الـحـرب الـبـاردة..ترجمة : علي محمد عمران
#سفيربرس

الـحـالحرب الباردة حقبة من الصراع والمنافسة النّدّية بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي، بدأت عقب الحرب العالمية الثانية وانتهت بانكفاء النفوذ الشيوعي أواخر الثمانينيات.
لقد كانت الحرب مرحلة من التوتر والاحتقان السياسي بين قوتين عظمتين تحاول كل منهما تثبيط مثاقيل قوة الأخرى، حتى وإن الصراع لم يؤدي إلى حرب حقيقية إلا أنه ثمة بعض الأحداث التي جعلت العالم على مقربة حرب جديدة.
عقب الحرب العالمية الثانية:
رغم أن الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي كانا حليفان سيوفهما مُـشـرعة في وجه عدو واحد إلا أنهما كشفا النقاب بعد الحرب عن اتجاهين متنافرين لسياساتهما حول مستقبل العالم فبالتزامن مع نهاية الحرب بسط السوفييت ظل هيمنتهم على جزء كبير من بلدان أوربا الشرقية وأقاموا فيها حكومات حليفة لهم، أما على الجانب المقابل فإن أمريكا رغبت بإيقاف النفوذ السوفييتي والحد من انتشاره عبر درء ظله عن دول أوربا الغربية كما منحث الحكومات هناك مبالغ مالية طائلة لمساعدتها في بناء اقتصادها المتصدع بسبب الحرب الضروس وقد سُمي الحد الفاصل الذي شـَطَـرَ اوربا إلى شرقية حليفة للسوفييت وأخرى غربية حليفة لأمريكا بالستار الحديدي الذي أُسدل للفصل بين شطري القارة.
المصور التوضيحي يعرّف بمعالم الستار الحديدي
اللون الأزرق: دول حلف شمال الأطلسي NATO
اللون الأحمر: دول حلف وارسو Warsaw
اللون الأخضر: رقع لا تخضع لسيطرة كليهما
اللون الرمادي: رقع تقف على الحياد
القوى العسكرية بعد الحرب العالمة الثانية:
بعد أفول الحرب العالمية الثانية برزت مثاقيل عسكرية حيّز السياسة العالمية، ففي عام 1949م أسست الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوربا الغربية منظمة حلف شمال الأطسي NATO يوازيها على كفة الميزان الأخرى حلف وارسو Warsaw (منظمة عسكرية لدول أوربا الشرقية) بقيادة الاتحاد السوفييتي حيث كل حلف أراد الدفاع عن نفوذه ضد خطر الآخر.
العاصمة الألمانية برلين:
عبر الشريط الزمني للحرب الباردة ثمة اثنتان من الوقائع التي دوّت بصداها تحت سماء برلين فبعد الحرب العالمية الثانية تم تقسيم المدينة إلى أربعة أقسام كان للأمريكي والبريطاني والفرنسي مفاتيح القسم الغربي منها يقابلهم السوفييت على الشطر الشرقي وفي الوقت الذي حاصر فيه السوفييت العاصمة الألمانية فإن ردة الفعل الأمريكية تــُرجمت عبر مد جسر جوي من الغذاء والكساء والوقود وما شابه من المستلزمات الضرورية بغية مساندة المدينة الغربية وانقاذها.
في خمسينيات القرن المنصرم ثمة العديد من سكان الشطر الشرقي للعاصمة قد انتقلوا إلى غرب المدينة بغية الخروج عن التيار الاشتراكي، حيث لم تجد حكومة ألمانيا الشرقية الطريقة الـُمـثلى لإيقاف تدفقهم وخلال عام 1961م قامت حكومة ألمانيا الشرقية الحليفة للسوفييت بتشييد جدار برلين الذي أصبح رمزا ً بارزاً خلال عقود الحرب الباردة.
الجزيرة الكوبية:
مواجهة سياسية عسكرية أخرى مسرحها الجزيرة الكوبية فقد أطاح القائد الثوري فيديل كاسترو Fidel Castro الحكومة الموالية للغرب وأقام النظام الاشتراكي بديلا ً، عقب ذلك أرسل الاتحاد السوفييتي الامداد لدعم كوبا ورداً على التهديدات الأمريكية المتواصلة للجزيرة الاشتراكية أرسل السوفييت سفنا ً على متنها صواريخ ذات رؤوس نووية لحماية كوبا تموضعت مراسيها على بُـعـد 90 كم من ساحل ولاية فلوريدا الأمريكية مما شكل تهديدا ً صريحا ً لإدارة البيت الأبيض وفي نهاية المطاف قام السوفييت بسحب السفن مقابل تعهد الولايات المتحدة بعدم التعرض لكوبا في المستقبل وبالتالي انتهت مرحلة مضمخة بالتوتر من مراحل الحرب الباردة.
أحداث أخرى من شريط الحرب الباردة:
انتشرت الحرب الباردة في بقاع أخرى من العالم حيث حاول الاتحاد السوفييتي توسيع دائرة نفوذه في البلاد الآسيوية لا سيما أن الصين دخلت ضمن التيار الاشتراكي عندما أصبح ماو تسي تونغ (مؤسس جمهورية الصين الشعبية ورئيس الحزب الشيوعي الصيني) أول قائد شيوعي يرأس الصين عام 1949م بعد انتصارالحزب الشيوعي الذي ينتمي إليه على الحزب القومي الصيني (المعادي للشيوعية) ضمن الحرب الأهلية في البلاد وطرد أعضائه الموالين للامبريالية (القوميين الصينيين) إلى تايوان.
أثناء الحرب الباردة قام الاتحاد السوفييتي أيضا ً ببسط النفوذ على الجزء الشمالي من شبه الجزيرة الكوريّة واضعا ً حكومة اشتراكية هناك وعندما قامت قوات الشمال الكوري باحتلال الجنوب في خمسينيات القرن الماضي قادت الولايات المتحدة مع حلفائها حربا ً ضد الشمال الاشتراكي وبعد قتال دام لثلاث سنوات آلت الحرب الكورية إلى انتهاء والنتيجة تقسيم شبه الجزيرة الكوريّة إلى شمالية وجنوبية، كذلك في العقد ذاته نشر السوفييت نفوذهم في الهند الصينية (شبه الجزيرة الهندية الصينية)، أما على الأرض الفيتنامية فبعد طرد الفرنسيين منها انقسمت البلاد إلى شمالية موالية للسوفييت وجنوبية موالية لأمريكا إلا أن الشمال الاشتراكي للبلاد قرر توحيد شطري الفيتنام تحت الراية الاشتراكية مما دفع الولايات المتحدة للانخراط إلى جانب الشطر الجنوبي في حرب دامت عشر سنوات انتهت بهزيمة الفيتنام الجنوبي وداعميه في الولايات المتحدة وبالتالي عادت البلاد إلى وحدتها تحت الراية الاشتراكية، كذلك عام 1979م قام الاتحاد السوفييتي باحتلال أفغانستان لإيقاف النشاط التكفيري المسلح (المنسوب للإسلام) عندما انتشر في البلاد الافغانية والذي أثار توترا ً بالغاً على الحدود الجنوبية مع السوفييت.
قوات سوفييتية تنسحب من أفغانستان – تصوير ميخائيل افستافييف
سباق التسلح وغزو الفضاء:
بعد مضي أربع سنوات على النكبة الذرية في هيروشيما وناغازاكي فجّر المنافس الّلدود لأمريكا أول قنبلة نووية وبالتالي دخل السلاح النووي حيّز الجيش السوفييتي فخلال عقود الحرب الباردة سارع السوفييتي والأمريكي لزيادة الترسانة النووية لكل منهما كما قام المتنافسان بتطوير الصواريخ العابرة للقارات التي بإمكانها الوصول إلى أي نقطة في العالم وفق دقائق معدودة ومع حلول العقد السابع من القرن الماضي امتلك كل من المتنافسان ترسانة نووية كفيلة بإنهاء الحياة على كوكب الأرض لذا وافق كلا الطرفان لاحقا ًعلى وقف سباق التسلح النووي ووضع حدٍ لتنامي تلك الترسانة الفتاكة، أما بالنسبة لسباق بسط النفوذ في الفضاء فقد أراد كل متنافس أن يثبت تفوقه التكنولوجي في هذا المجال حيث أطلق السوفييت عام 1957م أول قمر صناعي إلى الفضاء وبعد سنوات قليلة أصبح يوري غاغارين Yuri Gagarin أول انسان يدور حول الأرض عام 1961م ولينتهي لاحقا ً هذا السباق الندّي بهبوط مركبة أبولو 11 Apollo الأمريكية على سطح القمر.
نهاية الحرب الباردة:
بحلول النصف الأخير من ثمانينيات القرن الماضي شارفت الحرب الباردة على النهاية فقد تسلّم ميخائيل غورباتشوف رئاسة الاتحاد السوفييتي وانتهج سياسة غلاسنوست وبيريسترويكا (مجموعة برامج اصلاحات اقتصاديّة طرحها الرئيس غورباتشوف)، وفي عام 1989م بدأ النفوذ السوفييتي يتقلص شيئا ً فشيئا ً ضمن الرقعة الشرقية لأوربا كذلك في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام ذاته تم هدم جدار برلين ثم مضت الأيام إلى أن تبددت معالم الحرب الباردة بشكل نهائي عام 1991م عندما تفكك الاتحاد السوفييتي إلى 15 دولة مستقلة وبهذا الحدث انتهت عقود التنافس والصراع بين الرأسمالية والاشتراكية.
تعليق على الترجمة:
الحرب الباردة غيرت وجه العالم وما نشهده اليوم من صراع بين مثاقيل الدول العظمى في الشرق الأوسط سيغير وجه العالم أيضا ً فدول عظمى سوف تتصدع بينما أخرى سوف تتصدر السياسة العالمية ولكن الشيء الثابت أنه مهما تنامت دولة عظمى بنفوذها لا بد من انحسارها يوما ً فكثير من الامبراطوريات التي ظللت راياتها أصقاع الأرض تحولت عبر الزمن إلى سطور حبر في الكتب القديمة أو جملة مشاهد مصورة في انتاج وثائقي فالرومان، المغول، المماليك، الامبراطورية العثمانية، فرنسا، بريطانيا، النازيّة والفاشيّة خير دليل، كما يجدر القول أنه في الحرب الباردة انقسمت كوريا إلى شطرين كذلك الفيتنام وألمانيا تأرجحتا بين انقسام واتحاد علاوة على أن العالم بأسره انقسم بين اشتراكي ورأسمالي ليصبح التوازن الاستراتيجي نافذا ً، أما فيما نشهده اليوم من حرب الجيش التكفيري وكيل التلمود في الشرق الأوسط فقد قيل أن سورية ستنشطر ولكن هذه البلاد باجماع التاريخ والمستقبل لن يمسسها انقسام ولا تقسيم.
#سفيربرس _ تـــرجــمــة : عـلـي مـحـمـد عـمـران