إعلان
إعلان

[[ مئوية رسول حمزاتوف- ذاكرة الجبال ]]

#سفير_برس _ بقلم : منذر يحيى عيسى

إعلان

حقيقة أن للأمكنة ذاكرتها ؛التي تتماهى مع ذاكرة الإنسان، وتصبح جزءًا من الشخصية، ونمط التفكير ، وتتداخل مع عناصرها، وترتبط بها، وكثيراً ما تعرف هذه الأمكنة بالأشخاص الذين يقطنونها، ويحملون صفاتها وسماتها، وتصبح كهوية تعريف، وكثيراً أيضاً ما نترك الأمكنة جغرافياً ولكنها لا تفارقنا.
لبيئة الجبال مواصفاتها، وقد يأخذ نمط العيش فيها طابعاً خاصاً؛ يسم كائناتها ؛ فهي بيئة للنسور نموذجاً، فققم الجبال تشكّل منطلقاً التحليق في فضاءات الزرقة، كما تشكّل بداية ودافعاً لإثارة التفكير والخيال، وطرح التساؤلات من خلال قممها، و وديانها و خضرتها، مشكلة بذلك بىئة خصبة لانفلات العقل البشري من عقاله، وقد يدق بوابات الإبداع والفرادة وخلق الدهشة.
من الشخصيات المعروفة عالمياً؛ والتي ارتبط اسمها بالمكان؛ وتحديداً الجبال الشاعر الكبير ” رسول حمزاتوف- ” .
نقول ” داغستان ” هي إحدى البلدان الجبلية؛ التي ارتبط اسمها بالشاعر ” رسول ” ، وارتبط بها خلقاً شعرياً وإبداعياً، ونقلها إلى العالمية.
البلدان الجبلية؛ الحافلة بالحكايات والأساطير ؛ التي تحمل مضموناً واحداً؛ وهو الصراع مع قساوتها وارتفاعها لخلق الحياة، في تلك السلسلتين الصخريتين، والصراع بين الماء وبين النار ، والتي عبّر عنها ” فلاديمير بوتين ” عام 2008 خلال إزاحة الستار عن تمثال ” رسول حمزاتوف ” ، مؤكداً على أنه فخر لكل جمهوريات روسيا الاتحادية، وعلى أن الإنسان يجب أن يفخر بدينه ومعتقده وانتماءه العرقي، وان يكون مواطناً في بلدٍ عظيم، وان الوحدة من خلال التنوع؛ ضمانة لقوة ونجاح البلاد.
في كتابه / قلبي في الجبال – الذكرى المئوية 1923- 2023 / ؛ الذي قام بإعداده وترجمته الزميل الدكتور ” إبراهيم إستنبولي ” ، والصادر عن اتحاد الكتاب العرب في سورية هذا العام، والذي جاء في 414 صفحة؛ تخليداً لهذا الشاعر العالمي العظيم .
تصدر الكتاب تقديماً للسفير ” بشار الجعفري ” بعنوان ( لكل امرئ من اسمه نصيب )؛ مشيراً إلى الرسالة الإنسانية التي حملها الشاعر خلال حياته، وعلى ارتباطه مع شعراء العالم ؛ ومنهم شعراء عرب كثر .
يعرض الكتاب لبلاد ” داغستان ” وطبيعتها الجغرافية، وتاريخها المليء بالخرافات والأساطير، واللغات والشعوب والقوميات، والعادات العريقة، والأغاني، والعشق والشعراء، هناك حيث ولد شاعرنا في 8 أيلول 1923, هذا الشاعر الكبير الذي تمً اختيار اسمه بطريقة إحتفالية؛ حيث هي جزء من منظومة العادات والتقاليد .
وقد لخص أفكاره بمقطوعة شعرية رائعة :
” نجومٌ كثيرةٌ … وقمرٌ واحد
نساءٌ كثيرةٌ …وأمٌّ واحدة…
بلدانٌ كثيرةٌ…ووطنٌ واحد”.
وتحت عنوان ( رسول حمزاتوف، والعالم العربي والإسلامي)، تظهر علاقات عديدة للشاعر مع الكتّاب والشعراء العرب / عبد الرحمن الخميسي – الجواهري – البياتي – عادل الجبوري – عبد الإله الصاىغ – محمود درويش – معين بسيسو – أيمن أبو الشعر – علي عقلة عرسان /.
زار الشاعر سورية عام 1983 وخص قرية ( دير فول ) في ريف حمص المنحدر أهلها من داغستان، والذين احتفلوا به، كما زار مناطق الجولان . وكانت له محطة في اتحاد الكتاب العرب بدمشق، وبحضور عدد كبير من الكتّاب .
كما زار لبنان عام 1967 برفقة الكاتب ” جنكيز ايتماتوف ” ، للمشاركة في المؤتمر الدولي الثالث لكتاب ٱسيا وافريقيا، كما عاد لزيارتها خلال الحرب الأهلية .
وطالب الدكتور” إبراهيم إستنبولي” بضرورة أرشفة الوثائق والصور المتعلقة بزيارة ” رسول حمزاتوف-” إلى سورية والدول العربية.
وتمت الإشارة إلى العلاقة القوية مع ” الجواهري” ، وزيارته لإيران وإعجابه بشعرائها / حافظ الشيرازي – سعدي الشيرازي – وغيرهم / .
وكذلك العلاقة مع المناضل الأممي التركي ” ناظم حكمت ” و ” عزيز نسيين ” و” يشار كمال ” و ” دمرطاش جيهان “.
تناول الكتاب أيضا مقالات لكتاب روس مثل / ماغوميد احميدوف / وهو تلميذ ورفيق حمزاتوف- وهو حالياً رئيس اتحاد كتاب داغستان والمقال بعنوان ( دروس رسول حمزاتوف-) مؤكداً على أن الشعر عنده هو كتاب واحد ووحيد وهو الحكمة والرسالة ، كتاب المحبة والٱلم ، الصلاة واللعنة، الحقيقة والإيمان، النبالة والخير ، كتاب اللحظات العابرة والخالدة، وبذلك دخل العالمية بهذه القيم النبيلة، والعقوبة والصدق ؛ مدعماً رأيه بشواهد من شعر حمزاتوف-
ومذكراً بما ذكره في ( دستور الجبال ) الذي وضعه ، والذي يصلح دستوراً للبشرية .
وقد تمت الإشارة إلى هذا الكتاب وبالتفصيل في كتابنا هذا موضوع الدراسة .
وتحت عنوان ( غرانيق في السماء- مونولوج الشاعر عن الذاكرة والأمل ).
وحيث أن على الشاعر أن يكون شاهداً على الوقت، ونحن ندرك هشاشة هذا العالم في وجه الفناء النووي؛ مسترجعاً حادثة
” هيروشيما “، واربطاً بين بياض لباس اليابانيات في الحداد، ولباس الرأس الأسود في داغستان، والغرانيق المهاجرة من سيبيريا الى دفء داغستان؛ فكانت القصيدة؛ وكانت الزيارة لهيروشيما، والتي أكد أنها محنة البشرية جمعاء.
استطاع ” حمزاتوف-” بقصيدته ( الغرانيق) أن يوحّد العالم من خلال إنجاز ثلاثين تمثالاً في كل أنحاء العالم ( غونيب – ألطاي – أوسيتيا الشمالية – روستوف – اوزباكستان – كيسلو فودسك – لينينغراد – ساراتوف – ناغازاكي – بولوتسك – لوغانسك – شرم الشيخ – لوس انجلوس )، وبقيت غرانيقه تحلق رغم رحيله جسداً في 3 تشرين الثاني 2003 ، وبقي شعراً وروحاً واغنية .
يتابع الكتاب عرض ٱراء وكتابات عن” رسول حمزاتوف-” ،وابرزها حوار معه أجرته
” مارينا أحميدوفا ” وهي شاعرة الشعب في داغستان؛ ومترجمة أشعاره إلى الروسية .
كما عرض الكتاب لشهادات كتاب وشعراء ومفكرين معاصرين .
كما ذكر الكاتب نيل الشاعر لجاىزة ” ستالين ” وكان قد رشح مع والده ” حمرة تسادٱسا ” عام 1949 ، فنالها والده؛ بتوجيه من” ستالين ” لأنه شاب وأمامه عمر قادم ، لينالها بعد ذلك في العام 1951 عن روايته الشعرية / عام مولدي /.
يؤكد د. إبراهيم إستنبولي أن كتاب ( داغستان بلدي ) هو أصل الحكاية؛ فقد تحول إلى مشعل متوهج على طريق الشاعر ، وقد عرض كيف كانت بدايته، وحادثة احتراق المخطوط، ولكنّه أعاد كتابته؛ وهو الذي يمتلك أدواته وذكرياته وخبرته وحكمته .
ولا بدّ من الإشارة إلى عنوان ( من ذكريات عن والدي )؛ كتبته ” صالحات رسولفنا حمزاتوفا ” ابنة الشاعر.
في الكتاب أيضاً عدد من الحوارات المهمة أجراها عدد من الصحفيين؛ والأدباء، وكما رأيت هي حوارات مهمة وتستحق الوقوف عندها.
كما افرد عنواناً خاصاً عن حياة الشاعر.
حظيت قصائد مختارة للشاعر على النصيب الأكبر من صفحات الكتاب؛ الذي أختتم بلقطات من حياة الشاعر،وفي النهاية ملحق صور تمثل محطات من حياة” رسول حمزاتوف-“…
الكتاب شائق؛ وقد كتب وأعدّ وترجم بلغة راقية كعادة الدكتور إبراهيم إستنبولي في ترجماته كلها، فكيف إذا كان المترجم له وعنه الشاعر الكبير ” رسول حمزاتوف- “.!
الذي شدّني مقطع شعري هو رباعية شهيرة له؛ أرى أنها جمعت بين الأسطورة والفلسفة والحياة والشّعر أختم بها :
/ثمة اعتقاد سائد في الهند
أن الأفاعي هي أولى الكائنات التي راحت تدبّ في الأرض
في حين أن سكان الجبال يؤمنون بأن النسور
هي الأقدم بين جميع الكائنات …
أما أنا فأميل للاعتقاد بأن الناس هم أول من ظهروا في البداية …
لكنّ معظمهم تحوّل فيما بعد إلى نسور
في حين أن بعضهم تحوّل إلى أفاعي ./.
ختاماً الشكر الكبير لاتحاد الكتاب العرب ممثلاً بالدكتور ” محمد الحوراني ” على اختيار هذا الكتاب للترجمة وصدوره في الذكرى المئوية للشاعر، وعلى اختيار الدكتور إبراهيم إستنبولي كمترجم .

#سفير_برس _ بقلم، : منذر يحيى عيسى

طرطوس في 12 -تشرين الثاني -2023

عضو اتحاد الكتاب العرب.

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *