إعلان
إعلان

“ثناء دبسي” غيمة عطر أمطرت غيثها حباً ورحلت.. بقلم : سلوى عباس

#سفير_برس

إعلان

تنتمي الفنانة ثناء دبسي التي لململت أمس آخر عبقها ورحلت لجيل الرواد، إذ قضت أكثر من 60 عاماً من عمرها في الفن، بدأتها في المسرح العسكري مع مسرحية “شيترا”، وكانت –رحمها الله- من المؤسسين للمسرح القومي وأول عرض قدمته على خشبته كان مسرحية “أبطال بلدنا” عام 1961، وتوالت بعدها مشاركاتها المسرحية ومن أهمها: “الأشجار تموت واقفة، أنتيغون، زيارة السيدة العجوز، الخاطبة، البخيل، أبطال بلدنا، الأشباح، رجل القدر، الأخوة كارامازوف، عرس الدم، هواية الحيوانات الزجاجية”.
بدايتها الدرامية كانت مع الدراما الإذاعية حيث تحتفظ إذاعة دمشق في أرشيفها بساعات طويلة من الأعمال التي قدَّمتها الفنانة ثناء دبسي بصوتها، وفي الدراما التلفزيونية كان مسلسل “ساعي البريد” المنتج عام 1963 أول أعمالها، وراكمت بعدها في مسيرتها الفنية رصيداً غنياً بالأدوار التي تميّزت بها، ولاسيما تجسيدها دور الأم الحنون، مثل: سيرة آل الجلالي، الشمس تشرق من جديد، الفصول الأربعة، ذكريات الزمن القادم، غزلان في غابة الذئاب، قوس قزح، عصي الدمع، زمن العار، رسائل الحب والحرب، وراء الشمس، بنات العيلة، ناس من ورق، ترجمان الأشواق، البوابات السبع، وغيرها، وكانت لها أيضاً مشاركات في الدراما العربية حيث شاركت في الدراما المصرية بمسلسل “المتنبي”، وفي الدراما الأردنية بمسلسلي “الميراث، والقفص”، وفي مسلسلي “شجرة الدر” و”صبح والمنصور” للمخرج اللبناني أنطوان ريمي.
كما كان لها حضورها السينمائي عبر مشاركتها في أفلام: “المخدوعون، اللجاة، قيامة مدينة، وفيلمين قصيرين هما: “حدوتة مطر، وشوية وقت”.
تاريخ فني طويل خطّته ثناء دبسي مع كثيرات غيرها في سفر الدراما السورية بدأ منذ خمسينيات القرن الماضي، حيث كانت من رائدات الدراما اللواتي قدّمن الكثير من التضحيات حتى أوصلنها إلى هذه المكانة الراقية، فقد حوربن كثيراً حيث لم يكن الفن مقبولاً في ذلك الزمن، ومع ذلك لم يستسلمن وتابعن مشوارهن حتى حقّقن رسالتهن، وأثبتن وجودهن، لذلك يمثلنَ إلى جانب الفنانين المواكبين لهن في هذا التاريخ الرافعة الفنية والفكرية للدراما ماضياً وحاضراً، من خلال مشاركاتهم التي لا تزال حاضرة تجذبُ الكثير من المشاهدين لمتابعة عمل ما لمجرد مشاركة أحدهم فيه، حيث قدّم القائمون على صناعة الدراما آنذاك أعمالاً درامية جدية وجريئة من حيث المضمون والمعالجة، بسبب امتلاكهم لمشروعهم التنويري والفني والإبداعي، وقد حصلت الفنانة الراحلة ثناء دبسي على عدة شهادات تقدير عن مسيرتها الإبداعية منها شهادة تقدير في مهرجان دمشق المسرحي عام 2004، وتكريمها من قبل وزارة الثقافة في احتفالية أيام الثقافة السورية عام 2020.
لقد شكّلت حياة الراحلة الفنية مساحة كبيرة من المحبة والمودة مع الجمهور والكاميرا، حيث عايشناها في الكثير من أدوارها المتميّزة، فكانت المبدعة والحالمة بأن ترتقي بهذا الإبداع إلى المستوى الذي يليق بها كفنانة سورية، وكان لها ما رغبت، حيث تناغمت رسالتها الفنية مع رسالتها الإنسانية عبر مساهمتها في رسم البسمة على وجوه كثير من الناس الذين قست عليهم الحياة، فنانة آمنت أن الفن ليس ترفيهاً ولا متعة بلا فائدة، وإنما توجيه وتربية وشيء له علاقة بحياة الإنسان والمجتمع معاً، لذلك ركزت اهتمامها في خياراتها الفنية على قضايا الناس ومشكلاتهم، وكانت ترفض الأعمال التي تقتصر في مضمونها على الفرجة أو المتعة فقط.
كانت الفنانة دبسي ترى المسافة الزمنية بين الفن في زمن مضى والفن الذي يقدم الآن، كبيرة حيث النظرة للفن اختلفت رغم كل التطور الذي نشهده الآن، فتقول: في زمن مضى كان العمل الفني حالة تشبه الولادة، فكما ينتظر الإنسان مولوداً يفرح به، هكذا كنا نعاني لننقذ هذه الولادة ويبصر العمل النور كما نحب أن يراه الناس، والفنانون الأوائل لم تكن تشغلهم المادة، بل كانوا يعملون لأجل هاجس يسكنهم وهو حب الفن، بالمقابل لكل زمن ظروفه التي تُفرض على الإنسان. وتضيف: في السابق كان للمتلقي هامش من الاحترام أكثر من الآن، وكنا نجتمع كلنا لنناقش فكرة أو جملة، إذ كنا أسرة واحدة معنيين جميعاً بالعمل وليس كما يحصل الآن كل فنان معني بدوره فقط، وهذا يسيء لتقاليد الدراما، لأن العمل ينجح بجهود الجميع، وليس بجهد شخص واحد فقط، ونحن نعرف أن الدراما سلاح ذو حدين تحمل السلبي والايجابي، وهي مؤثرة جداً في الناس حيث يلتقطون كل ما يعرض ويحفظونه، وهذا يحمّلنا مسؤولية أن ندقق كثيراً بما نقدمه حتى نرتقي دائماً بعملنا وبمشاهدنا للمستوى الذي نسعى إليه، وأن نبتعد عن الابتذال وسفاسف الكلام الذي يسيء لنا ولعملنا ولمشاهدينا، ونحن لا ينقصنا شيء، لدينا كوادر موهوبة من ممثلين وكتّاب ومخرجين، فما الذي يمنع أن نقدم ما هو جيد دائماً.
حنونة الدراما السورية اللقب الذي أطلقه الفنانون السوريون من كلّ الأجيال على الراحلة ثناء دبسي بتاريخها الفني الحافل الذي بدأته بنجومية عبر أدوار أدتها في دراما الأبيض والأسود، وصولاً إلى آخر الأعمال التي قدمتها، ستبقى غيمة عطر تمطر حباً على قلوب جمهور أحبها، وستبقى هي ومن رافقها في مسيرتها الدرامية شاهداً على جمالية زمن مضى، وضميراً للدراما السورية.. لروحك الرحمة وكلّ السلام الفنانة البهية ثناء دبسي والعزاء لأهلك ومحبيك.

#سفير_برس _ بقلم : سلوى عباس

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *