إعلان
إعلان

لم تمت أم بهجت .. بقلم : المثنى علوش

#سفيربرس

إعلان

لا اهتم مطلقاً لحديث ام بهجت ذات السبعين عاماً .. و لعل معظم أحاديثها تتمحور حول زوجها عبد الجبار الذي فقد بصره في حرب تشرين سنة ١٩٧١ .. فهو المقاتل الشرس المغوار ذو السبع حواس قاهر الاعداء محرر الارض شمشون الجبار و الى ما هنالك من مصطلحات تعزوية تعزي بها نفسها رغم ما خسرته هي و هو جراء اصابته و جلوسه في المنزل كل هذه السنين..
اذهب الى مدرستي احاول التخلص من بقايا كلماتها كل صباح فهي تذكرني بدرس القومية الاجباري الغير مفهوم لكن توجب علينا احترامه ( بالحذاء القديم) كونه قومية اولا و كي لا نفوت فرصة تحصيل ٢٠ درجة في نهاية السنة.

بلمح البصر اخذت الايام تمضي و تتحرك تلك الاحداث باتجاه الامام حتى عام ٢٠١٣ حيث كانت الحرب على اشدها و هياكل السوريين اخذت شكلا غريبا غير الذي عهدته من ذي قبل .. و ام بهجت هي هي على فراش الموت تتحدث كعادتها عن الامجاد القديمة و كأن ما حصل مع زوجها كان البارحه .
ماتت ام بهجت امامي و هي تلفظ اخر انفاسها و كأنها استراحت فعلا بعد اخر نفس ..لا اعلم لم كل ذلك الحزن اعتراني و بدأت الدموع تأخد مجراها على وجهي كأني واحد من ابنائها .. واحد من الذين حفرت احاديثها خطاً في رأسي لن يزول . كانت ام بهجت طيبة و بيضاء و رائحتها اقرب الى الخشب القديم .. كريمة و لا تعرف كلمة لا اذا ما طلب منها اي عمل مهما كان شاقاً بالنسبة لها.. تحملت الكثير من الاوجاع .. و لا شك أن ظهرها كسر تماما جراء استخدامه بشكل مفرط في خدمة زوجها الضرير و خدمة نفسها كذلك .
كل صباح اتذكر تلك الفقيرة و أحدث عنها زوجتي و جيراني الجدد .. لكنهم لا يأبهون لكل كرمها و نقاوتها و طيبتها الزائدة .. حتى أنهم يحتالون علي لتغيير الحديث او ايجاد اي حجة للتهرب من الجلسة كما كنت افعل بالضبط مع ام بهجت رحمها الله.
الان عرفت لماذا كان زوجها بطل الابطال .. و لماذا كانت الحرب سبباً في تغيير سلوكها و حياتها … و لماذا تخلت عن كل شيء و تعلقت بكل شي في الوقت ذاته .
الان عرفت السبب الحقيقي لبكاء رأفت الهجان بعد النكبة .. و علمت كذلك لماذا بكيت على الشجر الذي احترق فجأة بلا ذنب اقترفه.. تأكدت ان دموعي تسقط على أجزائي و ليس على حادثة عابرة .

#سفيربرس _  بقلم : المثنى علوش

ملاحظة : النص شبه خالي من الهمزات لأسباب تقنية 

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *