إعلان
إعلان

التَغريبّة العربيّة الكُبرىْ وجيل الشبَاب المفقود . بقلم الإعلاميّة : د . عبـــير الحــــيّالي

خاص سفيربرس ـ لندن

إعلان

شهد القرن الماضي محطات متميزة في حركة الهجرة العربية، وكان من أبرزها موجة الهجرة العربية في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث نتج عنها في نهاية الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٥م، فقدان الدول الأوربية البارزة لليد العاملة مما جعل أوربا في حاجة ماسّة إلى قوة بشرية إضافية لتحقيق النمو الذي كانت تسعى إليه، مما جعلها تفتح أبوابها لاستقبال اللاجئين العرب.

وكانت أبرز دول الهجرة العربية في هذه المرحلة دول جنوب الصحراء، والمغرب والجزائر، وأغلب حالات الهجرة هذه تندرج تحت أسباب اقتصادية.

وبمرور الوقت تحوّل هؤلاء اللاجئون إلى منافسين لأهل البلد الأصليين مما أدى إلى ارتفاع الشكوى، ونتج من وراء ذلك لجوء الدول الأوربية إلى نهج سياسة أمنية أكثر صرامة في موضوع الهجرة، عبر إيجاد قوانين جديدة تحدّ من حركة الهجرة إليها.

وفرضت في العالم العربي فوضى ما يسمى “بالربيع العربي” واقعاً جديداً على المجتمعات العربية المتأثرة بها ، حيث ارتبطت بظاهرة الهجرة الخارجية النمطية بمعناها المحدد، أي بحث المهاجرين عن فرص اقتصادية واجتماعية أفضل من تلك الموجودة في بلدانهم، وفي أحيان كثيرة تكون بحثاً عن الأمان للهروب من اضطرابات اجتماعية أو سياسية، فيحملون على أكتافهم واقعهم المرير، وأحلامهم الصغيرة ومسؤوليتهم الشخصية، والقليل القليل من المعرفة والخبرة إلى مجتمعات جديدة يبحثون فيها عن فرص للأمان الاجتماعي والرخاء الاقتصادي، فيتحدّون الواقع ويبدؤون هجرتهم، ورحلتهم الجديدة في هذه الحياة.

هجرة المواطن السوري ربما تمثّل النموذج الأصعب في هذه الهجرات، حيث كانت سوريا هي الملاذ الآمن في يوم من الأيام لكثير من مواطني دول الجوار التي تعرضت للحروب، وربما كان من أبرزها حرب العراق عام ٢٠٠٣ حيث لجأ ما يقارب ١.٢ مليون عراقي لغاية عام ٢٠٠٧، حيث عاش أغلب هؤلاء آلام الهجرة للمرة الثانية، وعادوا إلى دولتهم التي تعتبر أقلّ أماناً واستقراراً.

دارت الأيام دورتها وشاءت الأقدار ووقعت سوريا نفسها ضحية لحرب وحشية، بسبب نزاع اتخذ منحى عنيفاً أسفر عن أسوأ أزمة لاجئين خلال قرن كامل.

فانتشر اللاجئون السوريون في دول الجوار، وخاطر آخرون بحياتهم في طريقهم إلى دول أوربا على أمل الحصول على الآمان، وفرص أفضل للعمل، وقد أفرزت الأزمة السورية ٥،٦٤٦،٢٩٨ لاجئاً بناءاً على تقارير الأمم المتحدة بتاريخ ٢٢ تشرين الثاني لعام ٢٠١٨.

لا توجد نظرية كاملة تقدم لنا دوافع محددة للهجرة، فجميع الدراسات تركز على الدوافع الاقتصادية وتضعها في مقدمة الأسباب، بالإضافة إلى الدوافع الاجتماعية، والبحث عن المكانة الأفضل وتغيير نمط الحياة.

وربما أضاءت لنا الصراعات الدولية والإقليمية الأخيرة في المنطقة العربية تحديداً الجانب الأخطر لهذه الهجرات، وهو ما يمكن تسميته بالهجرة القسرية الشاملة، فهي هجرة اقتصادية، اجتماعية، سياسية، وأمنية بامتياز، وهي مصدر قلق للدول الأم المهاجر منها وللدول المستقبلة المهاجر إليها.

وفي هذه الهجرات تم اقتلاع مجموعات بشرية بأعداد هائلة من أوطانها وزرعها في بيئة جديدة، لتزهر بعيداً عن الوطن الأم تحت ضغوطات ومحاولات التأقلم بين المهاجر، والمجتمع المستقبل، وهذا ما حدث للمهاجرين من دول سوريا وليبيا والعراق ومصر وتونس واليمن، وهي الدول التي تأثرت بالنزاعات السياسية والإقليمية التي نتجت عن فوضى الربيع العربي.

إذا ما توقفنا عند أسباب هجرة الشباب العربي بعد ما يسمى “بالربيع العربي” فلا يمكننا تجاهل التغيرات الملموسة في التركيبة العمرية لدى الشباب العربي بشكل عام، حيث أشارت الدراسات إلى ارتفاع حجم هجرة الشريحة العمرية الشبابية في المجتمعات العربية عموماً في مقابل الأطفال والشيوخ.

وهذه الفئة حسب التعريف الدولي للأمم المتحدة هي الشريحة التي تتراوح أعمارها مابين (١٥-٢٤ عاماً). وتشير بعض الدراسات إلى أن حجم شريحة الشباب قد بلغ ٦٨ مليون في عام ٢٠٠٥، كما أنه سيبلغ نحو ٨٨ مليوناً في عام ٢٠٤٠، أي بزيادة ٢٠ مليوناً، وهو مايضع المنطقة أمام تحديات تنموية، حيث أن هذه الزيادة الكبيرة تخلق ضغطاً في سوق العمل وتحدث فجوة كبيرة بين الطلب على العمل وبين تدني معدلات النمو الاقتصادي وانعدام الفرص والخيارات وهو مايشكل سبباً رئيسياً للهجرة والبحث عن الفرص في دول أخرى.

العلاقة بين هجرة الشباب العربي، وتراجع معدلات النمو والتشغيل هي علاقة جوهرية، حيث إن هذا الشباب المتأثر بالأوضاع الداخلية المضطربة والبطالة التي شهدت معدلات مرتفعة بشكل مذهل، والفساد والمحاباة والكبت السياسي قادت إلى افتقاده الأمان النفسي والاجتماعي على المستوى الفردي والجماعي.

فتحولت فكرة الهجرة إلى مفاتيح المستقبل والحلّ الوحيد في نظرهم لمجموعة الصعوبات والمشاكل التي يعانونها في بلدانهم التي أثبتت عدم قدرتها على تلبية احتياجاتهم وتطلعاتهم، حتى لو كانت تكلفة هذه الهجرة هي امتطاء قوارب الموت في عرض البحر الأبيض المتوسط.

لقد كانت أزمة اللاجئين المستمرة ضارة بشكل كبير لكل من اللاجئين ودول اللجوء،بسبب الضغوطات المتزايدة على التماسك الاجتماعي بين القادمين الجدد والمجتمعات المحلية حيث بوتقة انصهار الأعراق أو المعتقدات الدينية داخل هذه المجتمعات تؤدي إلى مزيد من التوترات الاجتماعية.

وغالباً ما يتفاقم هذا الأمر بسبب الضغوط الاقتصادية التي تم فرضها على هذه الدول نتيجة للعدد المتزايد من اللاجئين حيث يشعر العديد من السكان المحليين بأن نوعية حياتهم الخاصة تتلاشى بسبب انخراط اللاجئين بها.

ويميل المواطنون في هذه الدول إلى النظر إلى اللاجئين كعبء على نظام التأمين الاجتماعي، والرعاية الاجتماعية في البلد المستقبل، بالإضافة إلى النظام التعليمي والازدهار الاقتصادي.

ومن جهته يعاني المهاجر من الخوف من الذوبان والانصهار داخل هذه المجتمعات التي لا يشترك معها في كثير من القضايا الدينية والسياسية والثقافية والاجتماعية، مما يولّد لديه حالة من عدم الثقة بالنفس تؤدي به إلى عزلة اجتماعية وهو ما يخفض مستوى التعايش والتأقلم بين الطرفين إلى أدنى مستوياته.

رفض بعض هذه المجتمعات لهذا العدد الهائل المفاجئ من اللاجئين بدأ يظهر في الحملات الانتخابية للمتنافسين السياسيين اللذين لم يظهروا التردد أو الخجل من إظهار بعض الكراهية للاجئين والتخلي علانية عن أهم القيم الأوربية وهي العدالة الإنسانية، فعلى سبيل المثال، في إيطاليا حيث الاقتصاد الضعيف، والشلل السياسي شبه الدائم الذي يبث القلق في نفوس المواطنين وقلقهم الدائم على الوظائف.

فاز حزب لاليغا، وهو حزب مناهض بشدة للمهاجرين، في الانتخابات العامة الأخيرة في إيطاليا بنسبة ١٧.٤% من الأصوات وهو ما يساوي أربعة أضعاف ما كانوا يحصلون عليه سابقاً من الأصوات، ويعتقد أن السبب الرئيسي لهذا الفوز هو وعود رئيس الحزب ماتيو سالفيني بإعادة مئات الآلاف من الأجانب إلى بلدانهم الأصلية، ودعوته إلى عدم إنقاذ المهاجرين القادمين إلى الشواطئ الإيطالية وتركهم يموتون غرقاً، وهو نفسه من رفع شعار “إيطاليا أولاً” الذي يحمل إشارات للعنصرية والكراهية بين أحرفه القليلة.

نعم هكذا استُخدم اللاجئ في الأرض الموعودة التي اعتقد أنها ستكون البديل المناسب لوطنه. ويمكن ملاحظة التفاوت بين الدول الأوربية في التعامل مع قضايا اللاجئين فمقابل النموذج الإيطالي يوجد النموذج البريطاني الذي يعمل بشكل منظم على عملية الاستيعاب والانصهار، فيصبح هذا المهاجر بشكل أو بآخر جزءاً من المجتمع المضيف ويتم ذلك عن طريق إيجاد برامج مستمرة ومتنوعة تتيح للطرفين التبادل الثقافي مع احترام خصوصية الاحتفاظ ببعض الميراث الثقافي. بينما يعمل النموذج الفرنسي على انصهار المهاجر كلياً وتخليه عن الموروث الثقافي بالكامل.

وتعتبر هجرة العقول والكفاءات العلمية أخطر أنواع الهجرة، وتولي الدول المستقبلة هذه الفئة اهتماماً أكبر، ويتم استيعابهم في أوربا والولايات المتحدة بشكل مرن جداً، هذه العقول المهاجرة تمثل الرأسمال البشري والمعرفي للمنطقة العربية، وبسبب عدم حصولهم على الاهتمام اللازم في بلدانهم وعدم حصولهم على الفرص التي تتناسب مع كفاءاتهم أو بسبب عدم الحصول على المقابل المادي الملائم يلجئون إلى دول تقدر إمكانياتهم، وهذا ما يعد خسارة كبيرة لأوطانهم الأصلية.

وأخيرا يجب على حكومات الدول العربية تشجيع عودة اللاجئين من ذوي المهارات والكفاءات، وتوفير فرص العمل عند العودة، والعمل على دراسة مسببات هذه الهجرة والعمل على إيجاد الحلول لها، ومما لا شك فيه أن نسبة الشباب العربي الراغب في الهجرة مرتفعة جداً.

ويشير ذلك إلى عجز البرامج والسياسات التنموية التي اتبعتها الحكومات في المنطقة العربية عن استيعاب الشباب واحتياجاتهم والقدرة على إدماجهم في عملية التنمية، والعمل على ترسيخ دعائم اقتصاد متين منفتح، من خلال الاستفادة من طاقاتها الشبابية وفتح مجالات العمل أمام الشباب والاستخدام الأمثل لهم والاستفادة منهم في بناء أوطانهم ، والانفتاح على الحريات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

 

سفيربرس ـ بقلم : د . عبـــير الحــــيّالي
 باحثة في الإعلام الدولي لندن

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *