إعلان
إعلان

الواقع بتناقضاته تعكسه دراما هذا العام..بقلم : سلوى عباس

#سفيربرس

إعلان

شكّلت الأعمال الاجتماعية حضوراً كبيراً للموسم الدرامي الحالي، وهذا دليل صحة، فالمتغيّر في حياتنا هو الذي يجب التركيز عليه، وهذا لا يمكن التعامل معه إلا بنص اجتماعي يحمل رؤية معاصرة، والمعاصرة لا تعني حالة “المودرن” التي نتمثلها في لباسنا وحديثنا وأننا أولاد هذا الزمن، بل المعاصرة هي محاولة السعي للإمساك بعصر اللحظة الاجتماعية ومحاولة تشخيص عيوبنا وأوجاعنا، خاصة وأن الحرب التي نعانيها منذ أكثر من ثلاثة عشر عاماً كانت محور الأعمال الدرامية في المواسم السابقة، مما جعل المشاهد ينفر منها، ويهرب إلى أعمال أخرى ربما لا تلبي تطلعاته وطموحه في موضوعاتها، لكنها تبعده عن أجواء البؤس والدمار التي خلّفتها الحرب، فمهمة الدراما تشخيص الداء والإشارة إليه وتوصيفه.

والسؤال الذي يحضر هنا:

هل استطاعت الدراما أن تكون مرآة للناس يرون أنفسهم من خلالها، وتكون خطوة في مشروع ثقافي تنويري تمثل الدراما جزءاً هاماً فيه رغم ضيق هامش الحرية الذي تتعامل في إطاره بحكم دخولها لكل المنازل، وتنوّع الشرائح التي تشاهد هذه الأعمال، وحتى نكون منصفين من خلال ما يعرض هذا العام نرى محاولة جادة من قبل كتّابها لتلمس الطريق بما تتضمنه هذه الأعمال من إنسانية وواقعية في تناولها، وهذا أمر يدعو للتفاؤل أن هناك شيئاً واعداً يؤسس لمستقبل جيد، فالدور الأول للدراما هو وضع المرآة أمام المجتمع، ودراما هذا العام عكست هذا الدور بشكل لابأس به في العديد من أعمالها، حيث ابتعدت عن التطرق إلى الماضي سواء القريب أو البعيد، وهذا يعني أن المرآة وضعت في مكانها الصحيح.

وتتنوع أعمال هذا الموسم من حيث المضمون بين مواضيع الحب والوجدان والفساد والمافيا والهموم اليومية والتفاوت الطبقي، ولكن لا أدري ما العبرة من حالة العنف التي تتضمنها أعمالنا الدرامية، إذ أنه يشكّل القاسم المشترك في أكثر مسلسلات هذا الموسم حتى في الأعمال التي تشدّنا بموضوعاتها وتستأثر بمتابعتنا لها، فأخذ يشكل ظاهرة تحتاج التوقف عندها، وربما يعود الأمر إلى سببين اثنين قد يتجلى الأول بالإجماع على أن مرآة الدراما تعكس العنف على صفحتها، وربما يكون هناك أمر آخر لطغيان العنف هو أن شيئاً انعكس علينا باللاوعي، وهذا دليل واضح على سوء الحالة الاجتماعية والنفسية التي يعيشها مجتمعنا بحكم الأزمات المتعددة التي طرأت عليه في العقود الثلاثة الأخيرة، وغيّرت مسار تفكيره واهتماماته، واختلفت فيها معاييره الأخلاقية والقيمية تحت مسمّى الحداثة، الأمر الذي يطرح مجموعة كبيرة من الأسئلة الجوهرية التي طرحتها دراما هذا العام بكثير من الجرأة، وقد تستمر لمواسم درامية قادمة، فمجتمعنا يتحول نحو شيء من العنف ربما بسبب الحاجة، أو الضجر، أو انعدام الأمل، وتؤثر هذه الظاهرة تأثيراً مباشراً على الأطفال والمراهقين إلى درجة أصبحت فيها الحاجة لمشاهد العنف بالنسبة لمنتجي ومخرجي البرامج والمسلسلات الدرامية التلفزيونية كالملح في الطعام، إذ وجدوا في تلك المشاهد عناصر أساسية لتسويق بضاعتهم وأسلوباً مهماً لتشويق جمهور الأطفال لمضامين أعمالهم.

لكن الفن ليس تصويراً للواقع حتى لو كان فيه عنف، بل الفن يبحث عن معادلات توصل الرسالة بلغة فنية، والعنف لا يمكن أن يكون عنصر تشويق، بل على العكس قد يكون عنصر نفور إذا لم يكن وجوده مبرراً وموظفاً توظيفاً يخدم الفكرة المراد طرحها، وربما نجد خللاً مجتمعياً من حيث التأثير، واتساع الهوة بين الأجيال، كما نرى أعمالاً تقدم أشكالاً وقيماً سلبية أو جديدة للأسرة.

وبالتالي يذهب كل فرد باتجاه مغاير للآخر، لتتباين الاتجاهات ويتعمّق الخلاف حول مضمون هذه الأعمال، وقد يسبّب هذا الاختلاف انهيارات فكرية وثقافية بين أبناء الأسرة الواحدة، لكن المشكلة الأكبر أن جمهورنا لا يدرك ثقافة الاختلاف ما يؤدي إلى تبني الأفكار السلبية من قبل الشباب الذين يجهلون مصالحهم، ولا يدركون إلى أين تأخذهم هذه المواقف.

لذلك بات المطلوب من الدراما أن تقوم بدور فعّال في تصحيح المفاهيم والمساهمة في عرض القضايا الراهنة وتوضيح سبل العلاج من خلال مواقف حياتية اجتماعية، تُخرجها من حيّز التسلية والترفيه إلى حيّز الإصلاح والتطوير، وعليها تبني رسالة قيمية أخلاقية تتناسب مع ما نشأنا عليه وتمثلناه في حياتنا وسلوكياتنا.

فالدراما سلاح ذو حدين علينا الانتباه إلى انعكاساته السلبية والإيجابية حتى نكون منصفين في تقييم هذا الفن الذي استأثر باهتمام شريحة كبرى من المجتمع، فيا كتّاب الدراما وصنّاعها، الفن حالة رقي وسمو، فلتكونوا بمستوى هذا الرقي ولترأفوا بحال الناس ومعاناتهم وتقدموا عبر هذا الفن النبيل حوارات راقية تمثل الشرائح كلها، وتطهر المجتمع من شروره، ولتتوقفوا عن إنتاج القبح بحجج غير مقبولة ولا منطقية، واتقوا الله بالمشاهد الذي يستحق إبداعات أدبية وفنية ترقى لمستوى ثقافته وتاريخه.

#سفيربرس ـ بقلم : سلوى عباس

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *