إعلان
إعلان

 من ذاكرة الفرات ..بقلم : أحمد رشاد

سفيربرس

إعلان

هنا عند ضفاف الفرات يلتقي الماء بالصحراء ليشكّلا صورةً نادرةً جميلة حتى نهايات المشتهى كونتها قدرة الخالق المبدع, جلَّ منْ صوّر.
أمام عظمة الفرات وعراقة تاريخه , يقف المرء مشدوهاً صامتاً, وللصمت دلالات وللفرات أسراره, أضحك الكثيرين وأبكى الأكثر, وعرف عن الخفايا وحكايات الليل ما لا يعرفه أحدٌ سواه, ولو نطق ذات يوم لكان له ما كان للشعراء وللشعر, غير أنه آثر السكوت وحكمة الصمت, ومن هذا الذي يستطيع أن يكشف سر صمت الفرات؟
له السحر مدى السحر يجتذب القلوب والعقول, علقت بشباكه, صار لها هوى وملهماً, فغنت له دهوراً وعصوراً أنشودة الزمان.
منح حياةً و احتضن حضارة وكان مهداً لهما. هو الروح لهذه المنطقة, وعلى ضفتيه عاشت صبية ارتدت ثوب عزها وتاج جمالها وغار نصرها, سيداً لها وأباً عطوفاً ظل هو. إن ابتسمت له ضحك لها على مدّ ضفتيه, وإن غضب فعلى الدنيا السلام, هو الأصيل ومن بمقدوره شدّ لجام الأصيل إن ثار؟
لقد حان أوان الغضب وعليهم أن يقدموا ابنة العشرين وما دون أو ما فوق ذلك فدية, وليس للسن اعتبار, والرضا والتسليم سبّحة الجميع.ليس باليد حيلة, فالحكم للأقوى ومن أقوى من الفرات والصحراء إن اجتمعا؟
اقتلع الأشجار التي سقاها من شريانه لتكبر, وحين أدركت سن البلوغ حُقّ على شمسها أن تغيب وحان موعد الرحيل, فحملها على كفه وغادرا برفقة عروس تُزفُّ إلى الشرق والشرق بعيد والماء موكب عرس والحناء ما زالت تُداف والشمع على ألواحه وإلى أين المسير؟
هدأت ثورته وراح مَنْ راح وضاع ما ضاع والكل ينسى أو يتناسى والفرات لا يفعل ما يفعلون, وموسم العشق آتٍ وعلى الروابي عشب الحياة من جديد . وديعاً يغدو الفرات ويسهل امتطائه وتكثر القِربُ ويرتوي الجود والنهر سلسبيل والنبع عذبٌ, والصبايا اشتقن لموعد فض الشعر ونشر الثياب على أغصان غَرَبه, والزل ملاذ المحبين, والشرائع تعج بالحركة, والقادمون كثير, و لهم عودة في الغد , وكلما ارتفعت الشمس ازداد ظل الأشجار خجلاً فاقترب من أمه, وما أن وصلت كبد السماء حتى كان الماء أولى بالأجساد ليطفئ لهيب اليوم والشوق.
وشدت شمسنا رحال المغيب فتطايرت من على الأغصان حمر الثياب ومزركشها لتعود إلى البيت ببعض سر الحياة , وعلى حدود خط الأفق ظلت مستديرة حمراء خجلى على صفحة الماء ترتقب حبيباً قد طال سفره, وعسى أن يعود اليوم .
خيم الصمت على الشاطئ ونامت الرمال وصوت الرباب من بعيد يبدّد وحشة العتمة والشعر سمير الندامى والعتابا تهيم والصوت يذهل السامعين ويتوج القصيد ختام السهر وينتهي الليل وما انتهت تلك الصور, ويولد فجر جديد لتوقظ الشمس من أضناه سهر الأمس فالتحف ضلال الشجر مفترشا رمل أحلامه, وهبت نسائم الصباح حاملة ريح الشيح والقيصوم والنيتول وعلى مدّ البصر انتصبت الخيام السود وثوب الجلال والوقار والنعنع البري مازال غضاً والنجر يعانق ابنة اليمن وخلف البيت تصهل (الكحيلة) والعباءة والبردي يشكّل سياج الآمان وخلف التلال ترتع بنات الضان وحليب النوق حلو المذاق وابنة الستين تسبّح بحمد ربها والصبح بكرٌ وكذا الأرض والعين.
بالأمس كان هذا كله واليوم صار عزيز المنال.

سفيربرس _أحمد رشاد

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *