إعلان
إعلان

تنجيد اللحف: حرفة يدوية.. لما لا نُعيدها للحياة؟

#سفيربرس _ فاتن بركات

إعلان

بشغفٍ ومتعةٍ يواصل إسماعيل مصطفى قلوباصي، ومحمد علي النمنوم، من مدينة مصياف، مهنتيهما التي ورثاها عن الآباء، وهي من المهن التي تحتاج لرؤية فنية و صبر وتأنٍ، فالمُنجد تراه يحمل الإبرة والخيط بيدٍ، والعصا أو قضيب الخيزران بيده الأخرى، لينفش القطن أو الصوف، ويصبحا صالحين لصنع اللحف والوسائد والفرش.

وبسؤال المُنجد محمد علي النمنوم عن خطوات صناعة اللحاف قال: يتم ندف الصوف أو القطن، بوضعه على قوس مصنوع من الخشب، وعليه عدد من المسامير المعكوسة، نندف به القطن أو الصوف حتى يصبح ناعماً، فلا يبقى ملتصقا ببعضه البعض.. وباستخدام العصا أو قضيب الخيزران، نقوم بضربه ضربات متتالية فينعم أكثر، ويصبح بعدها جاهزاً لوضعه في القماش المُخصص له حسب طلب الزبون.. وهنا يَفردُ المُنجد القماش المحشو بالقطن أوالصوف على الأرض، ويبدأ بعملية التنجيد بالإبرة والخيط، بالطريقة المتوارثة، وبأشكال جميلة، وأيضاً حسب رغبة الزبون.. وكما أخبرنا المُنجد النمنوم، أن قماش الأطلس كان من الأقمشة المرغوبة جداً، وكان بلونين، الأزرق والزهري اللمّاعين، حيث يتم نشر اللحف بألوانها الزاهية، وتنجيدها المتقن اللافت للعين.. والجميل في الأمر قديماً، أنه لا يخلو أي بيت من اللحف الصوفية، وعلى عدد أهله، أما وقت زفاف العروس، فالمُنجد يُقصد ليصنع لبيتها اللحف والوسائد والفراش، بالألوان البهية المناسبة للحدث المُفرح.
وعن مدة صنع اللحاف قال: تنجيد اللحاف يحتاج من ساعة ونصف وحتى الساعتين، أمّا الوسائد فتحتاج من نصف ساعة إلى ساعة، حسب التطريز المطلوب من قبل الزبون.
أما المُنجد إسماعيل مصطفى قلوباصي فيحدثنا عن عمر المهنة في مدينة مصياف، ويؤكد أنها حرفة قديمة جداً، حتى أنه أخذها قبل ثلاثين عاماً عن أحد أقربائه، وكان حينها قريبه قد أمضى فيها ستين عاماً.. لكن حالها لم يعد رائجاً كما كانت، ولم تعد تكفي متطلبات الحياة اليومية، ففكروا بإضافة مهنة تنجيد المفروشات إلى جانب مهنة تنجيد اللحف، والتي لا تقل أهميتها عنها.. لكن ما لفتنا عند كل من المُنجدين محمد وإسماعيل، وجود كمٍ من المحبة والعطاء اللامحدود بتعليم هذه الحرفة لكل من يرغب من دون مقابل، خصوصاً في ريف مصياف البارد جداً شتاءً، حيث ما يزال لللحاف الصوفي أو القطني حضوراً مهماً لا غنى عنه، وقد روى لنا المُنجد محمد، أنّه مع بداية الحرب في سورية، حدث إقبال لابأس به، من الراغبين بتعلم مهنة تنجيد اللحف، لينتقلوا بها الى ريف المدينة، حيث أن قساوة الشتاء هناك، حافظت على ثقافة استخدام للحاف الصوفي وأهميته، وأيضا كمصدر دخل مساعدٍ.. وبسؤاله عن السبب قال: بعض النساء اللواتي فقدنّ أبنائهنّ أو معيلهن خلال الحرب، وجدن أن تعلم أيّ مهنة قد يساعدهنّ في تدبر أمور الحياة الاقتصادية، التي باتت تُضيق يوما بعد يوم، وبشكل غير منطقي، بالإضافة إلى أنّ تلك النسوة رغبنّ بالعمل داخل بيوتهن، فأجور التنقل من ريف مصياف إلى المدينة باتت مرتفعة، الأمر الذي منعهن من العمل في المدينة، ومن هنا رغبن بتعلم هذه المهنة، التي لا تحتاج إلى التنقل، ويمكن ممارستها حتى في المنزل.
ولدى سؤاله عن سعر مبيع اللحاف الصوفيّ أجابَ: سعر مبيع اللحاف الصوفي اليوم لا يتجاوز 25 ألف ليرة سورية، وهو سعر لا يتناسب مع تكلفة صناعته، ولا مع التعب المبذول، ولا الضرائب المفروضة علينا، وهذا السعر إذا قارناه بالحرام الصوفي الصناعي (النايلون) يُعتبر رخيصاً جداً، فالحرام الصوفي المصنوع من (البوليستر) يصل سعره إلى 100 ألف ليرة، ولا يخفى على أحد أن الفراش المصنوع من الصوف أو القطن مفيد لمرضى الديسك عموماً.. ويتابع إسماعيل بحسرة: لكن للأسف نحن نتعرض للتجاهل التام، حيث أنه لم تتم دعوتنا للمشاركة بأي معرض عن الحرف اليدوية.
حسرة إسماعيل والتجاهل الذي تتعرض له مهنة تنجيد اللحف، وهي المهنة المهددة بالانقراض، تجعلنا نتساءل عن الغياب التام لمديرية حفظ التراث، فهل المقصود قتل هذه الحرفة اليدوية التراثية، لما لها من تأثير على سوق المعامل الصناعية.. أم أنهم لا يجدون فيها ما يستحق الدعم والتطوير؟!.

#سفيربرس _ فاتن بركات

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *