الاحصاء العام .. أبعاد ودلالات م.د لنجه صالح حمه طاهر
#سفيربرس ـ العراق
بات للاحصاء أهمية بالغة في حياتنا اليومية، إذ أصبحت الاحصاءات مألوفة جدًا وتكاد لا تخلو المعلومات التي نطالعها يوميًا في وسائل النشر كالكتب والمجلات والتواصل الاجتماعي منها، مثل جداول النقاط التي تحرزها الأندية الرياضية و التقديرات الخاصة بالتنبؤات الجوية ومؤشرات سوق الأوراق المالية وانجازات الحكومة في مجال الاسكان والتطور والعمران فضلاً عن أثمان السلع والحاجيات وأسعار العملات والذهب، وهذا يعود الى تطور علم الاحصاء من علم مقتصر على العد فقط الى علم متكامل لتقصي حقائق الظواهر والنتائج في مختلف ميادين الحياة الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياسية والعسكرية، لذا دائمًا ما نلاحظ أنّه لا يمكن لأي دولة تتوافر فيها أبسط مقومات الحكم الرشيد من أن ترسم السياسة المالية للدولة دون أن تستعين بهذا العلم وبأدواته، وذلك لأن رسم السياسة المالية للدولة يتطلب توافر جميع المعلومات والبيانات والاحصاءات المتعلقة بالسكان وبحجم الدخل والثروات والتي تكون موجودة لدى وزارة التخطيط في الدولة.
وعليه فإنَّ للاحصاء أبعاد ودلالات مختلفة تتمثل بالآتي:
في مجال المالية العامة: إنَّ اعداد الموازنة العامة بشقيها الانفاقي والايرادي يتطلب معرفة تامة بحجم الدخول ورؤوس الأموال والأنشطة والاستثمارات ومقدار القروض العامة الواجب سدادها وحجم الثروات وتوزيعها بين مختلف الشرائح والطبقات في المجتمع، فلا يمكن معرفه حجم النفقات العامة من دون الاستعانة بالاحصاءات الموجودة لدى وزارة التخطيط والخاصة بكل ما ذكر، كذا الحال مع الإيرادات العامة، ذاك أنَّ الضرائب بعدها صورة من صور ها لا يمكن أن تحقق هدفها المالي والاجتماعي المنشود والمتمثل باعادة توزيع الدخل القومي ما لم توجد احصاءات دقيقة.
في مجال الاقتصاد: فالطلب الكلي والعرض الكلي والاستهلاك الكلي والاسعار والانتاج والتبادل والتوزيع والتمويل و حالات الرواج والكساد الاقتصادي هي متغيرات تتأثر بتغيير السياسات الاقتصادية التي يمكن التحكم بها عبر الاحصاءات، وذلك لأن دراسة العلاقة بين العرض والطلب وبين الصادرات والواردات ومعدلات التضخم ونصيب الفرد من الدخل، وحالة ميزان المدفوعات والناتج المحلي والناتج الوطني وانعكاساتها ونتاجاتها تكون بالطرق الاحصائية، كما إن معرفة حجم الدخول والأموال وعائديتها ومصدرها يسهم في محاربة عمليات غسل الأموال وتمويل الارهاب.
التنمية الاجتماعية: يعمل الاحصاء على معرفة عدد السكان ، عدد الوفيات، عدد الولادات، المتعلمين والأميين، أصحاب الشهادات العليا وغيرها أي التركيبة السكانية بشكل عام، وهذا كله يسهم في معرفة الكيفية التي تقدم بها الخدمات بما يلائم الحاجيات المختلفة باختلاف السكان واعمارهم ومستواهم الاجتماعي والعلمي والمادي؛ مما يسهل من عملية توزيع الثروات وتقليل فجوات التباين فيما بينهم، فضلاً عن توسيع نطاق التأمينات الاجتماعية والمشاريع السكنية علاوةً على التعليمية والصحية.
في المجال السياسي: ثمة ارتباط وثيق بين الاحصاء والسياسة، فغالبًا ما تستخدم الاحصائيات في الاستطلاعات السياسية عن طريق جمع البيانات وتحليلها للتنبؤ بنتائج الانتخابات أو لقياس الرأي العام حول بعض القضايا المهمة والمؤثرة في المجتمع، فضلاً عن معرفة عدد الناخبين والمشاركين الفعليين في التصويت، فهي أداة قيّمة بيد السياسيين وصناع القرار لاتخاذ قرارات تحقق النفع العام.
وأخيرًا يمكن القول بأنه مهما كان الهدف من الاحصاء، فلا يمكن تحقيقه إلا باجراء مقارنة بين نتائجه وبين نتائج العملية الاحصائية التي أجريت قبلها، بحيث تأخذ الفارق كأساس لسياساتها وتوجهاتها ولا تبقى معتمدة على اساليبها القديمة في تقديم برامجها، وعليه ندعو الجهات المعنية في الدولة العراقية خاصة ونحن مقبلين على عملية أحصاء عام تجري في يومي الأربعاء والخميس الموافق 20و21/تشرين الأول، أن تأخذ بنظر الاعتبار الفوارق والاختلافات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية التي حدثت في الدولة من بعد آخر احصاء -والذي مر عليه أكثر من ربع قرن-عند رسم السياسة المالية العامة للدولة واعداد الموازنة العامة وأي مشروع استثماري سكني أو اقتصادي تنموي مستقبلي وبما ينسجم مع التطور الحاصل في عدد السكان وازدياد حاجاتهم تحقيقًا للتنمية المستدامة.
#سفيربرس ـ العراق ـ م.د لنجه صالح حمه طاهر
تدريسية في جامعة كركوك