أسرار تجارتهم _ بقلم : د. سناء شامي
#سفيربرس
التجارة لا تنفصل عن السياسة…التجّار و التجارة في الغرب
خصوصاً و في العالم عموماً، عبر التاريخ و منذ زمن فرسان الهيكل إلى زمن صندوق النقد و البنك الدولي، كان التجّار و الحاخامات اليهود و الطبقات التي تدور حولهم و جمعياتهم السرية، تنتشر و تتغلغل بين المجتمعات و تعمل على تغيير أنسجتها الأخلاقية و الإجتماعية، و شراء ذمم ساستها. و من هنا جعلوا من لندن عاصمة المال، و أسس أول بورصة في عام 1571ميلادية، السير المرابي اليهودي الإنكليزي توماس غرشام الذي كان المستشار المالي للملك أدوارد السادس و الملكة إليزابت الأولى، لتكون أول مركزاً لتبادل الأسهم و البضائع و عقد الصفقات بين التجار و توفير المال لهم من المرابين، و السير غرشام كان أول مؤسس لمصلحة صك العملة الإنكليزية، الذي كان يجلب لها الذهب من يهود ألمانيا و هولندا و إسبانيا من أجل ضبط نسبة المعادن النفيسة في العملة و توحيدها، و كان للسير غرشام نظرية إقتصادية معروفة بقانون غرشام، و فحواها هو أن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من الأسواق، لأن التجار يسحبون من الأسواق العملة النفيسة و تبقى الرديئة هي المتداولة. غرشام يهودي تحول إلى الديانة البروتستانتينية، و هو أو أستاذ أعظم للماسونية في لندن و جنوب إنكلترا بعد توحيد محافلها. هل تعرفون شيئاً عن شركة الهند الشرقية؟ أطرح هذا السؤال، لأن هذه الشركة كانت بمثابة الدولة الخفية التي حرّكت و تلاعبت بصمت في سياسات الإمبراطوريات، بما فيهم الإمبرطورية البريطانية. تم تكوين الشركة في عام 1590، بعد إنتصار الإنكليز على الإسبان، حينها قدم تجار إنكليز يهود إلتماساً إلى الملكة إيزابيل الأولى للسماح لهم بالإبحار في المحيط الهندي لكسر إحتكار الإسبان للتجارة مع الشرق، و بعد موافقة الملكة أبحرت ثلاثة سفن إلى الشرق بقيادة جيمس لانكستر (إسمه الأصلي مجهول, و أصله يهودي برتغالي، صار بريطاني بعد وصوله لبريطانيا) عبر رأس الرجاء الصالح و وصلت سفنه إلى أرخبيل الملايو، ثم عادت بعد3 سنوات محملة بالبضائع، تلتها حملات عدة. يقول جيمس ميل, في كتابه تاريخ الهند البريطانية: بأنه في عام 1599 إتفق عدد مئة من التجار في لندن على تأسيس شركة للتجارة بين إنكلترا و جزر الهند الشرقية و تأسيس خط ملاحي لها، و في 31 سبتمبر من عام 1600، أصدرت الملكة مرسوماً لهؤلاء التجار (215 تاجر) سمحت لهم بإقامة هذه الشركة و حق إحتكار الإنكليز للتجارة في المناطق الواقعة بين رأس الرجاء الصالح شرقاً و ماجلان غرباً، ثم صار إسم هذه الشركة، شركة الهند البريطانية، إلا أنها في الواقع شركة خاصة، لا حق لها للدولة فيها، فهي ملك لهؤولاء التجار و عائلاتهم فقط، و الذين إستطاعوا من خلال هذه الشركة توسيع نفوذهم في العالم و بناء موانئ لهم في الملاوي، في شمال الموزمبيق، و كما إستطاعوا أن يؤثروا بشكل مباشر في سياسات الدول الغربية، لدرجة إن سلطتهم في الهند باتت أكثر فعالية من سلطة ملوك بريطانيا نفسها. كانوا فعلياً بمثابة ما تسمّى اليوم بالدولة الخفية، و عملوا بهدوء ، و هذا الفراغ في المدى البعيد يكون جاهزاً لأن يملئه اليهود فيما بعد، ففي 1590, لم يكن اليهود جاهزين لهذا الدور رغم نفوذهم و رغم كانوا مندسين و متغلغلين في أروقة القصور و الجامعات و مؤسسات تلك الدول الأوربية… بينما الدول الأوربية في ذلك الزمن كانت قادرة على إسقاط الإمبراطورية العثمانية و إستطاعوا فعلاً محاصراتها، إلا إن نفوذ هذه العائلات المالكة لشركة الهند البريطانية و علاقاتهم مع حاخامات و تجار اليهود الأقوياء و المتنفذين في قصور بقية دول أورب، عملوا على تأجيل سقوط الإمبراطورية العثمانية سبعون عام، كي يهيئوا أنفسهم للدور القادم، و ليمنعوا الدول الغربية من السيطرة الفعلية، لأن دورهم يجب أن ينحصر في مهمة الوسيط أو أن يكونوا أدوات فقط تخدم مشروع بسط نفوذهم على العالم… في ذلك الوقت، كما اليوم، كان خوف بريطانيا عظيماً من التدخل الروسي القيصري في المنطقة رغم إن روسيا كانت حليفتها، و بالتالي فأن إطالة عمر الأمبرطورية العثمانيّة كان ضروري للحيلولة من التدخل الروسي و توسعه على حساب بريطانيا (التي يتحكم التّجار اليهود بسياستها و إقتصادها) و الغرب، و منعه من الوصول إلى الهند، علماً أن روسيا كانت حليفة إنكلترا ضد بقية الأمبرطوريات الغربية. و في معاهدة لندن 15 يوليو 1840،بين روسيا، النمسا، بريطانيا و بروسيا من جهة، و الإمبراطورية العثمانية من جهة أخرى، أجبروا محمد علي باشا الإنسحاب من الشام، و جزيرة كريتا و مُنعت القوى الأوربية من إسقاط الدولة العثمانية… الجميع يعلم كم كان، و كم هو قوي نفوذ اليهود في روسيا القيصرية، و ماذا كانوا يطبخون لإسقاط القيصر، و من هنا يمكن القول منذ القِدم إلى يومنا هذا، فأنه ليس من مصلحة روسيا الإصطدام مع النفوذ العبري، و إذا نظرنا اليوم إلى “دولة إسرائيل”، فأننا نرى بأن أكثر من 90% من زعماؤها السياسيين هم من أصل روسي. كانت روسيا أيضاً الطرف الثالث الذي وقع على معاهدة سايكس بيكو عام 1916، و كان قد وقع تلك المعاهدة وزير الخارجية روسيا القيصرية سيرغي سازونوف، مقابل أن تحصل روسيا على أستانه و المنطقة الواقعة بين البوسفور و الدردنيل، لكن روسيا القيصرية إنسحبت من هذه المعاهدة في عام 1917، أي مع إندلاع الثورة البلشفية و سقوط القيصر… إن عرضي التاريخي لبعض النقاط، لا يعني إتهام روسيا بالخيانة، كما لا يعني النظر إليها كبطل إسطوري يدافع عن سوريا… كما لا يعني أيضاً، جلد الذات و الإستمرار شتم العدو، الذي يستحق كل الشتائم، إلا إنه في الإستراتيجيات الدولية للسياسة في زمن السلم و الحرب تُقاس بالعمل و التخطيط و المساومات و التقدم و التراجع، و حساب المستقبل بمقياس عمل المضارع… الزمن الماضي يلزم للتعلّم و زيادة الخبرات، آليات المستقبل، مرتبطة إرتباط وثيق بالعمل الجماعي اليومي على جميع المستويات و الأصعدة. الوعي بالتاريخ و إستعمال المنطق من أجل تحديد الأهداف و الأولويات حتى في قلب هذا الدمار و الخراب الذي تمر به سوريا و الأمة العربية، هو أمر حتمي و ضروري لحماية وجود الأمة و حضاراتها. العمل على الحفاظ على الهويات و التراث و الوجود في زمن الحروب، هو عمل أساسي من خلاله ينهزم التجار الصهاينة الذين لم يتوقفوا يوماً عن تزوير تاريخ الحضارات، من أجل عجن حضارة تناسب مقاييس مشروعهم المريض بحكم العالم. أسأل تجار بلاد الشام الأذكياء و أصحاب الحنكة في التجارة، هل وظفتم تجاراتكم من أجل مشروع قومي حضاري؟ أم تجاراتكم كانت غاية في حد ذاتها من أجل الثراء؟ ليس عيباً التعلّم من دهاء العدو و إجتهاده و دأبه المدروس. إن أصحاب المشروع، المسمّى اليوم بالمشروع الصهيوني، عملوا و ما زالوا يعملون بجهد و تنسيق و تخطيط مسبّق و دراسات و مشاريع علمية، تربوية، إعلامية، آكاديمية، إستخباراتية، ليس فقط اليوم بل منذ زمن بعيد. إن التجار أصحاب شركة الهند البريطانية كان لديهم جهاز إستخباري قوي منتشر في أنحاء العالم، و كانوا يجيدون توظيف المعلومة و إستغلالها لصالحهم في زمن الحروب، و رغم أن جميع دول العالم حاولت كسر مشروعهم، إلا أنهم لم يتوقفوا يوماً عن العمل لتحقيق هدفهم، بغض النظر عن طبيعته الإجرامية المريضة. في عام 1290طرد الملك إدوارد الأول اليهود من إنكلترا بسبب مرابيهم الذين يقرضون المال بفوائد عالية، و لمنعهم تمويله في حربه ضد ويلز. لكن أعادهم إلى إنكلترا الملك كرمويل بعد ثورته الجمهورية التي أطاحت بالملك تشارلز الأول الذي تم إعدامه بعد محكمة صورية على يد االمدعي العام إسحاق دوسلاوس، و هو يهودي برتغالي من يهود المارانو (يهود إدعوا دخول المسيحية و كانوا تجار نافذين السلطة و الثروة و لديهم جهاز إستخباري خاص بهم، و هم من سندوا و موّلوا كرومويل في ثورته).
تم إعادة اليهود إلى إنكلترا، بناءً على إتفاق بين مينشّا إبن الحاخام إسرائيل في هولندا، و هو من أمّن تمويل ثورة كرومويل, مقابل إسقاط الملكية و ترسيخ حكم الجمهورية و البرلمان و إعادة اليهود إلى إنكلترا. من هذا المثال، نلاحظ بأن لا فصل لديهم بين الدين و الدولة و التجارة و الإقتصاد و المال، و كل هذا معاً يُشكل قوة ناعمة ثاقبة. هم مجتهدون و مصممون على مخططاتهم من خلال العمل و التأني و التخطيط من أجل هدف واحد جامع شامل، و هذا ما يجب التعلم منه و التخطيط له للمدى البعيد، فحفظ الوجود ليس فكرة آنية، بل هو عمل دائم يوّرث للأجيال القادمة. كان هناك الإمبرطورية العثمانية ثم تفككت، و بلاليص ستان التي يختال بها آردوغان، لم تكن موجودة ثم كانت… و مصر كانت ملكية و صارت جمهورية، و إمبرطورية إنكلترا في الهند بادت و الهند إستقلت، و بريطانيا نفسها لم تعد إمبرطورية، و حلت محلها في الشرق الولايات المتحدة الأمريكية الصهيونية, و روسيا القيصرية سقطت و صارت شيوعية، و كل شيئ يزول، و يتراكم و الأمر الوحيد الذي إستغل و يستغل تراكمات سقوط الأمم، هو المشروع اليهودي الصهيوني، الذي لم يتوقف يوماًعن التقدم نحو هدفه الأخير: حكم العالم.
#سفيربرس _ بقلم : د. سناء شامي