سورية…رؤية نحو اقتصاد المعرفة ـ بقلم : د.عدي سلطان
#سفيربرس

منذ فجر التاريخ، لعبت المعرفة دوراً كبيراً في تحقيق التنمية الشاملة، وتمحورت معظم السياسات الاقتصادية حول سبل تعظيم استغلال الموارد الطبيعية والبشرية، ومع انتشار وسيطرة تقنيات الاتصالات والمعلومات واندماجها في عمليات الإنتاج، غدت المعرفة الرافعة الأساسية للنمو الاقتصادي في الدول المتقدمة والنامية على السواء… في عصرنا الحالي، أسهمت ثورة المعلومات والاتصالات في تغيير نمط الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأدّت إلى تغيير جذري وعميق في المجتمعات مستندة إلى النظم التعليمية العالية الجودة والبنى التحتية القوية في الاتصالات والتقنيات، وأصبح توفر المعلومة حال طلبها ومن خلال وسائل مختلفة من مزايا حياتنا اليوم.
وهنا لا بد التشخيص الدقيق للوضع وللحالة المعرفية الراهنة لسورية وأين موقعها من اقتصاد المعرفة في ظل الحرب الظالمة التي تعرضت لها، وقد تبين من خلال العديد من المؤشرات الكمية التي تمت الإشارة إليها أنها لا تزال بعيدة حتى على الدول العربية في مجال ادماج التقانات الحديثة في الاقتصاد الوطني لخلق بنية معرفية تسمح بتأهيل الاقتصاد السوري للنمو السريع والمتوازن مع متطلبات العالم الحديث.
والسؤال المطروح: هل الحديث عن اقتصاد المعرفة في هذه الظروف الصعبة يعتبر من قبيل الترف الفكري أم هو حاجة ملحة تفرضها المشاكل الجمة التي تعتري الاقتصاد السوري اليوم؟!
ن تحسين مستوى التنمية التكنولوجية والاقتصادية والبشرية في سورية في المرحلة الراهنة يعتمد بشكل أكيد على تحقيق متطلبات الاندماج باقتصاد المعرفة و لعل من أهم هذه المتطلبات ، هي الاستثمار في الإنسان وديناميكية أكثر في الحوافز الاقتصادية والنظم المؤسسية ، و تشريعات جديدة تراعي مستوى التطور الحاصل في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والثورة المعرفية ، إضافة لإيجاد بيئة ملائمة للبحث والتطوير وصولاً للإبداع والابتكار ، و خطط وسياسات تعليمية وتربوية تأخذ بعين الاعتبار التطورات الهائلة في مجالات العلوم والتقانة.
وقد بدأت سورية فعلياً بالخطوات الأولى لتحقيق الاندماج باقتصاد المعرفة قبل العام 2011، ولكن الحرب تسببت في إضعاف القدرة على تحقيق هذا الاندماج بسبب عمليات الدمار الهائلة في البنية التحتية وانخفاض المؤشرات الأساسية للتنمية التكنولوجية والاقتصادية والبشرية، ورغم ذلك يبقى اقتصاد المعرفة هو الحل الأمثل للتخلص من الحالة السائدة للاقتصاد السوري ورفع الأضرار الهائلة التي تسببت بها الحرب على صعيد التنمية.
إن العائق الأهمّ في إرساء صناعات المعرفة هو عدم وجود سياسات تجعل الاستثمار في الموارد البشرية واستغلالها بالشكل الأمثل أولوية وطنية، تضاف إلى ذلك القرارات الغارقة في البيروقراطية والآليات النمطية، حيث التردّد هو الأكثر حضوراً في القرارات على المستوى الحكومي، فقد سمعنا عن القرى الذكية لإقامة صناعات كثيفة المعرفة وغيرها من المشاريع، ولكنها بقيت حبيسة الأدراج، ثم تأتي العقوبات الدولية على سورية في المرتبة الأخيرة لتزيد الأمر صعوبة.
من جانب آخر نرى بأن التعامل مع إرساء صناعات اقتصاد المعرفة كقضية واعدة واستراتيجية لتحفيز النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل ورفع الناتج المحلي الإجمالي، لا يمكن أن يتمّ من خلال خطوات خجولة ومتردّدة. وإن تنمية الإنتاجية وزيادة الناتج وطرق العمل خلال مرحلة إعادة الإعمار في سورية يجب أن تُبنى على أساس التطور التكنولوجي وتنمية المصادر البشرية. وبالتالي فالسياسات والتشريعات يجب ان تكون محفزة لتوسيع الاستثمار في رأس المال البشري والتكنولوجيا والإبداع وشبكات المعلومات. فالحكومة الكفؤة هي التي تكون قادرة على فهم هذا النوع من الاقتصاد وتشجع التحول إليه، ف “الأوائل هم الفائزون والأواخر هم الخاسرون”.
نخلص مما سبق أن هناك تحولات جذرية تحدث في بنية المجتمع العالمي، تنعكس آثارها على البنية الاجتماعية والاقتصادية في سورية، وتتجسد هذه التحولات في شكل مجتمع عالمي للمعرفة وتعد هذه الأخيرة أداة قوية تلعب دورا جوهريا في دفع عجلة التنمية الشاملة.
وهنا أعرض بعض المقترحات التي يمكن أن تساهم في رؤية سورية نحو اقتصاد المعرفة:
أولاً: على الصعيد العام
وضع وتبنّي سياسات محدّدة حول اقتصاد المعرفة والصناعات المرتبطة به، وجعلها أولوية على مستوى الاقتصاد الوطني، واتخاذ خطوات واضحة المعالم والنتائج.
-آلية تنفيذ المقترح
إنشاء هيئة وطنية عليا ذات صلاحيات تنفيذية ورقابية واسعة ويكون لها فروع في كافة المحافظات تضم مجموعة من الخبراء والمختصين وأساتذة الجامعات والمهندسين وغرف الصناعة والتجارة المفرغين في مجال التربية والتعليم والإدارة والاقتصاد والاتصالات والصحة والصناعة والتقانات الحيوية والزراعية وفي كافة المجالات، مهمتها صياغة التشريعات والقوانين والسياسات اللازمة لدخول سورية إلى اقتصاد المعرفة، ومتابعة تنفيذها بمفاصلها الدقيقة وتكون قراراتها ذات طابع إلزامي للوزارات والمؤسسات والجهات العامة.
وضع آلية محددة المعالم لمحاربة الفساد الإداري الذي وصل إلى مرحلة مزمنة، في ظل غياب الفاعلية لدور الأجهزة الرقابية التي تعمل حالياً، كالهيئة المركزية للرقابة والتفتيش والجهاز المركزي للرقابة المالية، بل ويمكن وصف عمل هذه الأجهزة بالمعرقل أحياناً لكثير من الهيئات والمؤسسات، لأن الانتقال إلى ثقافة الإبداع ومجتمع المعرفة لا يمكن أن يتم إلا من خلال القضاء على الفساد وتفعيل العمل المؤسساتي، الذي هو للأسف متأخر بالمقارنة مع دول مجاورة لنا.
آلية تنفيذ المقترح
إنشاء جهاز خاص يتبع للسلطة التشريعية (مجلس الشعب) أو رئاسة الجمهورية، على أن تكون له صلاحيات تنفيذية واسعة من حيث المحاسبة والتفتيش على أن يراعى فيما يلي:
يتم اختيار الكوادر البشرية في الجهاز وفق معايير وقواعد صارمة حيث يراعى في ذلك السيرة الذاتية والمؤهل العلمي والخبرة والنزاهة والكفاءة وإتقان اللغات.
يتمتع الجهاز المذكور بنظام داخلي يتم وضعه من قبل خبراء مختصين، ويمنح فيه المفتشون صلاحيات وميزات وظيفية جيدة تراعي أوضاعهم المعيشية والمادية كي يستطيعوا ممارسة عملهم بشفافية ونزاهة.
إلغاء العمل بالأجهزة الرقابية الحالية واختيار المتميزين من الكوادر البشرية فيها وإعادة الكوادر المتبقية للجهات العامة بحسب الاختصاص.
منح الجهاز المذكور موازنة مالية مستقلة للقيام بمهامه بالشكل الأمثل ويكون له فروع في كافة المحافظات والمناطق وكافة مفاصل الجهات العامة.
إلغاء العمل بالرقابة الداخلية في الجهات العامة لثبوت عدم جدواها إلا في حالات بسيطة.
مباشرة العمل بشكل جدي لإطلاق الحكومة الإلكترونية وإنشاء فعالية لإدارة ومتابعة مبادرة الحكومة الإلكترونية، بعد غياب شبه تام خلال سنوات الأزمة، حيث أن الحكومة الإلكترونية ستلغي الكثير من المشاكل كالروتين والفساد ومشاكل المواطنين، وتؤدي لتحقيق الكثير من الميزات التي توفر التكلفة والجهد والوقت، ولا تزال الحكومة الإلكترونية في سورية مشروعاً ضعيف الأداء.
آلية تنفيذ المقترح
استكمال إدخال الخدمات على الموقع الالكتروني egov.sy، والطلب إلى جميع الجهات العامة والفعاليات الحكومية والمدارس والجامعات إدخال بياناتها على برامج حاسوبية يتم إنشاؤها خصيصاً لهذا الغرض على أن يكون ذلك وفق جدول زمني محدد.
استكمال البنية التحتية والبرمجية لهذا الغرض مع شركات من دول صديقة في حال عدم توفر الإمكانيات على المستوى الوطني.
اعطاء الأولوية القصوى لمشاريع بناء بنوك المعلومات الوطنية.
الإسراع بتقديم الخدمات الأساسية بشكل الكتروني.
تفعيل دور الإعلام السوري ليلعب دوراً مهماً وصحيحاً في تكريس ثقافة الإبداع والمعرفة إذ أن أغلبية البرامج الحالية التي تقدمها وسائل الإعلام الحالية هي برامج خدمية تعالج قضايا آنية ولا تركز على البعد الاستراتيجي والفكري
آلية تنفيذ المقترح
إعادة تقييم الكوادر الإعلامية العاملة في الإعداد والتقديم والإخراج والنواحي الفنية في الإعلام السوري المرئي والمسموع والمقروء والاعتماد على الكفاءات مع الابتعاد عن آليات تقييم “اللجان” التي أثبتت عدم فاعليتها وجدواها.
تضمين الخطط البرامجية للوسائل الإعلامية البرامج العلمية والمعرفية التفاعلية، التي تأخذ بعين الاعتبار مبادرات المجتمع والجهات العلمية والبحثية وتسليط الضوء عليها لتأخذ طريقها للتطبيق كما يؤدي ذلك لمنح أصحابها الحافز المعنوي للاستمرار.
إعادة هيكلة عمل الجهات العاملة في إدارة الإعلام السوري، وأنظمتها الداخلية، لتستطيع ممارسة دورها الصحيح بالشكل الأمثل.
ثانياً: على صعيد الحافز الاقتصادي والنظام المؤسسي
تطوير بيئة الأعمال في سورية بما يؤدي لمواكبة التطورات الحديثة وتحسين الخدمات لمجتمع الأعمال والوصول إلى بيئة أعمال مشجعة تتسم بالمرونة وسهولة الإجراءات
آلية تنفيذ المقترح
استبدال القانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم 50 لعام 2004، وقانون العمل الحالي بقانون جديد يتميز بمعايير مختلفة كلياً عن المعايير المستخدمة في القوانين الحالية وخاصة في أصول التعيين والترفيع والترقية والحوافز والصلاحيات والمسابقات وحقوق العاملين وأوضاع العاملين.
رفع الحد الأدنى للرواتب والأجور بنسبة بما يتناسب مع انخفاض القوة الشرائية لليرة السورية وظروف الغلاء والمعيشة، ويمكن ذلك عن طريق إلغاء النفقات الهائلة التي تتسبب في الهدر في المال العام (مثل نفقات الدعاية والضيافة والإعلان والمؤتمرات غير المجدية)
وضع سلم جديد للمراتب والدرجات الوظيفية العامة يستند للمؤهل العلمي والكفاءة والخبرة والإنجازات الوظيفية.
تحسين أوضاع العاملين المتميزين من خلال منحهم أراض من أملاك الدولة وبناء مساكن تؤمن لهم الحياة الكريمة من خلال إطلاق برامج التعاون السكني الحكومية.
إزالة التضارب الشديد بين الأنظمة الداخلية للجهات العامة، كونه سبب رئيسي لعدم استقرار الخبرات وضعف أداء وانتاجية بعض القطاعات، بسبب قدم واهتلاك الأنظمة الداخلية سيما وأن بعض الأنظمة الداخلية للجهات العامة لم يعدل منذ إقراره لأول مرة.
المراجعة الدورية للبيئة التشريعية للاستثمار واقتراح التعديلات اللازمة على قانون تشجيع الاستثمار وتهيئة الظروف المواتية لإصدار تشريع موحد ينظم جميع القطاعات وإتاحة الفرصة لإيجاد جهة واحدة لرعايته.
آلية تنفيذ المقترح
إعادة النظر في هيكلية التعرفة الجمركية باتجاه تخفيض الرسوم الجمركية المفروضة على استيراد مستلزمات الإنتاج الداخلة في الصناعة والزراعة وإعفاء المستلزمات المستوردة من قبل المشاريع التي تصدر كل إنتاجها من الرسوم الجمركية.
وضع خارطة استثمارية شاملة لكافة المشروعات القائمة) العامة والخاصة والمشتركة (وطاقتها الإنتاجية وموقعها، بما يوضح الرؤية أمام المستثمرين الجدد من حيث طبيعة وموقع المشروعات الجديدة، فضلا عن توضيح إمكانيات التكامل بينها وبين المشروعات القائمة.
الاستثمار في البنى الأساسية لاقتصاد المعرفة بالتعاون مع الشركات العربية والأجنبية في قطاع الاتصالات والإنترنت.
ثالثاً: على صعيد التعليم والتدريب
وضع سياسة تعليمية عالية التركيز على التقنيات الحديثة اللازمة والمستخدمة في الصناعات الكثيفة المعرفة، لتخريج كوادر كفؤة من الجامعات.
آلية تنفيذ المقترح
في مرحلة التعليم ما قبل الجامعي
تكليف المركز الوطني لتطوير المناهج الذي يتبع لوزارة التربية باعتماد مناهج جديدة ترتكز على استخدام التقانة في التعليم من خلال لجان مختصة تضم ممثلين من المدرسين ومندوبين من الكليات ذات العلاقة في الجامعات السورية، ويمكن لهذه اللجان اعتماد نماذج ناجحة من دول أخرى لاختصار الوقت على أن تتشابه ظروفها مع الواقع السوري، مع مراعاة الإمكانات الحالية.
وضع معايير جديدة تستند للحوافز المادية والمعنوية لتشجيع المدرسين على ممارسة دور فعال في عملية التعليم والتعلم.
تغيير أسلوب الامتحانات الحالي واعتماد أساليب ذات وثوقيه أكثر تعتمد على قياس مهارات التفكير العليا لدى الطالب وتراعي أنماط التعلم والتفكير وعبر التقويم المرحلي والامتحانات الالكترونية المؤتمتة.
إتمام الربط الشبكي بين الإدارات والمؤسسات والمراكز والمدارس، خاصة وأن تجربة وزارة التربية أثبتت نجاحها في هذا المجال عبر السنوات الأخيرة.
توسيع خطة إدراج مادة المعلوماتية في كافة مراحل التعليم وزيادة عدد ساعاتها وتأمين الكوادر والخبرات في مجال وضع المناهج، كما في مجال تدريس تلك المناهج لملايين الطلاب في جميع أرجاء القطر بما فيها المدن والقرى والمناطق النائية وشبه النائية.
تطوير تدريس الفيزياء والرياضيات في الجامعات السورية كونها الخلفية الأساسية لصناعة المعلوماتية والبرمجيات كما لغيرها من الاختصاصات.
في مرحلة التعليم العالي والدراسات العليا
اعتماد مناهج جديدة في التعليم العالي، بسبب قدم مفردات المناهج الحالية في معظمها ويمكن القياس على مناهج عالمية رائدة، واعتماد أسس للتقييم العلمي والنشر لا تستند للهدف المادي.
إلغاء العمل بالقبول في الكليات الجامعية وفق أسلوب المفاضلة الجامعية على أساس معدل الدرجات في الثانوية العامة واستبداله بالفحوص المعيارية التي تعتمد قياس المهارات لثبوت عدم جدوى معايير القبول الحالية، وينطبق ذلك تماماً على أساس القبول بالدراسات العليا.
دعم الأشكال الجديدة للتعليم مثل التعليم الالكتروني والمفتوح والافتراضي لأنها تشكل أساساً قويا في اقتصاد المعرفة ورفع العوائق والصعوبات المتمثلة بالبيروقراطية والصعوبات المالية وعدم المساواة في الاعتمادية، خاصة وأن لهذه الأشكال مزايا كبيرة تفوق ما يقدمه التعليم التقليدي، كما وأنها تحل مشاكل كثيرة إذا ما قورنت بالتعليم التقليدي (كالجودة والموثوقية والسرعة).
دعم استقلالية الكليات والمجالس الجامعية المختصة في اتخاذ القرارات اللازمة لرفع كفاءة مخرجاتها، مع العمل على تقليل ظاهرة “الشخصنة” التي تحكم بعض قرارات هذه المجالس، واتخاذ القرارات المناسبة بالسرعة المطلوبة، وتخفيف مركزية القرارات المتمثلة بمجلس التعليم العالي.
إعادة النظر باختيار المعيدين وأعضاء الهيئة التدريسية بالاستناد إلى معايير متعددة وواضحة، إذ لا يمكن اعتماد المعدل الجامعي أساساً للاختيار.
فتح الباب للقبول بالدراسات العليا في كافة الاختصاصات، إذ لا يمكن تقييد البحث العلمي بقرارات تحدد عدد الرسائل التي يشرف عليها عضو الهيئة التدريسية، بل يمكن إيجاد حلول أكثر ملائمة لمعالجة المشكلة.
منح أعضاء الهيئتين التدريسية والفنية الوقت الكافي للبحث العلمي عبر تخفيف عدد ساعات التدريس والتصحيح وما شابه، ودعم الأبحاث ذات الجودة العالية مادياً ومعنوياً، واعتماد مبدأ التقييم الدقيق والمحاسبة في تقييم الأبحاث.
اختيار الأبحاث العلمية من خلال الطلب إلى المؤسسات والوزارات والجهات العامة لمعرفة احتياجاتها ومشاكلها وتوجيه الأبحاث العلمية لحل مشاكل دقيقة بعينها، وبما يخدم إعادة الإعمار وبما يساهم مباشرة في رفع مستوى التنمية، وإلزام المؤسسات الاقتصادية بترجمة مخرجات هذه الأبحاث عبر قرارات حكومية خاصة تصدر عن رئاسة مجلس الوزراء أو الهيئة الوطنية المذكورة أعلاه.
رابعاً: على صعيد الابداع والابتكار وتبني التقانة
زيادة الإنفاق على البحث العلمي والتطوير التقاني عبر اكتشاف مصادر تمويل جديدة لأنه المفتاح الأساسي للإبداع والابتكار
آلية تنفيذ المقترح
يمكن وضع آلية في مجال إحداث صناديق خاصة لدعم عملية تمويل البحث والتطوير وتلقي الإيرادات من مختلف مصادرها ورفع القيود المفروضة من وزارة المالية أو الجهاز المركزي للرقابة المالية عن الصرف إلا فيما يتعلق بحسن الإنفاق. ومع أخذ ” الهيئة ” المستحدثة موقعها على أرض الواقع سيمكن ذلك من تطوير آليات التمويل والإنفاق.
ومثال ذلك:
صناديق ممولة من القطاع الخاص
صناديق تمويل حكومية
ويوجد في سورية صندوق واحد هو صندوق دعم البحث العلمي والتطوير التقاني صناديق تمويل إقليمية، مع الإشارة إلى أن التمويل في هذه الصناديق يخضع للمنافسة في ضوء جدوى الطرح ومدى قابلية التنفيذ.
كذلك يمكن تنفيذ برامج تعاون إقليمية.
برامج بحث وتطوير تعاونية دولية. (مع دول روسيا والصين وإيران ودول أمريكا الجنوبية)
تمويل دولي أو ثنائي أو إقليمي. (المنظمات الدولية – الدول الصديقة)
قروض / منح ثنائية (يمكن اللجوء لهذا الخيار ولكن بعد استنفاذ فرص الحصول على مصادر التمويل).
يمكن اللجوء إلى جمع إيرادات بهذا الشأن من خلال تحميل شركات ومؤسسات ومشاريع بدفع مبالغ محسوبة على حجم أعمالها ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
مبيعات شركات إنتاج الأدوية في القطر.
نسبة من إيرادات الهيئة العامة للضرائب والرسوم.
إيرادات شركات الهاتف الخلوي.
مؤسسات التأمين.
قيمة العقود المبرمة فيما بين المؤسسات والشركات من جهة ومؤسسات القطاع العام من جهة ثانية.
شركات توزيع المحروقات والكازيات.
الوفر الناتج عن تفعيل نظام البطاقة الذكية للآليات الحكومية بدلاً من العمل بنظام القسائم، ويمكن حساب الوفر الناتج بطريقة المقارنة بين السنوات.
اتباع سياسة شراء التكنولوجيا غير مصحوبة بحقوق الملكية قدر الإمكان. وهذا سيقلل من القيود المفروضة على نقل وتوطين التقانة في مختلف المجالات، وتحسين القدرات التفاوضية في نقل التكنولوجيا من خلال تدريب خبراء متخصصين في إبرام عقود استيراد التكنولوجيا، وسن قوانين ضمان نقل التكنولوجيا في عقود الاستثمار، مع إمكانية ضمان توفر الصيانة وقطع الغيار للتكنولوجيا المستوردة.
آلية تنفيذ المقترح
إصدار قانون خاص بنقل وتوطين التقانة وعقود شراء التكنولوجيا يتضمن في تفصيلاته أسس عقود شراء التكنولوجيا، بحيث يتضمن كل التفصيلات اللازمة خاصة فيما يتعلق بقطع التبديل والصيانة وتدريب العمالة، وإمكانية تصنيع هذه التقانة مستقبلاً بأيادي وطنية، وبما يسهم في خدمة الاقتصاد الوطني عن طريق تدريب العمالة على استخدام هذه التقانات ومعرفة تفاصيل أجزائها.
تضمين مناهج التعليم العالي في كافة الاختصاصات العلمية والتطبيقية أسس شراء التكنولوجيا وإعداد دراسات الجدوى الاقتصادية، وأسس التفاوض لشراء التكنولوجيا اللازمة مع مراعاة ضرورة إمكانية نقل وتوطين هذه التقانات إلى سورية.
حتى يتغلب منطق التطوير والإنماء الاقتصادي، من الضروري تبني آليات ضريبية جديدة على غرار الدول الأخرى لتشجيع الابتكار على مستوى الشركات الصناعية.
آلية تنفيذ المقترح
إعفـاء المصـاريف المنفقـة من طرف الشركات الصناعية على أنشطة البحث والتطوير والابتكار من الضرائب. على أن يتم وضع آلية للرقابة الدقيقة أثناء الإنفاق على ذلك.
إنشـاء احتياطات للتطـويـر التكنولـوجـي من طرف الشركات الصناعية والتجارية (2%من رقم الأعمال مثلاً).
إعفـاء الشركات من الضريبة المستحقة على أجور الخبراء والتقنيين الأجانب الذين يلجأ إليهم لتقديم إعانات تتعلق بأنشطة البحث والابتكار.
الإعفـاء الكلي للآلات، التجهيـزات، المنـتجـات الكيميـائيـة والـوثـائـق التقنـيـة المستوردة لأغراض البحث والتطوير من الحقوق والرسوم الجمركية.
الإعـفـاء الكلي للآلات، التجهيـزات، المنتجـات الكيميـائيـة والوثـائـق التقـنـيـة التي يتم اقتناؤها محلياً لأغراض البحث والتطوير من الضرائب والرسوم، ومستلزمات القطع الأجنبي.
رفع مساهمة القطاع الخاص والمؤسسات الوسيطة والداعمة في توجيهات خط التنمية المتعاقبة لدوره الفعال في استغلال الموارد الاقتصادية المحلية واستثمارها بهدف زيادة وتنوع مصادر الدخل الوطني وتوسيع القاعدة الاقتصادية ونمو الناتج المحلي الإجمالي.
آلية تنفيذ المقترح
إنشاء شبكات معلوماتية متكاملة لتبادل المعلومات ونتائج البحوث العلمية وفرص الاستثمار بين الجهات الحكومية والبحثية والغرف التجارية والصناعية والجهات الوسيطة والداعمة وكل فعاليات المجتمع.
يمكن أن تقوم المنشآت الصناعية المتشابهة في مجال صناعي واحد بأبحاث مشتركة لتتوزع الكلفة وتعم الفائدة من نتائج البحث العلمي على الجميع.
دعم وتشجيع إنشاء الأشكال المتعددة لمبادرات بناء القدرات العلمية والتكنولوجية التي ظهرت خلال السنوات الثلاثين الماضية وذلك بالقياس على تجارب رائدة لكثير من الدول ومن هذه الأشكال:
حدائق التقانة
مدن التقانة
حدائق العلم / البحث والمدن العلمية
الحاضنات التقانية
التجمعات المعتمدة على التقانة الرفيعة المستوى
شبكات الابتكار التقاني
مراكز البحوث التقانية الافتراضية
الأقطاب التقانية.
واحات التقانة
خامساً: على صعيد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
تنفيذ الحلول السريعة والمتقدمة لتأهيل البنية التحتية للاتصالات في المناطق المتضررة
ألية تنفيذ المقترح:
اعتماد وحدات النفاذ الضوئية واللاسلكية لتخديم المناطق غير المخدم بالخدمة الهاتفية وبخدمة الانترنت.
إنشاء مركز أبحاث للاتصالات من مهامه الأساسية إيجاد الحلول التقنية لتأهيل وترميم البنى التحتية.
التركيز على شبكات الاتصال اللاسلكي لكونها تتسم بالسرعة في نقل البيانات وتتجاوز مشاكل الشبكات السلكية.
إنشاء مركز للحوسبة عالية الأداء (بنية إدارية، شبكة موزعة).
إنشاء مركز موارد مفتوحة المصدر (Open Source) لتشجيع صناعة البرمجيات لمن يرغب من الخبراء والدارسين والطلبة وذوي الاختصاص في مجال المعلوماتية لتوجيه التطبيقات في مجال الأعمتة في المنظمات والشركات والمؤسسات الصناعية والتجارية وكذلك دعم الحكومة الإلكترونية.
وفي الختام لا بد من التأكيد بأن التنمية التكنولوجية والاقتصادية والبشرية لا يمكن أن تتم إلا عندما تصبح العلوم والتقانة جزءاً لا يتجزأ من الثقافة وأنظمة القيم التي تحكم مجتمعنا، إلا أننا نحتاج في سورية أن نعطي منظومة العلوم والتقانة المكانة التي تستحقها، نظراُ لعدم توفر المتطلبات بشكل كاف وهي تعتبر كحاجات أساسية للدخول إلى اقتصاد المعرفة.
سفيربرس ـ بقلم : د.عدي سلطان
إعلامي وباحث في الاقتصاد والعلاقات الدولية
نشر هذا المقال في العدد الجديد لمجاة المعلم العربي
بطاقة شكر : للأستاذة سمر طعمة رئيس تحرير مجلة المعلم العربي والموجهة الأولى لمادة اللغة العربية بوزارة التربية..