إعلان
إعلان

لا تنس أن ترفع قبعتك احتراماً لهم.. بقلم محمد عفيف القرفان

#سفير_برس _ الكويت

إعلان

في أحد شوارع المدينة السياحية الشهيرة توقف الرجل الأنيق ذو الوظيفة المرموقة بسيارته أمام طفل في العاشرة يغسل سيارات العابرين في ذلك الطريق عند الإشارة الضوئية، وطلب منه أن يغسل زجاج سيارته الأمامي. أخرج ورقة نقدية من فئة مائة ليرة وأعطاها للطفل الذي احتار بكيفية إعادة باقي المبلغ، فهو في بداية اليوم وليس لديه ما يكفي لإعادة الباقي للرجل.

الرجل: ما الأمر يا بني؟
الطفل: ليس لدي ما يكفي لإعادة الباقي من النقود، فكما ترى لا زلنا في أول اليوم ولم أغسل سوى سيارة واحدة قبل سيارتك حتى الآن.
الرجل (الذي كان ينوي إعطاء الطفل المبلغ كاملاً): وكم قيمة غسل زجاج السيارة الأمامي؟
الطفل: عشر ليرات يا سيدي.
الرجل: حسناً، احتفظ بالباقي!
الطفل: لا يا سيدي، فأنا أعمل ولا أتسوّل، ولك عندي ٩٠ ليرة باقية، وهي ليست لدي.
الرجل: ما العمل الآن؟
الطفل؛ دعني أحاول مع أقرب دكّان.
يذهب الطفل ثم يعود دون جدوى..
الطفل: حسناً، يمكنك أن تعطيني المبلغ غداً، فأنا أقف هنا يومياً بنفس المكان.
الرجل: ما رأيك أن تغسل السيارة كاملة بالمبلغ؟
الطفل (وهو مسرور بهذا العرض): حسناً، اتفقنا.
يقوم الرجل بإيقاف السيارة في مكان بعيد عن الزحام، ثم يبدأ الطفل بغسل السيارة كاملة للحصول على ورقة مائة ليرة.

الرجل: كم عمرك؟
الطفل: عشر سنوات.
الرجل: لماذا لا تذهب إلى المدرسة؟
الطفل: كنت أود ذلك، لولا أنني “الرجل” الوحيد في البيت، فوالدي مات في الحرب وترك لي أمي المريضة وأختي الصغيرة التي وعدتها أن أدخلها المدرسة السنة القادمة.
الرجل: كان يمكنك أن تأخذ ورقة المائة ليرة دون الحاجة لغسل السيارة بالكامل!
الطفل: يبدو أنك رجل شهم وكريم، ولكنني أخذت عهداً على نفسي ألا آخذ ما ليس من حقي، فوالدتي دائماً تقول لي ذلك، وهي تقرأ لي يومياً قصصاً عن “الكسب الحلال” وتشجعني على ذلك.
لقد انتهيتُ من تنظيف السيارة بالكامل، وأشكرك على سخائك، فحتى أجمع هذا المبلغ عليّ أن أغسل عشر سيارات، وقد يتطلب ذلك يوماً كاملاً.

ينظر الرجل إلى الطفل نظرة يختلط فيها الإعجاب والاحترام والدهشة من هذا الطفل-الرجل ويذهب في طريقه وهو يراجع الموقف في ذهنه:
“كيف لطفل صغير يعيش هذه الظروف القاهرة أن يحمل كل هذه القيم النبيلة ويعيل أسرة ربما يعجز عن إعالتها بعض الرجال! ثم، مَن الذي علّم الطفل كلّ هذا؟ هل هي الأم التي نجحت بذلك رغم مرضها، أم الظروف القاهرة التي صنعته، أم هو إلهام ورحمة إلهية، أم جميع هذه الأسباب؟”

يتنهّد الرجل ثم بقول في نفسه: “لقد تعلمت درس اليوم، فجميع مشاكلي التي أواجهها في العمل ما هي إلا رفاهية أمام عَظَمة هذا الطفل”

لك أن تتخيل ما يفعل أطفال غزة يومياً لتأمين قوتهم بالتزامن مع المحاولة اليومية للنجاة من حتفٍ لم يخافوه يوماً، لولا أن سنة الكون أن يحافظ الإنسان على حياته، رغم أنهم يحبون الشهادة ما استطاعوا إليها سبيلاً.

ولكَ أن تتنهد كما فعل ذلك الرجل صاحب السيارة الفارهة والوظيفة المرموقة، وتتذكّر كما تذكّر صاحب الكوفية الحمراء العالم العامل عبد الله بن المبارك عندما قال:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا
لعلمت أنك في العبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعه
فنحورنا بدمائنا تتخضب

في حياتك ستقابل:
طفلاً رجلاً،
أو أشعثَ أغبرَ لو أقسم على الله لأبرّه،
أو عالماً عاملاً،
أو محارباً نذر نفسه للحق،
أو ثرياً سخياً دون منّة،
أو مديراً ملهماً للإنجاز،
أو معلماً مربياً ملهماً،
أو موظفاً أو عاملاً يحاول بكل استطاعته أن يصنع فارقاً، ولك أن تتخيل ما تريد ومن تريد؛ ولكن لا تنس أن ترفع قبعتك احتراماً لهم، فهم البقية الباقية التي حافظت على نبل رسالة البشر.

#سفير_برس _ بقلم محمد عفيف القرفان_ الكويت

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *