إعلان
إعلان

في المركز الثقافي ولكن !…بقلم ـ علي عمران

إعلان

مقدمة :

لأنني سيد وقتي نويت القيام بتجربة في أحد المراكز الثقافيّة بغية مواصلة دراستي تحت سقفه وبين جدرانه ,فاصطحبت أروقتي في رحلةٍ تناسبها وتغنيها .

لحظة الدخول:

صبيحة يوم الزيارة دخلت الباب الرئيسي وليس من بـوّاب فلا موظفين والصمت يعـمُ المكان ,حينها لم أرى سوى الجدران ومكتب استقبال جانبي سطحه فارغ وكرسيه الاسفنجي يشكو حالة الهدوء المملة .

تابعت خطواتي وصعدت الدرجات متجهاً نحو قاعة المطالعة في الطابق الثالث فوصلت مقصدي ودخلت باب القاعة ذي الشطرين الخشبيين وكأنه معبر إلى قاعة كبيرة تسودها أضواء النوافذ الممتزجة بإنارة كهربائيّة متواضعة ,أما الأرض فقد تراصفت على عاتقها طاولات خشبية متوازية الخطوط ,تجاورها مقاعد جلديّة سوداء قديمة المنشأ.

كادر الموظفين :

خمس موظفات توزعن على طاولتين مكتبيتين في طرف القاعة ,يمارسن المهام البسيطة ويتبادلن السير الكلاميّة أفواجاً لا حصر لها ,فتارة ً يتحدثن عن مفاصل الحياة المنزليّة والتسوق وحركة الأسعار وتوفر السلع ومدى جودتها وأحيانا ً صيحات الموضة والأزياء لينتهي الحال إلى همسات خافتة بين اثنتين منهن حسب الأوقات المتاحة لمثل هذه الأحاديث الجانبيّة ,وخلاصة الملاحظة أن طبيعة العمل وعلاقة الكادر (أهليّة بمحليّة) .

الكتب في قاعة المطالعة :

على امتداد جدران القاعة رفوف مكتبيّة خجولة تعرض ما بداخلها من كتب أوشحتها غبار الروتين والنمط اليومي المتكرر ,ناهيك عن فوضى في الترتيب وعناوين قديمة قــِدم تأسيس المركز في ثمانينيات القرن الماضي وأجزم يا مَن تلمس بعينيك سطوري أنها لو كانت ذات قيمة لما طالتها يد جميع من دخل القاعة التي تخلو من الموظفين في بعض الأحيان !..

يجدر الإشارة :

على مدار الساعة نشهد اصدارات عدة لكتب وروايات وما شابه من قـِـبـَـل مجتمعات تتسم بتنوع واضح في الثقافات والأفكار ,فما قيمة هذه المكتبة البائسة التي تفتقر إلى التجديد والمواكبة في عصر الدراسات والأبحاث التي تنشطر يوميّا ً حول العالم ؟!..

البرامج التدريبيّة – نشاط اعتيادي :

بالنسبة للبرامج التدريبيّة كاللغات والكمبيوتر لم أقم بتجربتها فعليّا ً ولكن حسب آراء المشتركين أنها بسيطة لأن المعدات والتجهيزات متواضعة ,أما الاقبال محدود بعض الشيء وباعتقادي الشخصي أن ما ذكر صحيح إلى حد ما لأن المراكز تلك تفتقر إلى مخصصاتها الماليّة واللوجستيّة خصوصا ً هذه الأيام التي يتم التركيز فيها على الحاجات اليوميّة الضروريّة للمجتمع ,أي أن وزارة الثقافة لديها من موازنة الدولة الشيء المتواضع الذي لا يكفي لتغطية نفقات كامل المديريات والمراكز الثقافيّة التابعة لها في المحافظات السوريّة ويؤسفني القول أن تلك المراكز تمارس عملها وفعالياتها بشكل اعتيادي وفي أضيق نطاق عرفته منذ تأسيسها .

يا لسخرية المأساة :

على سبيل الدعابة شوهدت فأرة صغيرة تسرح وتمرح في قاعة المطالعة فماذا كانت تفعل ؟

  • هل كانت تقوم بجولة بين الكتب مثلا ً ؟
  • هل الفئران باتت تشاطر البشر الآراء والقراءات ؟

على أية حال إنها تمارس نشاطها اليومي بين الكتب المصفوفة في مركز ثقافي له اعتبارات رسميّة وبذلك تبقى أفضل حالاً من أولئك الأشخاص ذوي العقول الفارغة والمتسكعين بين الأزقة والمقاهي وأحياناً على قارعة الطرق المهجورة .

الخلاصة :

لست بصدد السخرية ولكن ما يزيد الجرح غورا ً واتساعا ً أن سوريا بطبيعتها ومناخها وتكوينها الديموغرافي من أكثر بلدان العالم إنتاجاً للعقول وبناءً وتشييدا ً للإنسان ولكن هذا الزمان عكس حال الثقافة من خلال نشاط مراكزها ومدى تكريس مفاهيمها في العقول ولكي لا نلعب دور الضحيّة وتغدو أحلامنا وطموحاتنا نـُـثار من البارود ,لا بد من ادراك واقعنا اليوم فالعقل مـُعرّض لألف ألف مؤثر سواء كان في عالم الأعمال والحياة المهنيّة وأنماط العلاقات الاجتماعيّة والأهم عالم مليارات المعلومات الافتراضي ومكمن خطورة هذه المؤثرات أنها متنوعة إلى حد كبير وتحليليّة حد التفصيل الممل وفوضويّة بشكل واضح فتغلغلت في المجتمع السوري وانتشرت في نسيجه الذي يضم أكثر من أربعين عرقٍ وطائفة بطريقة فيروسيّة مما ادى بواقعنا إلى ست سنوات عجاف ألمّت بالبلاد فاردت النفوس ألما ً والأبنية ركاما ً والمشاعر بسموم القيم الجاهليّة ثبات سريري مجهول النهاية !…

ومضة تستحق التفكير :

يـُـقال أن الانسان ضعيف ,فتجد فكرة تـُشغله وأخرى تحوّل مسار وجهته فهل هذا معقول ؟

قد تختلف الآراء وبتحليل بسيط قد نلتمس الجواب الأدق :

إن العقل البشري ينتج 60,000 فكرة يوميّا ً والتحكم بهذا الكم الهائل من الأفكار يتطلب قدرات فكريّة هائلة غير متوفرة عند البشر ولكن الحل البديل موجود وهو المشاعر ,فكما نوجه مسار مشاعرنا في الحياة تسير معها الأفكار بطريقة مغناطيسيّة في دماغنا وبالتالي علينا التحكم بمشاعرنا بطريقة دقيقة ومنظمة وإلا كيف يمكن للفيس بوك مثلا ً التحكم بالحالة المزاجيّة للعقول الشابة ؟

 

ما تبقى :

رغم هول الحال يبقى لسان حالنا الاقتباس القائل ” ما اضيق العيش لولا فسحة الأمل “ فالمستقبل آت ٍ ويجب أن نـُـعد له منذ الآن بالعمل المستمر أما اذا بقينا مستسلمين لأولويات حياتنا ستموت قدراتنا وأسأل :

كيف يمكننا استخراج النفط او المواد الأحفوريّة من أعماق واحة أو مسطح صحراوي إذا كنا متقوقعين بإزالة الحجارة المتراكمة والملتصقة على الأرض ؟!..

أهذا الحال جدير بنا بعد ألفين ونيّف من أيام علقم شهدتها بلادي والتي كانت كفيلة بمنح الدروس والعـِـبر مدى الحياة ؟

باختصار لا خيار لنا سوى البناء من اجل الوصول إلى ما نطمح إليه ومن اراد أن يضيف على الحياة شيئا ً فليكن ومن لم يرغب يكن هو زائدا ً عليها !! ….

 

                                                                    سفيربرس ـ علي عمران

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *