كتبت هبة الكل : هل نشهد عودة العلاقات التنقلية مع البغال والخيل والحمير …
#سفيربرس

لأسباب معينة انتهى زمن الحنطور في دمشق مع دخول الكهرباء عام 1907م، ووصول الترامواي، ولذات الأسباب أو غيرها انتهى زمن التراماوي مع وصول الباص، ولكن ما الذي تغير اليوم؟
أزمة كهرباء تصحبها أزمة بنزين ومازوت، فهل نشهد عودة التطبيع مع الحناطير الملوكية إلى جانب طنابر العوام؟
إن انقرض عهد الحناطير في بلادنا، فالبقية الباقية للطنابر، والتي تحكي في شوارعنا حكايا ماضينا بحلوه ومره.
لم تعرف بلاد الشام عربات نقل تجرها الخيول قبل عام 1833م، وفي نفس التاريخ أدخل قنصل بريطانيا أول عربة تجرها الخيول في دمشق، ومنذ ذلك الوقت ازدهرت الحناطير، حيث كان لكل حنطور سجل مرقم في البلدية، ويمنح صاحبه رخصة رسمية، وكانت زبائنه من ميسوري الحال من أهل المدن.
ومع دخول الترام والسيارات والباصات تم الحد والمنع لاحقا من دخول حيوانات الجر وحناطريها إلى المدينة كي لا تعيق حركة ما سبق من وسائل النقل، إلى أن تم إبطال الحناطير نهائيا كوسيلة لنقل الركاب، وتم استعاضة كل نمرتين مسجلة لحنطورين برخصة سيارة تكسي عمومي.
فهل نشهد قرارا يسمح بعودة الحناطير في ظل أزمة المواصلات، تسهيلا للنقل والانتقال، وهل نشهد تنمير الحناطير مجددا، مقابل كل نمرة سيارة نمرتين حنطور محترم؟
لم لا وهو بغل ذكي، أكثر ذكاء من الحصان الحديدي (السيارة)، ولذلك جعلت البغال وحيوانات الجر كلها (قوة الحصان) مقياسا من مقاييس قانون الاستطاعة، بغل بقوة حصانين أفضل من غياب سيارة بقوة 18 حصان.
وفي حال عرفت عزيزي المحب لسيارات بورش الرياضية، أن أول سيارة بورش صنعت في التاريخ كان شكلها الخارجي يشبه الحنطور، بعجلات خشبية ومحرك كهربائي، فهل ستتمنع عن التنقل بالحنطور؟ .
ولكن يبقى البغل بغلا، قد يفاخر الحصان، والده غير الشرعي، بأن إيطليه كإيطلي فرس امرؤ القيس، وفي لحظة يغار، لأن ساقيه ليستا في دقة ساقي النعامة، ولا حتى في دقة ساقي الحمارة، والدته غير الشرعية، إلا أنه ذكي جدا، فعند المنعطف يغير سرعته دون الحاجة إلى سوط الحوذي ( الطنبرجي أو العربجي ) من المشي إلى العدو، ومن العدو إلى الخبب..
فهل نشهد تسابق الطنبرجية على الركاب كما شهدنا سابقا تسابق سائقي التكاسي والباصات على الدور، عن حق وعن زور !
لو عاصر الفراهيدي زمن الإسفلت تحت ساقي البغال والحمير لربما أضاف، لذكائها الفطري، بحرا شعريا إلى بحره اليتيم (الخبب)، ويرى كيف تدبك البغال على أنغام بحره عدوا وخببا..
فالإسفلت الملصق على الطرقات يشكل تحالفا مع قانون الاستطاعة، وبالتالي يكون جهد البغل أقل على درب معبد.
وفي الختام يحضرني فيلم “تكسي حنطور” الذي عرض عام 1945م، من بطولة محمد عبد المطلب وسامية جمال، وقد تحدث الفيلم عن المنافسة بين التكسي والحنطور كوسيلة للنقل، وختم الفيلم بنهاية سعيدة، فتزوج ابن صاحب الحنطور بابنة صاحب التكسي، بعد صراع طويل دام بينهما ليؤكد مهما صارع وتصارع الحاضر مع الماضي، لا يمكن التخلص من أحدهما إلى الأبد، فالتعايش قائم بين القديم والجديد.
فهل سنغني يوما أغنية الفنانة أمينة “واركب الحنطور” ونتحطر على ظهر الحنطور.
# سفيربرس _ بقلم : هبة الكل