كتب الشاعر :منصور جاسم الشامسي …. مآلات العبور السوري الأخير النشيد الثامن: ما أَنْصَفَت البُلدان دِمَشْق
#سفيربرس _ الإمارات العربية المتحدة

أَرْبَكَتْنِي المَتاهاتُ
والفِتَنُ السَّائِلَةُ
مُتَرَبِّعَةٌ عَلَى الأَيَّامِ،
مُخَاتَلَةٌ /
تَجاوِيفُ
تَشُقَّ الشِّفاهَ العَطْشَى لِلْحُبِّ هادِمَة
حينَ أَضَعُ الفَواصِلَ بَيْنَ الكَلِماتِ، تَتَسَاقَطُ الفَواصِلُ، وتَتَشابَكُ اَلْحُرُوفُ، لا تَطُوفُ
لا تَبْقَى المسَافَاتُ؛
المَرَاكِبُ، المَسَافَةُ تِلْوَ المَسَافَةِ تَحْملُكَ لِلرُّتَبِ العالِيَةِ
بِتٌّ لا أَعْرِفُ كَيْفَ أَرُصُّ الأَحْلامُ
ضاقَتْ عَنْ حَمْلِي
مُقَطَّعَةُ اَلثِّيَابِ فِي رَهَجْ الغُبَارِ
كضَياعِ القُدُراتِ في التَّقْديرِ
كَتَعَثُّرِ اَلْخُطُوات عِنْد الرَّجُّومْ
لِيَمْكُث فِي الأَرْضِ نَهارُ الطَّيِّبِينَ
حتَّى يَغْدُوَ السَّيْرُ حَلْواً مَعَك، نَجْلِسُ مَعاً عَلى مَقْعَدٍ قَمَرِيٍّ واحِدٍ
حَذْوُ الْغُصُونِ لِلْخُصُورِ
حَذْوُ الماءِ لِلرُّضابِ
أَنْفَاسُكَ المُضْطَرِبَةُ تَعْزِفُ قَلَقِي، فَأَتْرُكُ أَصَابِعِي تُلَامِسُ الثِّيَابُ
قَمِيصُكَ هَذا يَتَكَلَّمُ
كَما يَحْلُو لَهُ،
عِنْدَ حَدِيثِ اللّحاظِ لِلّحاظْ
يُدَنْدِنُ القَمِيصُ المُفَكَّكُ بِالْأَغانِي حَتَّى تَتَمَزَّقَ الأشْياءُ عِنْدِي
لا تُخاطْ
هَذي البِلَادُ مُدامُ العاشِقِ الوَلْهانِ
وثُغُورٍ بَيْنَ سِحْرٍ وأَسْحارٍ
لا تُعادُ إِلَّا فِي خَيالِ
سُرورِي فِيها سُرُورُ النُّجُومِ بَيْنَ الأَقْمَارْ
سِرْ بِنا سَيْفَ الدَّوْلَةِ فِي سالِفٍ الأزْمَانِ
راياتُكَ إِسْرار وأَسْرارْ/
لا تَسْأَلُ الرُّومُ الخَلِيفَةَ تَسْأَلُكَ أَنْتَ/
تَزُوركَ بَيْنَ صَمْتٍ واعْتِذَارْ/
ما أَنْصَفَتِ البُلْدَانُ دِمَشْقَ
ولا عَرَفَتْ سُنْدُسَ الشَّامِ /
ولا قَرَأَتْ كِتابَ الشِّعْرِ العَرَبِيِّ فِي مَجالِسك
حَيْثُ البُرُوقُ تَسِيلُ وتَسِيرُ
ما عَرَفَتْ سُخْطَ الأَقْداسِ
تُقْتَلُ بِأَيْدٍ وَعَدَتْكَ السَّرابَ /
أَعِناقٌ مَعَكِ دِمَشْقُ مَثْلُومْ
أَمْ فِقْهِ مُنازلاتٍ يَسْكُنُ اَلْأَرْواحَ/
مُرْتاعٌ هَذا الشَّاعِرِ مَظْلُومْ
يَرُوحُ ويَرْجِعُ
مُتَحَيِّراً مِنْ وَجْهٍ صَبُوحٍ مَكْلومْ
أَيْ عُرُوش تَضُمُّهُ
وقَدْ غابَتْ اَلْأَقْمارُ يَوْمَ الخَامِسَ عَشَرَ
ما بَالُها رَحَلَتْ باكِرَةً
وسارَ فِي جُذْوَةِ النَّارِ الجَوْهَرُ الغالي اَلْأَثْمانْ
وضاعَ عَنْ حَبِيبَتِي عَقْدُ الجُمانْ
رَكِبَ المَوْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنْ الدَّاخِلْ
عِنْدَ السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَجْراً
قَبْلَ صِلَاتِهِ اَلْأَخِيرَةِ
فِي المَسْجِدِ الأُمَوِيِّ
عَلى جُرف المُجازَفاتِ/
صَوْتُ صَقْرِ قُرَيْشٍ فِي القَصْرِ لا أَسْمَعُهُ،
كعابِدٍ تَهاوَتْ مَحارِيبِهُ، مَضَى
باتَ يَتَلَفَّتُ فِي الذُّرى
مُرْتَعِدٌ، مَيِّتٌ حَيٌّ
بَيْنَ السَّجَّادَةِ والنِّصال
تَخَالَطَ عِنْدَهُ حُضُورُهُ والْغَياهِبُ
مازالَ الجَحْفَلُ الأَسْوَدُ يَطْلُبُهُ /
يَتوارى هذا الصَّبُّ الغَزالُ،
شاردٌ، جامحٌ، مُسافرٌ، سابحٌ،
يَطِيرُ بِدِمَشْقَ مِنْ غُصْنٍ إِلَى غُصْنٍ /
هَذا الطَّرِيقِ جُدُرُ
والْهَوى مَغْلُوبٌ
والحُرُوبُ كُلَّ يَوْمٍ فِي شَكْلٍ تَدُورُ
لَا تَنْظُرُ خَلْفَكَ /
يا مُرْتَحِلٌ
حَتَّى وإِنْ نادَتْكَ لِلْوَداعِ نَدِيمَهُ اَلْكُؤُوسَ اَلشَّرْقِيَّةَ
ومالَتْ لَكَ خُدُورِها،
هَبْ خُدُودَها لِذِكْراكَ
جانِبْ مُعْلِياتٍ الهَوى
وقَدْ اسْتَبَاحُوا بَعْدُ العَهْدِ دِماكْ
ولا تُنِخْ ركابَكَ فِي رِياضِها
ما الرِّياضُ بَعْدَكَ نَعِيمٌ /
وتَجَمّلْ
وإِنْ خانَكَ الصَّبْرُ
وكَشَفَتْ عَنْ ثَغْرِها مَكْحُولَةُ العَيْنَيْنِ الحَسْنَاءُ /
وناداكَ الغَرامِ تِلْوَ الغَرَامْ /
فَلَا تَنْظُرُ لِقَلْبٍ تَتْرُكُهُ/
فَما مِنْ عِشْقٍ بَعْدَكَ ولا قُبَلُ /
فَلا أَنْتَ راجِعٌ دِمَشْقَ
ولا أَنْتَ بَقِيتَ فِي جَنَباتِها مُقَلُ /
ولِأَنَّكَ المُعْجِزَةُ العَرَبِيَّةُ والزَّخارِفْ
ولِأَنَّكَ الوَجَعُ والدُّموعُ والمُلْكُ الوَارِفْ /
اِسْقِ النُّجُومَ الَّتِي عِنْدَكَ
واقْطِفْ فِي قُرْطُبَةَ كُلَّ يَوْمِ زُهْرَة وأَرْسَلَها مَعَ اَلرِّيحِ لِلْغُوطَتَيْنِ فِي تِيجَانْ /
وَعِنْد نُوافِيرِكَ الأَنْدَلُسِيَّةِ تَذَكَّرْ نَوافِيرَ الحَنَانْ
فِي الفَيْحاءَ البَاكِيَةِ/
ها قَدْ أَرْبَكَنِي الجَفاءُ، والوَقْتُ ثُقُوبٌ –
لا يَزْهُو
والدُّنْيا إِبَر
قَدْ مَزَّقُوا صَفَحاتِ كُلِّ كِتابٍ يَحْمِلُ اسْمُكَ /
وقَصْرُ الخَضْراءِ صارَ دِماء/
والْقَمَرُ الغَرِيبُ جاءَ يَسْعَى،
كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ بابِي يَنْتَظِرُ /
يَزْعُمُ أَنَّ خُطانا واحِدَةٌ،
يَسْأَلُني:
– ماذا قالَ لَكَ صَقْرُ قُرَيْشِ؟
– لا أُجِيبُهُ / ولا أَدْعُوهُ لِدُخُولِ دارِي /
قَمَرٌ ؛ ضامِرٌ، مَفْتُونٌ، مُنْكَسِرٌ ، مَذْعُور،
آمالُهُ عَالِيَةٌ،
صَدِيقُ اَلْقُلُوبِ الْعاشِقَةِ اَلْأَشَدِّ اِنْتِظاراً،
يُرِيحَ خُيولَهُ بِساحاتِي،
كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ بابِي يَجِيءُ ويَنْتَظِرُ ،
مَرَّةً سأَلَنِي:
– كَيْفَ نَجا عَبْدُ الَرّحَمَنْ؟
قُلْتُ لَهُ:
صَمَتَ عِنْدَ اشْتِدادِ اَلْحِصارِ ،
وخَرَجَتْ لَهُ عَرَباتٌ مِنْ أَفْئِدَةِ الشَّمْسِ، كَالْمَقابِرِ ، جَلَسَ بِها،
ظَنُّوهُ مَيِّتاً!
فَمَرَّ،
والطَّرِيقُ فَجِيعَةٌ وَمَتَارِيس،
ثُمَّ سارَ تَحْمِلُهُ الأَكْفانْ،
بِأَجْنِحَةٍ تَتَخَطَّى البُلْدانْ .
جِئْنِي بالعَرَصاتْ المُثْلى،
وخُذْنِي مَعَكَ، لا جِيادَ لِي بَعْدَ رَحِيلِكَ .
# سفيربرس بقلم: الشاعر .منصور جاسم الشامسي _ الإمارات العربية المتحدة
3 أكتوبر 2023