إعلان
إعلان

العلاقات السوريّة – العربيّة إلى أين . ؟.بقلم : الإعلاميّة د. عبير الحــيّالي

سفيربرس ـ لندن

إعلان

يحدثنا القرآن الكريم أنه كان لنبي الله يعقوب عليه السلام اثنا عشر ولداً من الذكور، ومن هؤلاء الأولاد سيدنا يوسف عليه السلام الذي كان بارزا بين أخوته، جميل الوجه حسن الخلقة، وكان المفضل عند والده؛ فكان ذلك سبباً في كيدهم له. وألقى الأخوة يوسف في بئر عميق وعانى ماعاناه إلى أن نجاه الله، وأعزه، ونصره، إلى أن أصبح عزيز مصر. وفي سنوات القحط سافر الأخوة يلتمسون بعض الطعام وليس لديهم إلا بضاعة رديئة، فرد عليهم يوسف بهذا السؤال: (قال هل علمتم مافعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون). وفي قصة سيدنا يوسف عاد الأخوة إلى أخوّتهم نادمين، وصادقين، ومتعاضدين ومحبين لبعضهم بعضا، وإذا كان التاريخ يعيد نفسه، فهل نشهد هذا التسامح والمغفرة بين سوريا وأشقائها بعد سبع سنوات عجاف، مرّت ثقيلة حاملة بين طياتها الألم، والمرارة والعزلة والموت؟ .

إن ترتيب الأوراق الدبلوماسية بما يخص العلاقات السورية- العربية هو أمر شديد التعقيد، حيث شهدت الساحة العربية خلال الأشهر الأخيرة تطوراً ملفتاً، وملحوظا، كان أولها ذلك اللقاء الذي أثار الدهشة بين وزير الخارجية السوري وليد المعلم ونظيره البحريني على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر من العام المنصرم، وانتهى بعناق مميز بين الوزيرين وحمل معه الكثير من الإشارات المبهمة. أعقبها زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق ليصبح أول رئيس عربي يزور سوريا منذ بداية الأزمة، بالإضافة إلى زيارة رئيس مكتب الأمن الوطني السوري إلى القاهرة وإجراء محادثات على أعلى المستويات الأمنية، وإعادة فتح خطوط الطيران والروابط السياحية بين تونس ودمشق. وفي خطوة دبلوماسية هامة، رفُع العلم الإماراتي في مقر السفارة الإماراتية في العاصمة السورية دمشق، وهي المرة الأولى منذ سبع سنوات، وهو مايمكن اعتباره تمهيداً لتحسين العلاقات السورية-العربية مع انتهاء الحرب، وهذه الخطوات المتلاحقة والسريعة تشير إلى بداية انفتاح عربي على سوريا.

وكانت جامعة الدول العربية قد علقت عضوية سوريا بعد وقت قصير من اندلاع الحرب في عام ٢٠١١، ودخلت منذ ذلك الحين العلاقات السورية-العربية أسوء مراحلها عبر التاريخ. حيث أغلقت معظم الدول العربية سفاراتها في دمشق وانقسم “الأشقاء” مابين محارب للحكومة السورية أو ساكت متفرج يراقب ما ستؤول إليه الأمور، ولم يكن لهذه الدول أي محاولات إيجابية أو جادة للحفاظ على سوريا ووحدتها وأراضيها، بل على العكس تماماً امتدت الأيدي العربية لمصافحة الغرب والتعاون معه لتغذية الفتنة وإشعالها بطرق مختلفة. دمشق التي طالما اعتقد البعض وجاهر وراهن على أنّ لديها طريقاً واحداً للذهاب فقط، وهو الطريق الذي تم فرضه عليها من الخارج ومن بعض الدول العربية، ولكنها تمكنت من الفوز بجولة العودة التي قررت انتزاعها بالتصميم والمثابرة والصبر. وقد بدأت ملامح طريق العودة عندما تمكنت قوات الجيش العربي السوري من تحقيق سلسلة من الانتصارات العسكرية في السنوات الأخيرة بمساعدة حلفائهم الروس والإيرانيين، وربما أهمها: عندما تمكنت من هزيمة الخارجين على القانون في الجنوب السوري في الصيف الفائت، وعندما انتصرت في معركة طرد داعش من المناطق القريبة من دمشق، والأهم من ذلك أنها تمكنت من عزلهم في إدلب شمال سوريا حيث تدخلت تركيا لحمايتهم ظاهرياً ولاستخدامهم كأوراق للمساومة مستقبلاً.

خطت الدول العربية بشكل عام خطوات كبيرة لإذابة جبل الجليد بينها وبين سوريا، ودعت جامعة الدول العربية بشكل منظّم ومنسّق إلى “إعادة سوريا إلى العمل العربي المشترك”، كما دعت إلى عودة سوريا لمقعدها في جامعة الدول العربية، الذي ضل شاغراً خلال السبع سنوات الماضية، وهذا الواقع الجديد هو نتاج لانتصارات ميدانية استطاعت الحكومة السورية تحقيقها، بالإضافة إلى إيمان الجانب العربي أن هناك خطراً حقيقياً يهدد استقرار المنطقة وخصوصاً بعد جولات أمريكية وأوربية لمحاصرة المملكة العربية السعودية، وإعادة النظر في طبيعة العلاقات معها. كما أنني لا أعتقد أن هذه المحاولات متعلقة فقط بعودة سوريا إلى مكانها بين شقيقاتها، وإنما هي إعادة هيكلة كاملة للعلاقات العربية بشكل عام، والتي ربما يهدف بعض العرب من ورائها إلى تقليص الأدوار غير العربية في المنطقة كتركيا وإيران. وهو الأمر الذي بدا واضحاً في تصريحات الملك سلمان، الذي أكّد على رغبة المملكة بإيجاد حل سياسي لحل الأزمة السورية والقضاء على التنظيمات الإرهابية، وإبعاد كل المؤثرات الخارجية، وهنا يشير الملك إلى تركيا وإيران. ومثلها، أكدت وزارة الخارجية الإماراتية مراراً أنها حريصة من خلال إعادة فتح السفارة إلى إعادة العلاقة بين البلدين الشقيقتين إلى طبيعتها. وتعتقد الإمارات أن هذه الخطوة سيكون لها نصيب في تفعيل الدور العربي في دعم استقلال سوريا وسيادتها، ومنع مخاطر التدخل الإقليمي في الشؤون العربية السورية. ولا شك عندي، إن إعادة فتح السفارة الإماراتية هي أهم خطوة علنية حتى الآن وأبرز مؤشر نحو إعادة سوريا إلى مكانتها السابقة، حيث أنّه من المرجح جدا أن تكون هذه الخطوة قد تمت بالتنسيق مع المملكة العربية السعودية، الحليفة الوثيقة للإمارات.

ربما أثارت هذه الخطوات المتسارعة بعض الاستغراب لدى الناس، ولكنّ وقعها لم يكن كذلك على المراقبين للوضع العربي عموماً، والوضع السوري تحديداً، وأنا اعتقد أن السؤال المهم هنا هو “لماذا الآن”؟.

أتت هذه الخطوات الجدّية كنتيجة لتدهور الوضع في العالم العربي على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتنموية، فجميع الدول العربية تبحث عن منطقة مستقرة خالية من الحروب، وهدوء سوريا واستقرارها هو خطوة في هذا الاتجاه، وسيساهم في تحقيق هذا المطلب. حيث عاشت مجموعة من الدول العربية في السنوات الماضية تجارب تعاونية مختلفة مع الدول الأوربية، والولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى التعاون مع الدول الإقليمية وتعرضت لخيبات أمل متتالية، واستغلال اقتصادي على أعلى المستويات، وربما كانت هذه التجارب فرصة لإعادة النظر في مدى حاجتها إلى المحيط العربي وضرورة العمل على تحسين مستوى العمل العربي المشترك.

ليس خافيا أن المشهد لم يخل من قلق سعودي- إماراتي، من التمدد التركي في سوريا وهو مالاترغب به الحليفتان، حيث ترى الإمارات العربية ومناصرون آخرون وخصوصاً في الخليج من أنّ احتضان تركيا للإسلاميين الإقليميين يشكل خطراً واضحاً على المنطقة. بالإضافة إلى الملف الإيراني الذي يقلق دول الخليج العربي، حيث أنهم لايريدون المزيد من المساحات المفتوحة أمام إيران في المنطقة بشكل عام، وفي سوريا بشكل خاص. وإن قرار الولايات المتحدة سحب ٢٠٠٠ جندي أمريكي من الصحراء الشرقية، لعب دوراً هاماً في ذلك، ومن المؤكد أن الحكومة السورية سوف تبسط سيطرتها على كامل هذه الأراضي من خلال الاتفاق مع القوات الكردية التي لا تمتلك أي خيار آخر سوى عودتها إلى الوطن السوري الأم، وخصوصاً أنها بين فكيّ كماشة، فهي إما أن تواجه تركيا المتربصة لها، أو أن تواجه المجموعات الإرهابية متفردة، ولذلك سنرى المنطقة الشرقية قريباً خالية من الجيوش الأجنبية وستنجح القوات السورية بالقضاء على المجموعات الإرهابية. وهذا الجزء الشرقي من سوريا كانت قد أعلنت المملكة العربية السعودية عن رغبتها في الاستثمار به، وإعادة إعماره عندما كانت بعض أجزاءه تحت السيطرة الأمريكية، ولإكمال مشروع الإعمار فلابد من التعاون مع الحكومة في دمشق بعد انسحاب القوات الأمريكية، وإعادة فتح السفارات وعودة الدفء بين الأشقاء العرب وسوريا، وربما يكون هذا ما يتعلق بالشق الاقتصادي.

وختاما، يقول تشرشل (لو بدأنا معركة بين الماضي والحاضر فسوف نجد أننا نخسر المستقبل)، وهذا ما ينطبق تماماً على الواقع العربي. ففي الحلم العربي، رأينا اثنين وعشرين كوكباً تدور في سمائنا. وقد قالوا لنا منذ نعومة أظفارنا أنهم أخوة ينتمون لهذا الوطن العربي الكبير، ويحملون ذات الهموم وذات القضايا، وذات اللغة.. وتصب مياه مصالحهم في محيط واسع كبير، إلى أن شهدنا تلك الصخور التي منعت المياه من تدفقها، وجف المحيط.. على الرغم من أنه تتوفر في العالم العربي جميع المقومات التي تجعل دوله في مصافّ الدول المتقدمة إذا ما اجتمعوا على طاولة واحدة مقدمين مصالح دولهم على أية مصالح أخرى.. وستعود سوريا لتأخذ مكانتها الطبيعية التي تستحقها بعد هذه السنوات القاسية، وربما نجد في عودة سوريا فرصة حقيقية لإعادة هيكلة العلاقات العربية-العربية من جديد، وإيجاد وسائل للتعاون والعمل العربي المشترك، وخلق السبل لإزالة كل المعوقات الخارجية لإنجاح هكذا خطوة.

سفيربرس ـ بقلم : د . عبـــير الحــــيّالي
باحثة في الإعلام الدولي لندن

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *