إعلان
إعلان

متلازمة استوكهولم…بقلم : دلال ابراهيم

#سفيربرس

إعلان

هو يحب أن يضع كل الأشياء في نصابها، واستمرار وضع الأشياء في نصابها يثير الألم والملل، ولا تتفق مع رغبة الانسان في أن يعيد ترتيب ما حوله من الأشياء بالطريقة المريحة، بصرف النظر عن كونها في غير محلها، لهذا تألمت أغلب الأوقات، وهو ألم لم يجعلني أنصرف، بل أستزيد الوجع الذي لا يقع فيّ كما تقع الجراح في حالتها الطبيعية، إنما الوجع الذي يستطيب به الانسان ويستحسنه، ويظنّ أنه ألم ترميم الجراح، ورتق المنكوء منها، ملء الصدوع بما يناسبها، ولو بالسمّ الزعاف. وهكذا كان الأمر معه، لثلاثة أعوام، وقد تكون أربعة، لا أعلم!! لم يكن للزمن معه طبيعة ثابتة، اليوم عبارة عن بضع ثوان من البهجة الخاطفة، الدقيقة عشر ساعات من العناء المؤبّد، الأيام لا تتشابه، ولم أكن قادرة حتى على التخمين، كنت واهنة، أراه فانصب فيه انصباباً لا يبقي مني ولا يذر، ولا يمتنع أن يأخذني بأكملي أخذ الجائر المستبد، باسم الحب أحياناً، ومرات باسم الانبهار، وأخرى باسم الامتلاك، الرباط الوثيق، أو القفص وداخله كائنين يقود أحدهما الآخر إلى حتفه، ولم أكن الطرف القادر على إزهاقه ولو بداخلي، أما هو فمستعد دائماً لذبحي من الوريد إلى الوريد.
كنت الشفافة، وكان هو الغموض المستقر في ركن ما.. ليراقب العالم، ليستفزه، ليخرجه عن طوره ثم ليبدأ في محاكمته. لهذا كان الحديث معه أشبه بقنابل صغيرة تنفجر تحت قدمي، لا تقتلني لكنها تجعلني لا أعود مثلما كنت أبداً. لقد اكتسبت معه قامة جديدة، حزينة بالضرورة، قائمة على أكمل ما يكون من اليأس والانصراف والزهد.
كالأم التي تقدم الأطباق على المائدة، تكون قد عرفت ما الذي يحبه كل فرد، وما الذي لا يحبه، سيضع الحقائق أمامي، أمامك، وسترى أنك قادر على تناولها مثل أول طبق أعدته لك أمك وأنت في شهرك السابع، وأحياناً مثل وجبة أخيرة يقدمها لك السجان قبل أن يقودك إلى حبل المشنقة.
يضحك مثل شقيقك الأكبر، يغضب مثل والدك، يحزن مثل نبي لم يسمع به أحد، يصمت مثل جثة دافئة وُضعت في تابوت قبل ساعتين، يقرأ أقل مما يفعل فيلسوف، يكتب كما لو كان يريد من ذلك أن يحفر جداراً في روحك، ليتسلل ضوء ما منك أو إليك، ويحدث العكس أحياناً فيكتب ليردم كل فتحة سيتسلل منها الضوء إليك أو منك، وكأن الظلام حاجة ملحة، بقدر ما الحاجة للضياء، وكأنه عليك أن تتلاشى لبعض العمر مقابل أن تزهر في بعضه الأخر، هذه المناورة الدائمة، الارتفاع والهبوط، السقوط المدّوي، الانتعاش جراء السقوط، الحزن من فكرة العلو وكيف يبدو العالم صغيراً وضئيلاً من الأعلى، إنها الحيرة، إنها ضراوة أن تكون انساناً، وشراسة أن تعيش بهذا المزج المخيف، سيعلمك هذا بينما هو يضحك ويمضي أيامه العامرة.
إن يوماً من الحياة برفقته كان سيقتلك، أما أعوام لا أعرفها بالضبط، ثلاثة، أربعة، أو قد تكون خمسة، فإنها ستجعلك هكذا، مثلي تماماً، بنفس الشق في جبيني، بوردتين تنبتان منه، بنفس الأخدود في قلبي يستحيل نهراً أو مجرى سيل أو ضريحاً لطائر تائه.

#سفيربرس _ بقلم : دلال ابراهيم

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *