نصوص الشاعرة التونسية بسمة مرواني بقلم الناقد أ.فيصل السايحي
#سفيربرس _ تونس
أحضن وجهَ اللهِ وأسبحُ بعيداً
عن الهامشِ الغائمِ
بين حلم يقظتي..
لن أفقد حقيقةَ وِرْدٍ مقدسٍ في صدرِ قلبي…
وإن نفرَ ماءُ الليلِ عن تضاريسِ شَعري ؛
يشهقُ الشِّعرُعندي ، مقدسا
بذوق عال وأحوال .
الشاعرة بسمة مرواني
المنهج التفكيكي لجاك دريدا هو فلسفة نقدية أدبية تستند إلى فكرة أن النصوص ليست متماسكة أو ثابتة بل هي مليئة بالتناقضات والمعاني المتعددة. دريدا يرى أن النصوص الأدبية والفلسفية لا يمكن أن تُفهم عبر تحليل مفرداتها فحسب بل يجب تفكيكها للكشف عن الطبقات الخفية من المعاني التي تحتويها. يقوم التفكيك على فكرة أن النص لا يمتلك معنى ثابتًا أو نهائيًا، بل هو مفتوح لتأويلات لا نهائية.
أحد المبادئ الأساسية للتفكيكية هو رفض الثنائية الضدية، وهي الفكرة التي ترى أن المفاهيم تأتي دائمًا في أزواج متضادة (مثل الخير/الشر، الحضور/الغياب، النص/الواقع). دريدا يجادل بأن هذه الثنائيات ليست ثابتة وأن الحدود بينها غير واضحة.
أما فكرة “موت المؤلف”، التي طرحها رولان بارت في مقاله الشهير عام 1967، فتشير إلى أن تفسير النص يجب أن يكون مستقلاً عن نية المؤلف أو سيرته الذاتية. بارت يعتقد أن النص يصبح ملكًا للقارئ بمجرد نشره، وبالتالي فإن معناه يتحدد من خلال تفاعلات القارئين معه وليس من خلال نية المؤلف. هذه الفكرة تتوافق مع منهج دريدا التفكيكي في التركيز على النص نفسه بدلاً من الخلفيات الخارجية التي يمكن أن تؤثر على تفسيره.
تحليل البنية الداخلية للقصيدة وفقًا للمنهج التفكيكي لجاك دريدا
المنهج التفكيكي الذي طوره جاك دريدا يعتمد على تحليل النصوص الأدبية للكشف عن التناقضات الداخلية والانفصالات فيها. لذا سأقوم بتطبيق بعض مبادئ هذا المنهج لتحليل القصيدة:
التناقضات الداخلية:
الحلم واليقظة: تبدأ القصيدة بإشارة إلى حلم يقظة، وهو تناقض بحد ذاته لأن الحلم عادة ما يكون مرتبطًا بالنوم واليقظة تكون عكسه. هذا التناقض يعكس التردد بين الواقع والخيال، وهي سمة بارزة في الشعر.
المقدس والدنيوي: القصيدة تدمج بين الشعور بالمقدس (ورد مقدس، الشعر المقدس) وبين التفاصيل اليومية والعادية (ماء الليل، تضاريس الشعر). هذا المزج يعكس تعقيد التجربة الإنسانية.
الهامش والغائم:
الهامش والغائم: القصيدة تشير إلى “الهامش الغائم”، مما يعكس فكرة الغموض واللايقين. الهامش هو ما يكون على الأطراف وغير واضح أو مركزي، والغائم يعزز هذه الفكرة من خلال الغموض والتشتت.
اللغة والتعابير:
أحضن وجه الله: هذه العبارة تتحدى التفسيرات التقليدية والدينية للمقدس. دريدا يشير إلى أن اللغة دائمًا ما تحتوي على أكثر من معنى واحد، وهنا نجد أن تعبير “وجه الله” يمكن تفسيره بطرق متعددة.
تضاريس شعري: استخدام مصطلحات جغرافية لوصف الشعر يعكس التداخل بين الطبيعة والإنسان، وهو نوع من الانزياح الدلالي الذي يشدد عليه دريدا.
وظائف المقدس في التجربة الشعرية من خلال القصيدة
البحث عن الحقيقة الروحية:
في القصيدة، تشير الشاعرة إلى “حقيقة ورد مقدس في صدر قلبي”. هنا، المقدس يعبر عن حقيقة داخلية وروحية تسعى الشاعرة للوصول إليها.
التفاعل مع الجمال والشعر:
المقدس في القصيدة مرتبط أيضًا بالجمال الشعري، حيث “يشهق الشعر عندي مقدسًا بذوق عال وأحوال”. هنا، المقدس يعبر عن تجربة جمالية وفنية عالية.
الانعكاس على الذات:
المقدس في القصيدة يعبر عن عمق ذاتي وتفكير داخلي، حيث أن الشاعرة تستخدم رموزًا مقدسة للتعبير عن مشاعرها وتفكيرها الذاتي، مما يعكس رغبة في البحث عن الذات وعن معنى أعمق للحياة.
التضاد مع الحياة اليومية:
المقدس يأتي أيضًا كنوع من التباين مع التفاصيل اليومية والعادية، مثل “ماء الليل” و”تضاريس شعري”، مما يعكس تعقيد الحياة الإنسانية وتنوع تجاربها بين المقدس والدنيوي.
الخلاصة
باستخدام المنهج التفكيكي، يمكننا أن نرى أن القصيدة تعتمد على التناقضات والانفصالات لتعبير عن تجارب إنسانية معقدة، حيث يمتزج المقدس مع اليومي، والواقع مع الخيال، والذات مع العالم الخارجي. المقدس في هذه القصيدة يعمل كوسيلة للتعبير عن البحث عن الحقيقة والجمال والذات في وسط التعقيدات اليومية.
#سفيربرس _ بقلم -أ. فيصل السايحي _ تونس.