إعلان
إعلان

منتدى رياض الأدبيّ.. حلمٌ تحقّق في فضاءِ حلب

سفيربرس _ بيانكا ماضيّة

إعلان

يعود ألقُ الأدب والثقافة إلى الأروقةِ التي نسيتها الحرب، حلمٌ كان يراود من حملَ بريقَ الحرف بين أصابعِه، وانتظر حتى تجرّ الحربُ أذيالَها، لينطلقَ من جديد نحو الفضاءات التي يشعّ فيها نورُ الشمس..فأيّ فضاء يجمع أدباءَ حلب؟! أليس الفضاء الذي يجمعهم بحميميّة وشوق إلى رونق الحرف والكلم، فيكون المنتدى والمقهى هو المنطلق، وهو العودة لحالة حضارية ثقافية سابقة؟!

“مساؤكم نور .. وحضوركم غاية البهاء، استطعتُ السيطرة على قلبي، حملت حلمي لأكثَر من أربعين عاماً، كنت أولد كل يوم حين أتذكره، كان خوفي ألا يذهب، فكانت ليَ الحياة. حين بدأ حلمي يتحقق، وهن العظم مني واشتعل شعري شيبا، وكنت أحسب أن الأسباب قُطعت إلى أن بزغ الأمل مجدداً بكم أيها الأحبة…ماكنت يوماً صماء، أريد أن أسمعَ، أنا حرة باختياري، ماكنت تعيسةَ النفس، أناديها نداء خفيا، كنت أحسم أموري وأحسب قضية الكلمة قضيتي، هذه هي حالي أستمتع بألمي، وأنتظر، وأسعى، وأسمع اللامرئي.النور لكم أصدقائي، والحب..وَسِعَكم قلبي فأنتم الأحباب، بهجتي لسان حالي، وأنا أعلن الآن مع أصدقائي أربابِ الكلمة وفرسانِ المعاني إطلاق أعمال منتدى رياض الأدبي، أشكر سني حضوركم، وأحييكم تحية المحبة، وأعلن افتتاح منبر من منابر حلب الحبيبة يصدح بالأصالة والسمو”..

بهذه الكلمات افتتحت السيدة رياض نداف منتداها الأدبي في مقهى “Crema Cafe” بمنطقة الحمدانية بتاريخ 4/1/2019 ، وقد أسمته (منتدى رياض الأدبي) هذا المنتدى الذي لطالما حلمت بتأسيسه منذ سنوات يفاعتها، وقد دعت إليه مجموعة كبيرة من أدباء ومثقفي المدينة الذين لبّوا الدعوة محتفلين بهذا النشاط الأدبي الذي يسجّل لحلب وأدبائها بعد الحرب. انتظرت رياض نداف الكثير من الوقت حتى صار الحلمُ حقيقةً وواقعاً، فأية بهجة تعتلي وجهها وهي تخطو نحو حلمها القديم؟! لم تنسَ مرورَ طيفه أمام عينيها، ولكن الأحلام تتحقق حين نرسمها بتفاصيلها في أذهاننا، ونعيشها وكأنها حقيقة ساطعة..

انطلق المنتدى كما أرادته الأديبة رياض، ليكون ثاني صالونٍ أدبي يفتتح في مدينة حلب بعد إعلان نصرِها. وقد سبقتها الشاعرة أديل برشيني بافتتاح صالونها الأدبي في منزلها، وليشكّل خطوة رائدة أخرى من الخطوات الرائدة الثقافية في مدينة حلب، ولها، ولينضمّ إلى ظاهرة الصالونات الأدبية في هذا العصر الجديد، هذه الظاهرة التي يتوقع البعضُ انقراضها، لاسيما في زمن الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي التي ينشر فيها الكتّاب والأدباء نتاجاتهم وإبداعاتهم، ويتناقشون في القضايا الثقافية والأدبية والفكرية. إلا أن حلب وأدباءها – على مايبدو- لا يعيدون الظواهر الثقافية التي كانت المدينة رائدة فيها وحسب، وإنما ينتجون حالة ثقافية على خلاف المتوقّع، لما يحملونه في قلوبهم من محبّة وعشقٍ للحرف حين ينشر دفئه بين المجتمعين على سحرِه ورفرفات جناحيه في المكان، فهل هو الشوق للقاء، أم الشوق للأمكنة التي كان من الصعب اللقاء فيها أثناء الحرب؟!.

في منتدى رياض الأدبي ألقى بعض الشعراء والأدباء قصائدهم، وقصصهم، ودراساتهم النقدية، وكان للبعض الآخر كلمات حول هذا التجمّع الثقافي الأدبي المهم الذي يشكّل رغبة جامحة في إبراز التجارب الشعرية والقصصية، وطرح القضايا الفنية والنقديّة التي تخص المشهد الإبداعي. هذه الحالة الثقافية الخاصة هي جزء من حالة ثقافية عامة فضلاً عن أنها تعكس حالة تواصل واقعي، جاء بعد تواصل افتراضي شكّل سهولة للّقاء بكلّ ما يحمله هذا اللقاء من دفء وألفة وحميميّة. هي بقعُ ضوءٍ تخفّف من وطأة ظلام الجهل الثقافي الذي يحياه مجتمعنا في ظلّ عزوف أبناء هذا المجتمع عن القراءة، وميله إلى تلقي المعلومة الموجزة المختصرة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت.

وفي لقاء خاص مع الأديبة رياض نداف للـ”الشهباء” للوقوف عند هذا الحلم الذي حققته، قالت: “إنه حلم عمره أربعون عاما رافقني في كل آن، وكنت أحسبه انتهى، لكنه ولد من جديد ولا أقول تحقق لان تحقيقه يعني أنه مات. أقول ولد وولادة الحلم أنه سيكبر، سيكبر بالأصدقاء والداعمين له من الأدباء، شعراء وقاصين ونقاداً وكتّاباً وأصحاب كلمة رائدة. سأعمل على تطوير منتديات كهذه، بحيث تكون رائدة وتنهض بحلب كما يليق بها، وكما تستحق مدينة الأدب والفن والجمال، مدينة المتنبي وعمر أبو ريشة وصبري مدلل”.

رأيٌ ورأيٌ آخر

يرجع بعض الباحثين كثرة الصالونات النسائية قديما وحديثا إلى أن المرأة حرمت كثيراً من المشاركة في الحراك الثقافي العام، فآثرت أن تدعو هي رجال الفكر والأدب إلى بيتها حيث صالونها أو مجلسها؛ لتتمكن من المشاركة التي حُرمت منها، وبالتالي فإن نشاط المرأة المتميز في مجال الصالونات فرضه الواقع الذي همّشها. ولكن في ظلّ المشاركة الواسعة للمرأة في مجالات الحياة، لم يعد الواقع مهمِّشاً لها، فهل تبقى ظاهرة قديمة رغبت الأديبات المعاصرات تقليدها واستمراريتها بشكل عصري مدني، رغم هذا فإن الصالونات الأدبية التي أسستها النساء في عالمنا العربي بقيت علامة فارقة من علامات التطور الإنساني والحضاري في آن، وفي هذا.

 يقول السيد محمود أحمد الجدّوع رئيس تحرير موقع سفير برس: “تعتبر عودة الصالونات الأدبية ظاهرة صحيّة ومؤشر إيجابي يدل على أن الثقافة والفن والفكر في تجدد مستمر مادام هناك مثقفون حقيقيون. ومنذ قديم الزمان تعتبر مدينة حلب منارة للثقافة والفنون، وصدّرت للعالم تاريخها وفكرها، ولا تنسى أنها تربعت على عرش الثقافة عندما تم اختيارها عاصمة للثقافة والفن والتراث. وما افتتاح صالون الأديبة أديل برشيني، والأستاذة رياض نداف، إلا أكبر دليل على ذلك من خلال التفاف مجموعة كبيرة من الأدباء والمثقفين حولهما”.

وبما أن هذه الحالة البعيدة عن الحالة الثقافية المؤسساتية، تشكّل فرصة للقاء الأدباء وطرح إبداعاتهم، فهناك من يرى في هذه الصالونات الأدبية ظاهرة سلبيّة، إذ يقول الشاعر محمد خالد الخضر، رئيس فرع إدلب لاتحاد الكتاب العرب، وصحفي في وكالة سانا: “إن هذه الظاهرة ليست مهمة، وخاصة في زمن تتعرض إليه البلاد لمؤامرات كبيرة، لأنها تعني البطر والرفاهية، والأدب الذي يكتب على هامش السهرات، والذي يشير إلى فشل مؤسسات الدولة، ويدل على فراغ كبير. نحن في حالة حرب، ومن يقول انتهت يكون كاذبا، أدواتها موجودة وناسها بخير يكملون مسيرة المؤامرة، لذلك لابد من تفعيل المؤسسات، هناك نقابات واتحادات وأحزاب، ولايوجد شخص إلا وهو ضمن نقابة أو حزب أو مؤسسة، فعليه وعلينا تفعيل المؤسسة، وأن يكون في كل واحدة من تلك المؤسسات صالون. لامانع من السهرات المنزلية لكن على أن لاتأخذ دور المؤسسة المعنيّة بالتصدي”.

ربما يشكّل هذا الرأي صدمةً لمن يشجّع هذه الظاهرة الثقافية الحضاريّة، ويسعى إلى استمراريتها، وخاصةً لمن أطلقت تلك الصالونات والمنتديات، إذ تؤكد المرأة في إعادة إطلاق وتجديد هذه الظاهرة، بأنها قادرة على الفعل باعتبارها ذاتاً، وقادرة على التغيير الذاتي المجتمعي، وشريكة في صناعة المفاهيم. لذا يحتاج الأمر إلى الانتباه إلى نماذج هذه التجارب، التي تشتغل خارج المنطق المألوف للمؤسسات، لكنها في حقيقة الأمر تعبر عن تطور في حركية النساء، وتفعيل مبدأ الشراكة، انطلاقاً من خصوصية الفعل.

 

سفيربرس_ بيانكا ماضيّة _ الشهباء

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *