،، وحدها قطرات ّ المطر …،، بقلم : حبيب الإبراهيم
#سفير_برس
على غير موعدٍ، كانت المُزن الشريدة تجمعُ شتَاتها، تحاولُ ألّا تبتعد عن مفازات الروح ..
تمدُ يدها، تمضي في رحلتها، تستلقي كحوريةٍ في الشطآن المهجورة ..
وحدَها قطراتُ المطر بدأت تتدحرج بوجلٍ، في الأزقّة والطرقات الغافية على تخوم المدى وشغاف القلب. المزاريبُ جفّ نسغها، ملّت القحط، وبدأت تستعدّ لمواسم النشيج.. طيورُ اليمام تقفُ أعالي أشجار السروِ تراقب المشهد، تنفضُ أجنحتها استعداداً لما هو قادم ….
عصافيرُ الدوري توزّعت على شرفات الأسطحة، وعيونها ترنو إلى حبّات القمح… المُزنُ تحاولُ الانعتاق من قبضة الرّيح، التي أرخت بظلالها فجأة، وراحت تعبث بوريقاتِ الشَّجر، وتنثرها في مواسمِ الهبوب ….
في بهوِ الدارِ بدأت المقاعد الخشبيّة تودّع مواسم الحنين، مواسم السهر حتى الهزيع الأخير من ليالي الصيف المُقمرة …
وحدها قطرات المطر تحاولُ ان تعيدَ رسمَ المشهد من جديد.. تقتفي وبهدوءٍ القمم العالية، الأودية السحيقة، السهوب الغافية على زندِ السواقي وأسرّة الأنهار، علّها تعثرُ على ينابيعٍ أعياها السُبات، وراحت تنفضُ عن كاهلها الغبار، وهي تودّع القحط وسطوة الصيف الهارب .
وحدها قطرات المطر تعانقُ الاكفّ المعفّرة بأديم الارض، تمسحُ دموعَ المُتعبين، جباه الفلاحين.. تضبطُ إيقاعها على نبضِ قلوبهم الدافئة، العامرة بالحبِّ والخير، وتَعِدهم بمواسمٍ يتوالى فيها فرح العطاء..
وحدها قطراتُ المطر تُعانقُ السواقي الناتئة، الحواكير العتيقة النائمة على البيادر.. الأزقّة العابرة لعبثِ الطفولة وأحلام الصبا.. لا هلع بعد اليوم من جفافٍ أو يباب …
السواقي ترخي ضفائرها بغنجٍ وهي تستقبل شلالات الماء، تعانقها بحنوٍّ، وتركض بفرح نحو الحقول العاشقة.. لقطراتِ المطر.. للنّبع.. للحياة..
#سفير_برس _ بقلم : حبيب الإبراهيم