إعلان
إعلان

القس والشاعر جوزيف إيليا لسفير برس: أبحث عن الحقيقة… قصائدي الغزلية لا أنشرها.. وما وجدته من بلدي لا يُذكر…

#سفيربرس _ حاوره : هبة عبد القادر الكل

إعلان

قبل الأسماء والألقاب، وقبل أن تتحول الحروف إلى كلمات مصاغة، قبل أن تقيد اللغة بالتفكير والتوزين.. كان الشعر حيث كانت الحرية.. بالشعر يمكنك أن تقول أي شيء، أن تفكر بأي شيء، أن تنتصر لأي شيء ويمكن أن تهزم، لكن لا تموت بالشعر…
التصق بالشعر كالصديق الحميم حتى بات يقاسمه تاريخ حياته وجغرافيتها كما يقول… ودّع ريشتي العود والرسم ليقترب من حقول الشعر ويزرع فيها ما يشاء من زهوره الشعرية..
يريد قصيدة تبني رؤى وتعاصر الزمن… الشعر عنده صراخ ألسنة لكل عابر، وجنون أشرعة إلى ما تهاجر… مبدع وربيب بيت له باع طويل في الفكر والدين والمعرفة..
#سفيربرس: في حضرة القس والشاعر جوزيف إيليا وحوار اليوم محاولة في الإصغاء إلى قامة شعرية دينية ثرية، لنبحر معها في الفكر والفن والشعر والكنيسة…
س- البداية معك حضرة القس: دُعيت إلى حوارات شتى على أنواعها، ماذا يعني لك الحوار؟
الحوار للتفاهم، وهو يعني: أن هناك من يقدّر إبداع المبدع، وبالحوار يفسّر المبدع بعض جوانب إبداعه، ولكي يبقى في تواصل دائم مع جمهوره. الحوار ضروري جدا وخاصة لمن يسلك دروب الإبداع والإنتاج الأدبي والفني.
س- ما الحوار الذي تجده قريبا من ذاتك؟
أجدني في الحوار الأدبي والفكري أكثر من أي حوار آخر، رغم أنني رجل دين وأُدعى إلى حوارات دينية ولكن لا أُلبّي لأن الدين له مكانه في دور العبادة كالجامع أو الكنيسة، لذلك أتجنّب الحوارات ذات الطابع الديني الصرف.
س- ولكن: نحن في عصر العولمة الرقمية، عصر السوشال ميديا، وروّاد دور العبادة ربما انخفض عددهم؟
ما أقصده من الحوار الديني هو ذلك الحوار الجدلي العقيم الذي لا يوصل إلا إلى الفراغ، ذلك الحوار الذي يُخطّئ الآخر.
س- بين شاعر ومتشاعر، تقول: “إن كنتُ قد جددتُ في أنشودتي فأنا هنا أدعى بصدق شاعر”. يحبّ القس والشاعر جوزيف التجديد وينبذ التقليد، كيف يكون التجديد في الشّعر؟
التجديد مهم جدّا في أساليبنا وطريقة تفكيرنا، وإلا سنعيش في كهوف الماضي. أما عن التجديد في الشعر وإن كنتُ مع مقولة لا جديد تحت الشمس، وغالب الكلمات استخدمها شعراء سابقون ولكن، ما أعنيه التجديد في الأسلوب والصياغة.
س- هل هناك لفظة لم يأت بها شاعر؟
لا أعتقد، ولكن ما أقصده باللفظة هو الطريقة والأسلوب، فيمكن للشاعر الحديث أن يقدم اللفظة المستهلكة بأسلوب يجعلها تخترق وجدان الناس، ولهذا السبب كتبت منذ فترة مقالا بعنوان “لماذا أحب نزارا” لأنه استطاع أن يعيد الشعر إلى الناس ويعيد الناس إلى الشعر، فمجمل ما كتبه نزار لا يرجع به الناس إلى المعجم.
س- ولكن اليوم هناك عدد من الشعراء يستخدون الألفاظ الغريبة على الأسماع من شدة فصاحتها ويرون أن فيها إغناء للقارئ لمخزونه اللغوي واللفظي؟
ليس من مهمة الشعر أن يترجم ما في القواميس، هناك كلمات ميتة بحق، وكلّ محاولات إحياءها ستبوء بالفشل، فالمعاصر لا يستطيع التعامل مع كلمات عجيبة، وهذا لا يعني أننا ضد لغة القواميس، ولكن الكلمات المعقدة تعقد القصيدة وتبني جدارا عازلا بينها وبين المتلقي، ثم إن رسالة الشعر أغنية، أن تطرب له أذن القلب، وإلى أي شعر نحتاج أقول:
ما أحوجنا اليوم لشعر لا يغزو حلواه ذباب
ولشعر يلبسنا وردا وبحنطته ليست تراب
فالشعر غناء يصحبه إيقاع عذب ورباب
لا كلمات عرجاء أو لغز يخنقنا وضباب
ينجب أفكارا بانية مدنا، فيها ساد خراب
والشعر رغيف يشبعنا وبكفيه طاب شراب
س- لن أدخل في جدلية النثر، ولكن لن تكتب نثرا كما تقول رغم كونه بسيطا وقريبا من الناس؟
قلتها لا مشكلة عندي في قصيدة النثر، ولستُ ضدها وإنما تُسمّى باسمها، ولي نص نثري يتيم لم أنشره. إنني حين أكتب القصيدة أكتبها بشكل طبيعي موزونة موسيقية، وأجد صعوبة في كتابة غير الموزون.
س- بين نزار قباني وأدونيس، من ترى أنه أثّر في الحركة الأدبية الثقافية في المجتمع أكثر؟
كشاعر وللحقيقة أرى نزارا، وأفخر بأدونيس وقد كتبتُ له نصا على التفعيلة وقرأه وشكرني عليه، لكن أدونيس مفكر أكثر من شاعر، وتأثيره كشاعر كان محدودا ضمن النخب، أما نزار فالكل كان يقرأ نزارا، والذي ساهم في انتشاره هو غناء المغنيين لقصائده أما أدونيس لم تغنّى قصائده.
س- نزار وأدونيس سبحا عكس التيار المجتمعي، وأنت تقول أنك مسالم إلى حد بعيد، ما الذي تقصده بالمسالمة؟
لا أعني أنني مع المجتمع بكل عيوبه، ولكن أحاربها بأسلوبي، وهذا راجع إلى الشخصية، فأنا أميل إلى الهدوء والسكينة، لا أحب المعارك الفكرية، أحارب بأسلوب هادئ ولم أترك شيئا إلا وكتبت فيه.
س- تبحثُ عن الحقيقة قائلا: “أين الحقيقة أين مكمنها ومن الذي في الأرض يضمنها”.
عن أي حقيقة يبحث القس والشاعر جوزيف إيليا؟
في هذه القصيدة أوضحت أنه لا يمكن أن نصل إلى حقيقة مطلقة، وما دمّرنا كشعوب وأوطان هم ملّاك الحقيقة، ملّاك الحق المطلق، وكل ما عدا ذلك باطل. معركتنا هي أن نفتش يدا بيد عن الحقيقة جميعنا.
س- فما هي الحقيقة إذا؟
هي أن نتعايش معا ونحن مختلفون، وإن وصلنا إلى هذا الشاطئ فقد وصلنا … لا يمكن أن يكون هناك حق واحد أو فكر واحد، الواحدية ليست ضد الوجود هي لربنا وحده، ولكن من المفترض أن يوجد تنوع في الكون.
س- اعتمدت على نفسك في تعلّم أصول الشعر وأوزانه ونجحت. اليوم أين دور الشعارء في تعليم الناس أصول الشعر؟
منذ البداية تعلمت علم العروض وجميع البحور والأوزان بنفسي، ولم أستشر أحدا، ولم أجد صعوبة في التعلم وكنت دائما مع الكتب. من جهتي وبكل تواضع، علّمتُ الكثيرين ومن يلجأ إليّ في تعلم الشعر لا أبخل عليه، على الشاعر أن لا يكون أنانيا.
س- لم تكتب هجاء البتة، ولن تكتب؟
الهجاء باب من أبواب الشعر، إلا أنني لا أحبّ أن أقسو على أحد لأنه طعن في الآخر، وهناك وصية في الإنجيل: “لا تطعنوا في أحد” أي لا تهجوا أحدا، فهو من منطلق ديني أولا، وطبيعتي الشخصية ثانيا.
س- كتبت قصيدة منذ يومين بمناسبة يوم المرأة العالمي، وكان مطلعها: “يليق بالأنثى تحرُّرها من سجن تاريخ يُكدّرها”. ما مفهوم التحرر عند القس جوزيف إيليا؟
بداية كل عام وأنتنّ بخير. التحرر هنا لا يعني عدم الانضباط، بل أن تكون المرأة حُرّة في اتخاذ قراراتها، وأن لا تُسجن في تقاليد وأفكار عفى عنها الزمان، فالمرأة ليست قاصرة أبدا، وقد أبدعت في كافة المجالات.
س- ولأننا نتكلم عن المرأة، في العام الماضي 2022م، نُصّبت السيدة ماتيلدا صباغ كأول قسيسة سورية والثالثة في تاريخ المجمع الكنسي (السينودس) كراعية للكنيسة المشيخية الوطنية في الحسكة. رغم أن القانون يمنع صعود المرأة إلى الهيكل لتجنب الاختلاط بين النساء والرجال في المحراب المقدس. كيف تنظر إلى هذا التحدي؟
هذا الموضوع قد يحتاج ربما إلى وقت لا يتسع له حوارنا، ولكن بالمطلق في المسيحية لا تمييز بين الرجل والمرأة في كل شيء.
س- هل هذا الكلام باسم كل الطوائف المسيحية، أم باسم الكنيسة الإنجيلية؟
لا، الكنيسة الوحيدة التي تجرأت في ذلك هي الإنجيلية، والسينودس وافق على ذلك، ورأى أنه ربما يكون حافزا وتشجيعا للمرأة في أن تأخذ دورا أكثر في المجتمع.
س- القارئ لأشعارك يلتمس روحانية صوفية؟
دعيني ألتمس لفظ الروحانية لأن الصوفية تحيل إلى مذهب معين، الشعر هو روح أساسا من شعور وإحساس، وهذا الإحساس يأخذ الشاعر إلى عوالم الغيب والما ورائيات، والقصائد التي كتبتها في الروحانيات تضمنها الجزء الأول من أعمالي الشعرية.
س- هجاء لا تكتب، نثرا لا تكتب، فماذا عن الغزل؟
(مع ضحكة) الغزل من أهم الأبواب في ديوان الشعر العربي، ولا يوجد شاعر ولو كان رجل دين إلا وكتب في الغزل. لي مئات القصائد في الغزل، ولكن أتركها لنفسي حتى لا يُساء فهمي، ولا أنشرها على مواقع التواصل، وقد كتبت بابا كاملا في الغزل وسيصدر مع أعمالي الشعرية كاملة.
س- هل لي ببيت غزل منها؟
أراكِ على صفحتي حين أقرأ وحين بنظم القصائد أبدأ
وحين أنام حزينا وحيدا وحين كؤوس المسرات أملأ
وحين أفيض نبع كلام وحين الكلام على الثغر يصدأ
وحين أثور كطوفان بحر وحين كهمس النسائم أهدأ
أراكِ بكل مكان وكل زمان وإني برؤياك أهنأ
فهل عند قبري سأبقى أراكِ لكي جسدي فيه لا يتهرّأ
س- هل تشعر برابطة زمالة شعرية لشعراء سبقوك بمئات السنين؟
طبعا، عشقي المعرّي، هذا الإنسان الخارق في أفكاره وجرأته دائما، فأنا معه وأتشبع من أفكاره.
س- اليوم هل هناك حوار بين الشعراء بلغة شعرية واعية خالية من الحسد والحقد والاغتيال المعنوي؟
هذا ليس بجديد وحتى في أقدس المواقع في الأوساط الدينية ترين من يحسد ولا يتمنى لك الخير، ولي قصيدة في ذلك بعنوان “يا كارهي بلا سبب”، أي لا سبب لكرهه لك غير نوع من الغيرة غير البناءة.
س- حضرة القس والشاعر جوزيف، لك دواوين مشتركة مع شعراء وشاعرات عدة، برأيك هل يثمر الديوان المشترك ما يثمره المنفرد؟
لا شك أن الدواوين الفردية هي أفضل للشاعر لأنها تعطي الصورة الحقيقية له ويأخذ حريته، لكن لا ضير في الشراكة، وعادة ما تأتي كدعوة من مؤسسات لعدد من شعراء وشاعرات، تريد قصيدة في موضوع معين، لكن الأهم هو الديوان الفردي للشاعر.
س- قبل أن تنشر قصيدة حضرة القس والشاعر جوزيف، هل تعرضها على رأي أقاربك أو أحد من أصدقائك؟
غالبا نعم، وهم قريبون جدا ويقرؤون ما أكتب. وحين أفرغ من كتابة النص أنشده وكأني في أمسية شعرية لصديق عزيز يتذوق الشعر، وأتبيّن مواطن الضعف، وقد أُعدّل على النص قبل صدوره على الورق.
س- في لقاء مع حضرتك، ذكرت أن الغربة سرقت منك أشياء كنت حريصا على بقائها، ووهبتك أشياء ما كنت تتصور أنها ستدخل إلى عالمك يوما. ما الذي سرقته منك الغربة ووهبتك إياه؟
الأشياء التي سلبتها مني الغربة: الدفء المجتمعي وصخب الحياة، في الغرب أرى الهدوء كالصمت القاتل، سلبتني الأصدقاء والأحباء والأهل ومن كنت في خدمتهم لعشرات السنين، سرقت مني الطقس الجميل، ذلك الذي لا تجدينه إلا في الشرق، ولي قصائد عدة عن الشرق. أما عن الأشياء التي وهبتني إياها فقد وهبتني الوقت لكي أكتب أكثر، في وطني لم يكن لدي الوقت لأكتب، معظم ما كتبته في الغربة، كتبت آلاف القصائد هنا، والآن عرفت سرّ شعراء المهجر.
س- كان الجواهري يشكو أثناء زيارته إلى لندن من كائن شبح يسميه “النذل” كان يلاحقه أينما ذهب. ما شبح غربتك؟
الجواهري جرّب الغربة مكرها فباتت غربته غربتان، وشبح غربتي هو الذكرى، فالغربة تفتح جحيم الذكريات، ذكريات الشاعر وماضيه حاضر في غربته، ولا تعويض في ذلك سوى بالشعر، إنني أرحل في الشعر إلى الذكريات، رغم أن المجتمع في الغرب يقدم الكثير للمغترب إلا انني لم أستطع أن أجد نفسي هنا.
س- قصيدة “ذلك الشيوعي العتيق” كتبتها عن أبيك الراحل موسى إيليا، ما سرها، وهل هناك ثمة علاقة بين الشيوعية والكنيسة الإنجيلية؟
سرّ القصيدة أنها من الذكريات، كانت صورة لينين معلقة على جدران منزلنا، وذات مرة عصفت ذاكرتي وتذكرت هذه الصورة فولدت القصيدة، رغم كوني من أسرة دينية فجدي كان أسقفا، إلا أن اثنين من أبنائه اقتنعوا بالفكر الشيوعي، ومنهما والدي الذي كان شيوعيا عتيقا، متحمسا للفكر الماركسي، أذكر أن والدي كان دائما مع الفلاحين ويدافع عنهم، ولم أجد تعارضا بين ما كان يعتقد به الوالد وبين ما يعتقد به والده، لأن الهدف هو نصرة الإنسان الضعيف. وحول العلاقة، بالأصل الشيوعية والماركسية نشأت في بيئة مسيحية، لكن ما يؤخذ عليها هو فكرة الإلحاد، وعن باقي القضايا فلا مشكلة أن يقف الإنسان مع أخيه الإنسان الضعيف.
س- تدعو حضرة القس والشاعر جوزيف إيليا إلى التبشير بالإنسانية بعيدا عن التطرف الديني والمذهبي والفكري والسياسي، وترى أن الفنون قادرة على أن تجمع ما فرقته الأديان والسياسات، ولها دور في التركيز على قيم الحب والسلام والحوار، وبنفس الوقت كتبت قصيدة عن الفن وأم كلثوم تنتقد فيها الفن الحالي، تقول فيها: “أين شوقي وأين أين رياض… صخبا صار وكله جنونا وغدا سيء الآثار”. فسر لي هذه المعادلة؟
الفنون بمجملها هي من تصنع الحضارة، وما يسبقها هو النضج الفكري، والأمة التي تبتعد عن الفنون أمة ستموت عاجلا أم آجلا، لأن الإنسان لا يستطيع العيش دون فن على أنواعه، ثم ما الذي خلّد الفراعنة؟ هل هو الدين؟ لا أبدا، ما خلدهم هو فنهم وإبداعهم.
س- ولكن قد يقول البعض: إن السيد المسيح والرسول محمد صلوات ربي وسلامه عليهما، والكثير من الأنبياء والأولياء والصالحين خالدون إلى اليوم؟
هذا أكيد، ولكن أتحدث عن شعوب وأمم، الدين عامل رئيسي لا شك في ذلك، ولكن المشكلة في السيئيين، فهناك رجال دين ليسوا برجال دين، يسوقون للجهل ويثيرون الفتن الطائفية. والقصيدة التي كتبتها عن أم كلثوم لأشجع الفن النظيف الذي يرتقي بالإنسان ويرفعه، وأقول: لا فكر دون فن ولا فن دون فكر، مع الفكر والفن صرنا نحلق لأعلى وأوراق جهل نمزق.
س- ما رأيك بالحالات المنتشرة مؤخرا والتي تتكلم باسم الكنيسة، مثيرة للنعرات الطائفية، كحالة ماغي خزام؟
لا أحب ذكر أسماء، بل حالات، هذا يؤلمني أشد الألم ويصيب الحياة الاجتماعية بالمقتل، لأن مجتمعنا ليس كالغرب المنفتح الذي يتقبل فكر وآراء الآخر، مجتمعنا هش ويحتاج إلى رعاية، ومن يسوق للكراهية هو إنسان أبعد ما يكون عن الدين، الكراهية تولد الموت، وكأنك تقتله معنويا، وإنني أدعو الأمم المتحدة أن تؤسس محاكم لملاحقة مروجي الكراهية في العالم سواء كان رجل دين أو سياسيا أو فنانا أو شاعرا، ولا يمكن باسم الحرية أن نسمح أن نُرجم أو يُرجم الناس فيما يقدسون.
س- حول التمازج والتفاعل بين التراثين العربيين الإسلامي والمسيحي، ما حدود التأثير اليوم؟
التأثير موجود اليوم لكن ليس كما الماضي، وكلما عدت بالزمن إلى الوراء تجدينه أفضل على الصعيد الثقافي والفكري، أما اليوم للأسف نحن نرجع ونتراجع إلى الوراء.
س- شاع العشق بين عربي ويهودية في الأدب العربي، ودعا توفيق الحكيم إلى أن مواجهة الاستعمار بلا جدوى ولا فائدة، وحتى نجيب محفوظ يقول: عندما دعوت إلى اتباع السلام مع إسرائيل كنت أدعو هذه السياسة العاقلة. ما تقول في مظاهر التطبيع في أجناس الأدب العربي؟
إنني أرى من الصعب تحقيق أن ينأى الأدب بنفسه عن السياسة، أي أن لا يغطس الأديب في بحر السياسات كثيرا لأن السياسة كالرمال المتحركة، تتبدل وتتحرك حسب الظروف والأحوال، وما أراه أن الأدب السياسي أدب لن يكتب له الخلود، وعن التطبيع، العالم اليوم يبحث عن بدائل أخرى بعيدا عن الحروب، ولكن ليس قبل أن تعود الحقوق لأصحابها، فليس من المعقول أن تسلب حقي وأرضي ومالي وتطالبني أن أمد لك يدي، تعود الحقوق ولا يظلم أحد أحدا بعد ذلك نبحث عن نقاط التقاء مع الشعوب الأخرى.
س- كُرّمت في فلسطين من مؤسسة سيدة الأرض الفلسطينية بلقب شخصية العالم الثقافية عام 2022م في رام الله، وأيضا كرّمت بغرس شجرة زيتون باسمك في القدس. ماذا تعني لك فلسطين كشاعر وقس؟
كقس، فلسطين هي قبلتي الروحية، المكان الذي شهد ولادة يسوع الحبيب. أما كشاعر، فلسطين هي قبلتي النفسية، منذ صغرنا تعلمنا نشيد سليمان العيسى (فلسطين داري ودرب انتصاري)، وهي جزء من سورية والشام، شعبها قريب من شعبنا، وفيها عباقرة، وقد صُنّف أكبر مثقف في العالم “إدوارد سعيد” وهو فلسطيني، وهي مولد كثير من الشعراء البارزين، بلد محمود درويش الذي نعشقه.
س- كُرّمت من محافل أدبية عربية وعالمية عدة، هل أنصفتك بلدك سورية؟
لا أعلم إن كنت أستحق التكريم أو لا، ولكن يحزّ في نفس عاشق سوري أن لا تكرمه سورية، للأسف ما وجدته منها قليل لا يذكر، أنا لا أطلب مكافأة لكن محزن أن أجد نفسي مكرما في القاهرة، رغم امتناني، ولا أكرم في دمشق ولو بلقاء تلفزيوني، أن أشعر أنني ما زلت في بلدي، وجميل أن يكرم وطنك الإبداع.
س- وفي الختام، لا بد من السؤال المعتاد هل من جديد؟
كل يوم يوجد جديد وقصيدة، وهذه آخر قصيدة كتبتها، بعنوان ” فانهضْ وعُدْ”:
خابَ مَنْ في قبرِ ماضيهِ نبَشْ وعلى صخرةِ آتٍ ما نقَشْ
وبكهفِ الّلغْوِ أبقى فمَهُ وسريرًا مِنْ علومٍ ما افترَشْ
ومضى يبكي ويشكو حظَّهُ ولحومًا ما بها نفْعٌ نهَشْ
ونأى في وهمِهِ عن واقعٍ وجهَ ما ظلَّ لهُ يسعى خدَشْ
عائشًا في قبوِ ما كبَّلَهُ بنسيمٍ فيهِ يصحو ما انتعَشْ
يا لبؤسِ المشتهي مِيتتَهُ عن بساتينِ رؤًى تُحيي طفَشْ
سوفَ يبقى في الصّحارى تائهًا ليس يدري سِرَّ ما منهُ اندهَشْ
لا ولا يسمعُ شيئًا مثْلَ مَنْ سمْعُهُ أودى بهِ سهمُ الطَّرَشْ
فانهضِ الآنَ وعُدْ مَنْ غربةٍ قلبُكَ الثّابتُ كم فيها ارتعَشْ
تاركًا نبْشَ قبورٍ لترى فوزَكَ الآتيْ لهُ ريشًا نفَشْ
وكل الشكر لكِ على تميزك فالأسئلة أعجبتني، غير مستهلكة ولا معلبة، هادئة دون استفزاز.
¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬حاورته وأعدت له: هبة الكل
لمشاهدة اللقاء كاملا يمكنك الضغط على الرابط أدناه:
https://www.facebook.com/100002257304205/videos/228808936179294/
———————————-
يذكر أن القس والشاعر جوزيف موسى إيليا: سوري من مواليد مدينة المالكية في الحسكة 1964م، كان رئيسا للطائفة الإنجيلية في المالكية لمدة ربع قرن حتى هجرته إلى ألمانيا، يكتب الشعر العمودي وقصيدة التفعيلة وأناشيد للأطفال. نظم قصائد على البحور الميتة المهملة، وقد غنى شعره مطربون ومطربات. له دواوين مشتركة مع شعراء وشاعرات، وألفية لمواضيع اجتماعية متنوعة. صدرت له خمس مجموعات شعرية، وله ستة دواوين وخمسة عشر مخطوطا، وقد صدر قبل فترة الجزء الأول من مؤلفاته الشعرية الكاملة، وسيتبعه ثلاثة أجزاء أخرى. كُرّم من محافل أدبية عربية وعالمية.

#سفيربرس _ حاوره : هبة عبد القادر الكل

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *