمال شخصي منها لطفلها…

فالطفل هنا يريد أن يذكّر والدته أنه موجود من خلال حالة التبوّل اللاإرادي الليلي رغم أن هذه الحالة تخلق لديه خجلاً على أرض الواقع فيما لا وعيه مرتاح لهذه الحالة لتعي الأم _حسب لا وعي هذا الطفل_  أن طفلها موجود لكنها تهمله بانشغالاتها عنه…

ولاشك بأن طفل الحي الشعبي في كثير من الأحيان هو عرضة لأمراض كثيرة سببها الفقر والحرمان والبيئة الملوثة..

وفي المقابل نجد أن طفل الحي الراقي عرضة لأمراض عديدة أيضاً يكون سببها الرفاهية الزائدة.. والدلال الزائد عن حده أو ربما يتعرض لأمراض أخرى يكون سببها الاهمال الأسري بسبب انشغالات الأبوين وخاصة الأم بأمورها الخاصة بها وحدها كما ذكرنا سابقاً….

موقفين مختلفين…

من خلال متابعتي لأطفال عدة في حي شعبي في منطقة القابون القريبة من دمشق أوقفتني قصة طفل في العاشرة من عمره كان يشتري بعض الأغراض لأمه من بقالية كانت قريبة من بيته, كنت أراقب هذا الطفل وهو يشتري من البائع كان صوته فيه “بحّة” لا أدري إذا كانت طبيعية أم هي ناتجة عن مرض في البلعوم أو ما شابه, وبشرته مائلة إلى السمرة الزائدة اشترى حينها (بيض عدد3 _ نصف كيلو سكر _ وبمبلغ 10 ليرات اشترى 4 أرغفة من الخبز) دفع للبائع 100 ل.س فأعاد له البائع مبلغ 25 ل.س كانت على التوالي(10ل.س-10ل.س-5ل.س) حمل الطفل الأغراض وأخذ الباقي من البائع وهمّ بالعودة للبيت.. في هذا الوقت كنت أتابع أنا شرائي لأغراض مختلفة, وما إن انتهيت وخرجت من البقالية وبعد بضعة أمتار رأيت الطفل نفسه عائد ودموعه غزيرة لدرجة أن من يراه سيشفق عليه فما كان مني إلّا توجيه سؤال لهذا الطفل: ما بك, لماذا تبكي؟

أجابني الطفل بحرقة تكاد تحرق كبدي عليه:”لقد أضعت عشر ليرات سورية وإذا علمت أمي فإنها ستضربني ضرباً مبرحاً”

فتوقفت قليلاً عند هذه الكلمات التي وقعت على أسماعي وكأنها صاعقة لكني قلت له: أين أضعتها؟ فأجابني بذات الحرقة: لا أدري قد تكون وقعت مني ولكني لم أجدها فقد بحثت عنها ويبدو أن أحد أولاد الحي وجدها وأخذها وهذا أمر سيغضب أمي مني وستضربني.. وعدت لدهشتي من العقاب الذي ينتظر الطفل في حين سمعت والدته أنه أضاع مبلغ ألـ(عشر ليرات)..!

وهنا تعاطفت مع الطفل وقلت له تعال نبحث سوية عن العشر ليرات؛ ربما نجدها ولا أخفي أنني اضطررت لوضع هذا المبلغ خلسة على الأرض حتى يراه الطفل ويأخذه لوالدته وبذلك يُعفى من العقاب.

إنها حالة مزعجة إلى حد كبير عندما نجد طفل يبكي بحرقة وخوف لأنه أضاع مبلغ عشر ليرات فقط، وليس هذا وحسب بل إنه سيُعاقب بالضرب من أجل هذا المبلغ.

في حين أجد حالات الأطفال بذات عمر الطفل الذي تحدثت عنه في الحالة الأولى؛ ولكن في حي راق.. يدخل أحد الأطفال سوبر ماركت ويشتري العديد من قطع الشوكولا الغالية الثمن والمتنوعة، والمبلغ الذي يدفعه ليس (75) ليرة، إنما يفوق الألفي ليرة سورية.

وإذا أردنا أن نشرح أكثر في مثل هذه الحالات نشير إلى أن الطفل في الحالة الأولى كان يشتري أغراض لأمه وهي عبارة عن بيض وسكر وخبز، وهي حاجات سيأكلها الجميع في الأسرة، في حين أن الطفل في الحالة الثانية كان يشتري شوكولا غالية الثمن له وحده كما أنه لا بد أن نشير إلى أن هذه الأنواع من الشوكولا لا يكون طفل الحي الشعبي قد تعرف عليها على الإطلاق..

إن الحياة بين الطفل الذي يعيش في حي راق وطفل يعيش في حي شعبي تختلف إلى حد كبير، إذ أن الأهل مختلفون والأصدقاء مختلفون والبيئة مختلفة.. بمعنى أكبر كل شيء مختلف.. فهل أساليب التربية تصلح لكلا الحالتين المختلفتين؟؟.

سؤال نضعه بين أيدي الأخصائيين التربويين.

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *