إعلان
إعلان

قمّة بيروت الاقتصاديّة مرآة الواقع العربي. بقلم : د .عبير الحيّالي

سفيربرس. لندن

إعلان

استضافت بيروت أعمال الدورة الرابعة للقمة الاقتصادية العربية من الثامن عشر إلى العشرين من الشهر الجاري، في حالة من الغياب الطاغي لرؤساء الدول العربية، بعد أن ألغى معظمهم مشاركته، وقلّصوا مستوى تمثيلهم إلى أدنى مستوى ممكن، وسط خيبة أمل لبنانية عكستها الصحافة المحلية للبلاد.

تضمّن مشروع جدول الأعمال أكثر من ٢٧ بنداً، ربما كان أبرزها وأكثرها أهمية المبادرة التي تقدم به الرئيس اللبناني وتهدف إلى “اعتماد إستراتيجية إعادة الإعمار في سبيل التنمية”، والعمل على تأسيس مصرف عربي لمساعدة الدول والشعوب العربية المتضررة. كما تشمل الأمن الغذائي العربي، ومنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، واستكمال متطلبات إقامة الاتحاد الجمركي العربي، والاستراتيجية العربية للطاقة المستدامة، وبعض النقاط الهامة كالتكامل والتبادل التجاري في المحاصيل الزراعية ومنتجات الثروة الحيوانية، والسوق العربية المشتركة للكهرباء، بالإضافة إلى التعاون السياحي، وطبعاً فإن بند اللجوء السوري إلى دول الجوار وضغوطاته كان حاضراً مع التشديد على ضرورة عودة اللاجئين، وربما هي النقطة الوحيدة المنطقية والتي تتشابه مع الواقع العربي وقابلية التطبيق.

أما عن أسباب غياب القادة العرب، فحدّث ولاحرج، حيث شكل الملف السوري نقطة الخلاف الجوهرية، حيث أثّر التجادل والخلاف حول عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية على نجاح القمة. ولكن من يتأمّل في الوضع العربي يجد أن لدى هذه الدول من الخلافات ما يجعلها، متأهبة للانقضاض على بعضها البعض، وليس فقط الاعتذار عن التواجد في القمة التنموية الاقتصادية والاجتماعية.

نعم كانت سوريا الغائب الحاضر في هذه القمة، التي افتتحها الوزير باسيل بالمطالبة بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية وعدم تركها للإرهاب، وهو ما رفضه بعض المشاركين بحجة أنه يخالف القرار العربي الجائر، وليس “الجامع” كما يطلق عليه البعض، والذي اتخذ في عام ٢٠١١، مما أدى إلى حدوث تصدع بالقمة قبل أن تبدأ. اعتذرت سوريا عن الحضور بعد تلقيها الدعوة للمشاركة من الرئاسة اللبنانية، وجاء الرد موضحاً للموقف على لسان السفير السوري في لبنان لقناة الميادين “اعتذارنا طبيعي لأن جامعة الدول العربية لم تتراجع عن الخطيئة التي ارتكبتها بحق دمشق”. نعم ياسعادة السفير هذه “الجامعة” عجزت عن القيام بدورها في وقت يشهد العالم العربي فيه أحداثاً تغير من جيوسياسات الدول والمجتمعات المكونة لها، وزيادة على ذلك تم تدمير العديد من الدول العربية بقرارات تم أخذها من على منصاتها، فاتحين أبواب المنطقة لجميع أنواع التدخلات الأجنبية، فياترى هل هي مجرد خطيئة!

وعلى الرغم من أهمية سوريا وتواجدها لإنجاح القمة، فإن هناك أسباب أخرى لفشلها، فالنزاعات الداخلية للبلد المستضيف هي واحدة من الأسباب الرئيسية لفشل هذا اللقاء، فلبنان يعاني من حالة سياسية واقتصادية وأمنيّة هشة. حيث عانى من الفراغ الأمني لأكثر من سبعة أشهر بسبب عجز ساسته عن تشكيل حكومة، والحكومة المؤقتة الحالية تعمل بتشكيلة برلمانية في غالبيتها مؤيدة لحزب الله، وهو مايعارضه الكثير من قادة مجلس التعاون، ويبدوأن الفرصة أتت لبعض الدول المشاركة التي من الممكن أن نسميها بالمؤثرة لتوجيه رسالة سياسية إلى لبنان مفادها ” نحن لسنا راضون عن سياستكم”وهذا يشمل الدول التي تعتبر حزب الله عدواً وشريكاً لإيران.

كما أنّ تمزيق العلم الليبي وإحراقه بالقرب من مكان انعقاد القمة، وأدى إلى حدوث شرخ في العلاقات بين لبنان وليبيا، وقاد إلى انسحاب ليبيا تماماً من القمة، شجع بعض القادة على الانسحاب تضامناً معها، وما هو إلا إثبات لحالة الغياب الأمني عن الساحة اللبنانية وأن سياسة “كل مين أيده إله” كما نقول بالعامية هي ما تسير الواقع اللبناني.

الخلاف الخليجي- الخليجي أيضاً ألقى بظلاله على القمة، حيث جاءت مترجمة بقرار أمير قطر بأنه سيكون على رأس وفد بلاده بعد تخفيض تمثيل حضور دول أخرى من الخليج، وهو ما يؤكد استمرار خلاف مرير بين الطرفين، القطري من جهة، والسعودي -الإماراتي من جهة ثانية.

من المؤكد أن هذه القمة حملت عناوين برّاقة، فيها الكثير من التفاهمات التي لا يمكن تحقيقها في ظل الحالة السياسية والاجتماعية والاقتصادية المأساوية التي تعيشها المنطقة العربية. وفي الواقع جاءت بمجموعة من القرارات المنسوخة من الأمم المتحدة، ولم تحمل أي تفاهمات حقيقية، ولا يوجد أي احتمالات لحصاد حقيقي يصبّ في صالح الدول المشاركة.

يعتقد الكثيرون أن القمة التنموية الاقتصادية العربية تلقّت ضربة قاسية، ولكنني أعتقد أن هذه الضربة كشفت الغطاء، وعكست الواقع الحالي للعلاقات العربية-العربية. وأظهرت عمق خلافاتهم، وكأنها تقول للمواطن العربي أنها غير منتهية. في الوضع العربي الراهن لايمكن الحديث عن قمم، وإنما من الممكن أن نخفض التسمية إلى مؤتمر عربي، وهي تسمية تتطابق مع مستوى التمثيل الحكومي وطريقة تفاعل الدول الأعضاء. ومن المعلوم أنه في ظل الانقسامات العربية المأساوية لايمكن تطبيق أياً من المقترحات المقدمة، وفي ظل الغياب السوري سيستمر الخلاف العربي ويزداد سوءاً. ولا يمكن لهؤلاء أن ينجحوا في قممهم وهم يعتمدون سياسة غض البصر عن المعاناة اليمنية، وعدم التطرق لإيجاد الحلول المسعفة لهذه المأساة الإنسانية، ومثلها القضية الفلسطينية، وكذلك التطور الخطير لأحداث السودان، والفوضى الليبية، وربما الأغرب القبول بالقصف الإسرائيلي لسوريا أثناء انعقاد هذه القمة. ختمت أحد مقالاتي السابقة متفائلة بتحسن العلاقات العربية-العربية بعد فتح السفارة الإماراتية في دمشق، بأخذ العبرة من قصة سيدنا يوسف عليه السلام بالتآخي والمحبة والرجوع عن الخطأ، ولكن يبدو أننا نعيش وسنعيش قصة قابيل وهابيل في جامعة الدول العربية وليست قصة يوسف وإخوته.

سفيربرس _بقلم الإعلامية د.  عبير الحيّالي

باحثة في الإعلام الدولي لندن 

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *