إعلان
إعلان

الفساد وانعكاسه على الأسرة والمجتمع .. بقلم : منذر يحيى عيسى

#سفيربرس

إعلان

ظاهرة الفساد قديمة قدم تشكل المجتمعات البشرية، وهي مرتبطة بوجود الأنظمة السياسية، كما أنها لا تقتصر على شعب دون الآخر، وتقل مظاهر الفساد في المجتمعات الديمقراطية بالتأكيد.
فسد معجمياً ضد (صلح) وهو البطلان كما يعني القحط والتجبر والطغيان واصطلاحاً هو خروج عن القانون، ويمكن القول وفق التعريفات المتداولة بأنه الاستقلال السيء للوظيفة أو الموقع لتحقيق مصالح ومكاسب خاصة.
وله أسبابه كسلوك إنساني سلبي بسبب انتشار الفقر والجهل ونقص المعرفة وعدم الالتزام بالفصل بين سلطات القانون والأعراف السائدة وضعف الرقابة وعدم الاستقرار والفقر والحاجة وعدم توفر الجرأة والشفافية والمحاسبة.
وبالتأكيد ما ذكر في هذا الإطار العالم سينعكس على المجتمع وعلى خليته الأساسية وهي الأسرة، فممارسة السلطة الأسروية والأعراف وبشكل ضاغط وغير ملائم يمكن أن يؤدي إلى خلخلة في سلوك أفراد الأسرة مما يدفع إلى الكذب والإحباط واللامبالاة والسلبية كما يؤدي إلى التعصب والتطرف، وبروز الجريمة كردة فعل لانهيار القيم وعدم تكافؤ الفرص وفقدان قيمة العمل، وعدم الاهتمام بالحق العام والشعور بالظلم، وزيادة الفقر وانتشار البطالة والتهميش بتدهور مستوى الأخلاق وموت الضمير وانهيار لسلّم القيم على ما يمكننا قوله: إن فساد نظام الأسرة يرجع في الغالب إلى عدم مبالاة الآباء أو اهمالهم، لتقاعسهم في بذل الجهد لتهذيب الأبناء والإشراف عليهم، وعندما يكبرون يتركون لشأنهم دون رقابة أو توجيه، ويصبحون على تواصل مع المجتمع الخارجي، حيث يصادفهم نماذج منحرفة يتأثرون بها.
كما نشير إلى السلوك المنحرف للآباء والذي ينتقل للأبناء وللفقر تأثيره وكذلك الأوساط المكتظة والفقيرة كما أن ظروف المعيشة والضائقة المادية التي تدفع الآباء للهجرة بعيداً عن الأبناء يضعهم بمواجهة مع واقع فاسد خصوصاً إذا لم تكن الأم على دراية برعاية الأبناء، وكانت عاملة خارج المنزل، كما أن وفاة أحد الأبوين يمكن أن يؤدي إلى خلل في التربية.
وخلاصة القول إن المنزل وسلوكية الآباء وكذلك الموقع الجغرافي (الوسط) للمنزل والمستوى الاجتماعي للأسرة، والعلاقات الاجتماعية للأسرة مع الأسر الأخرى، هذه الأمور كلها تنعكس على سلوكيات الأفراد وترابط الأسر وتماسكها ورفدها للمجتمع بأفراد صالحين، أو غير صالحين ولا ننسى على أن الأسر المفككة قد تنتج أفراد عاجزين عن معالجة المواقف التي تواجههم بما يتفق مع القانون والأعراف السائدة والقيم والسؤال المطروح: هل يمكننا أن نفسر السلوك المنحرف وغير المنضبط وتفكك الأسرة وتباعد أفرادها وفق علم النفس الفرويدي تحديداً عقدة (أوديب* وكراهية الابن للأب كونه السلطة والمنافسة على حب الأم مما يدفعهم للتمرد وبالتالي خلق حالة تفكك وما يرافقه من اضطرابات نفسية وسلوكية؟! وقد يلعب الحرمان العاطفي والنبذ دوراً في تفكك الأسرة من خلال انزواء وانعزال الأفراد وما يرافقه من حالات شذوذ وعدم القدرة على الاندماج في الوسط.
والسؤال الذي يمكن أن يطرح بعد هذا لماذا الخوف من الحرية؟ هل هو خوف من مواجهة الحقيقة؟ وهل يتشابه ذلك مع من ألِفَ الظلام في كهوف باردة وعجز عن مواجهة الضياء، ورؤية الحقائق عارية ربي كما خلقتني! وهل رؤية الحقيقة يمكن أن تؤدي إلى الضياع والتشتت الفكري؟
الحرية نزعة فطرية تمّ تشويهها بإرادتنا وذلك بنزوعنا إلى الاستكانة والخضوع وبحالة الألفة مع الاستبداد وضيق الأفق، هل الفضاءات وتعدد الخيارات مرهق للنفس؟
أقول لأن المجتمعات العربية وعبر تاريخها ونشوئها لم تعرف الحرية وولدت تحت ظلال العتمة واعتبرت ذلك قدراً محتوماً، آثرت الكسل على فضاء الحرية التي تستدعي مسؤولية تحتاج سعياً وراء حياة أسهل وربما يكون الخوف من الحرية، رهاباً تفرضه حالة الاستقرار تحت نير العبودية، رغم ما يعانيه العبد من فقدان للعدالة وحرية الرأي والعقيدة والعبادة والإحساس بالمرارة.
إن رسوخ التقاليد الاجتماعية المتوارثة وسطوة الماضي ونمط التنشئة التربوية السائد والنظام التعليمي القائم وغياب الثقافة العلمية وضعف الاهتمام بتدريس الفكر النقدي وترهيب وسائل الإعلام الاجتماعي وعدم تعزيز الفردية ووصاية المؤسسات والهيئات الدينية وإرهاب التنظيمات المتطرفة والتكفير والاستبداد السياسي والإيديولوجي وسيطرة التشريعات هي منظومة من المعوقات المتشابكة في مجتمعنا وتعمل على زرع الخوف من الحرية.
كما لا يمكننا أن نغفل مبادئ المساواة وعدم التمييز وهي في قلب حقوق الإنسان وتساهم في تدعيم ممارسة الحرية بالشكل الأمثل، وبالتالي فإن غياب المساواة مترابط مع فقدان الحرية.
إن تحقيق المساواة تحدُّ من الحرمان على أسس متعددة في مختلف المجالات، وحقوق الإنسان ليست حكراً على مجموعة بعينها إنما هي للجميع، فكل الناس يولدون أحراراً.
يتشعب عن موضوع المساواة قضية هامة وهي المساواة بين الرجل والمرأة أو الانصاف في المعاملة بتعبير آخر أن يكون للنساء والرجال نفس الفرص والحقوق والالتزامات في كافة مجالات الحياة وتتاح للجنسين حرية اتخاذ القرارات الخاصة بهم والسؤال: هل هذا متوفر في مجتمعاتنا العربية مع فقدان الحرية؟!
إن سيطرة العادات الاجتماعية والتمييز في القوانين ضد المرأة وعدم وجود حماية قانونية لها هي التي تزيد الفجوة بين الجنسين وتؤدي إلى فقدان المساواة.
ولأن المجتمع العربي يعاني من الازدواجية وهي اضطراب مرضي يدفع للتأثير على أفكار الفرد وتظهر تصرفاته بشكل متناقض ينعكس عليه وعلى المحيطين به وتؤدي إلى عجز في فهم سلوكياته.
وتعتبر الازدواجية مرض المجتمعات الشرقية، فالشرقي يحرّم على الآخرين ما يحللّه لنفسهِ ويظهر في أقواله عكس ما يبطنهُ ويسلكه، وهذا مؤشر على التفكك والتمزق، وتنعكس ازدواجية الفرد الرجل في تعاملهِ مع المرأة، فهو يطرحُ شعار المساواة معها في كلامه المعلن، ويمارس القمع والسلوك المتوحش في منزله في الوقت الذي تسمع فيه المرأة عن أخلاق زوجها وسعة صدره وابتسامته وكرمه، ولا ترى من ذلك شيئاً.
نؤكد هنا على الازدواجية مرض المجتمعات الشرقية القاتل.
من كل ما سبق يمكننا القول أن هناك صعوبات بالغة في تفهم الحياة وفي تقبل قسوتها وأحكامها وهي البعيدة كل البعد عن العدل والمثالية.
الحياة ليست عادلة بالمجمل، فهي اختيار مليء بالمتناقضات والأسئلة التي قد نموت ولا نحصل على إجابات شافية عليها، وأرى أن كل المحاولات لفك طلاسمها ستكون عبثية ولا طائل منها.
العدالة في الحياة شبه مفقودة، فترى المجرم يفلت من العقاب ويعيش بحريته حتى الموت، وقد ينتصر الخير على الشر في كثير من الأحيان، ويسود الظالم على البريء ويتحكم بمصيره ويقوده في دروب الحياة، وقد يتسيّد الأغبياء، ويمزقك الأسى والحزن وأتت تجرب مقارنه بينهم وبين إمكاناتك أو إمكانات أفراد جديرون.
إن منح الثقة لمن لا يستحق دون الحذر قد تؤدي إلى العديد من المشاكل وخيبة الأمل، ولكن رغم أن سنة الحياة هي التّغيير لكن قد يكون التّغيير نحو الأسوأ وهنا واجبُ البحث عن أشخاص مخلصين وهذا نادراً ما نجدهُ، إضافة إلى وجود الكثير ممن ينتظرون فشلك وسقوطك حتى من المقربين، وبناءً على ذلك لا بدّ من التركيز بدقة على الأهداف والسير نحوها بثقة مطلقة.
ويجب علينا أن ندرك أنّ المحيطين بنا كلهم قد لا نعنيهم بالشكل الذي نتصوره فكل منهم ظروفه وأهدافه وخطط سيره.
هي الحياة هكذا وعلينا التعامل معها بموضوعية وإدراك لكثير من خفاياها، وحتى تستقيم وتأخذ طابعها الإنساني لا بدّ من محاربة أمراضها والفساد كما ذكرنا أبرزها، وكذلك انعدام الحرية وعدم المساواة والازدواجية.
ويبقى للحياة وغريزة البقاء والاستمرار وهجٌ لا يقاوم، ولا بدّ من المضي حتى النهاية.

# سفيربرس بقلم. منذر يحيى عيسى

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *