إعلان
إعلان

سورية والصين … صداقة من نوع آخر د. شاهر إسماعيل الشاهر

#سفيربرس

إعلان

تعود العلاقات الصينية السورية إلى مئات السنين، فسورية وبحكم موقعها بين القارات الثلاث، شكلت الطريق التجاري الذي ربط بين الصين والدول العربية والذي سمي سابقاً طريق الحرير. ومنذ نشأة جمهورية الصين الشعبية عام 1949 شكلت سوريا خط الدفاع الأول عن مصالح الصين في آسيا الوسطى والقوقاز، وجسراً لوصول البترول من روسيا الاتحادية إلى الصين، وبلداً العبور لمعظم النفط العراقي ما بين عامي 1934- 1982، والنفط السعودي في الفترة 1973- 1982. وتعد سورية الرابط الأساسي لمشروع البحار الخمسة الذي طرحه الرئيس السوري بشار الأسد ولمتوافق مع مشروع الحزام والطريق الصيني.
وقعت الصين وسوريا في العام 1955 اتفاقية دفع التجارة، وتعود العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى العام 1956 وهي اقدم علاقة دبلوماسية بين الصين والدول العربية. وفي العام 1957 وقفت الصين الى جانب سورية في التصدي للأسطول السابع الذي أرسلته تركيا لتهديدها بتحريض أمريكي. لكن الخلاف الصيني مع الاتحاد السوفياتي هو ما أعاق تطور العلاقات الصينية السورية. وعلى الرغم من انحياز سورية للاتحاد السوفيتي فقد حرصت الصين على استمرار تواصلها السياسي معها، ووقع معها مجموعة من الاتفاقيات، منها: اتفاقية لزيادة التعاون التجاري جرى توقيعها عام 1963، وأخرى للتعاون الثقافي عام 1965 وقد شكلت أول تعاون ثقافي بين الدولتين.
وبعد توقيع مصر معاهدة كامب ديفيد عام 1978، باتت سوريا نقطة التوازن الوحيدة في منطقة الشرق الاوسط في وجه السيطرة الغربية، ما أسهم في تحسن العلاقة مع الصين. وعندما قامت الحرب العراقية- الإيرانية 19801988 تحسنت العلاقات السورية الصينية بسبب موقفهما الواحد من هذه الحرب فوقعت الصين مع سوريا عام 1982 اتفاق تجاري طويل الأجل حلّ محل اتفاقية عام 1963. وأبدت بكين استعدادها لتزويد سورية بتكنولوجيا الصواريخ متوسطة المدى، بعد أن رفض الاتحاد السوفيتي هذا الطلب.
وفي عام 1985 قدمت بكين مساعدات عسكرية وصفقات شراء أسلحة، وقامت بتدريب الخبراء السوريين على كيفية استخدامها، وساعدت الحكومة السورية في بناء مصانع لإنتاج الصواريخ في مدينتي حلب وحماة. ووقع الجانبان العديد من الاتفاقيات منها: اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة، والاتفاق على تقديم قرض بقيمة مائة مليون يوان لمدة عشر سنوات، لاستخدامه في تمويل مشاريع بترولية ومعامل إنتاج الغزل في مدينة حماة السورية عام 1996. كما قدمت الحكومة الصينية عدة منح بقيمة عشرين مليون يوان على شكل هبات لا ترد خلال عام 1999. وشهد التبادل التجاري بين البلدين تطوراً ملحوظاً، فارتفع من سبعين مليون دولار أمريكي عام 1989 إلى مائة وخمسين مليون دولار أمريكي في عام 2000.
ورفضت الصين المبدأ الذي تتبناه الولايات المتحدة والدول الغربية والذي يقوم على فرض العقوبات على الدول التي تتعارض مع سياساتها كالعراق وإيران وسورية وكوريا الشمالية. ففي أواسط التسعينيات في القرن الماضي قامت بتزويد سورية بمئة وخمسين صاروخ أرض- أرض مضاد للدبابات، متمردة على قرار الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة على البلدان العربية، وخاصة سورية، لشراء الأسلحة، وقد ساعد ذلك على تطوير العلاقات العسكرية بين الصين وسورية.
وفي العام 2004 قام الرئيس السوري بشار الأسد بزيارة الصين لأول مرة، وتم التركيز في هذه الزيارة على التعاون الاقتصادي بين البلدين، حيث تؤمن سوريا سوقاً جديدة للصين، وشملت الاستثمارات الصينية في سوريا عقود ناقلات النفط والطاقة، ومرافق التصنيع والعمال فى الخارج.
وفي الفترة 2004-2005 وقع الطرفان الصيني والسوري على اتفاقات للتعاون في مجالات النفط والغاز والزراعة والصحة والعلوم الطبية والسياحة والتعليم والثقافة والموسيقى والمسرح. ومنحت الصين قروضاً ميسرة لسوريا. وتدفقت الشركات الصينية للاستثمار في مجالي النفط والإسمنت. كما تمَّ إنشاء مدينة عدرا الصناعية في سوريا بمساعدة صينية. وقفز حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى تسعمائة مليون دولار أمريكي عام 2005.
لقد ارتكزت السياسة الخارجية الصينية تجاه سورية على تقاطع عاملي المصلحة والأيديولوجيا، وهذان العاملان كانا ومازالا محددان أصيلان لسياسة الصين الخارجية، ولهما جذورهما في الفكر السياسي الصيني. فبين ما تشكله سورية من أهمية جيوسياسية واقتصادية للصين، وبين سياسة الصين الثابتة والمتمثلة في رفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول وتحقيق العدالة وإرجاع الحقوق، استطاعت بكين أن تضع ملامح سياستها الخارجية تجاه سورية بانسجام تام بين تحقيق مصالحها الوطنية والدفاع عن المبادئ التي تؤمن بها والتي شكلت هوية خاصة للسياسة الصينية.
وعندما بدأت الحرب على سورية، كان موقف الصين من الدولة السورية إيجابياً وبنّاءً، إذ رأت أن ما يحدث في سورية هو نزاع مسلّح بين الدولة الشرعية ومجموعات مسلحة متطرفة خارجة على القانون، فرحبت بجهود حلّ الأزمة السورية بشكل سلمي ضمن إطار مؤتمر جنيف. فدمشق بالنسبة لبكين تُمثل “استثناءً أيديولوجياً على صعيد الشرق الأوسط، من حيث نمط الخيارات الفكرية والأيديولوجية المؤطرة للدولة والسياسة السورية، إضافة إلى التنوع الحضاري للمجتمع السوري، وتعدديته الثقافية والاجتماعية.
إن موقف الصين من الحرب على سورية، استند بالإضافة إلى اعتبارات المصلحة والأيديولوجيا، إلى اعتبار سعي الصين لحفظ وتعزيز نفوذها في معادلة توازنات القوى الدولية في منطقة الشرق الأوسط. فبكين باتت أحد الأقطاب الرئيسة في العالم، وما التطور في السياسة الخارجية الصينية تجاه سورية إلا انعكاس لتصاعد مكانة الصين وقوتها.
فأهمية سورية لا تأتي فقط من أهميتها الجغرافية، بل من الدور الذي تلعبه في محيطها الإقليمي. فكون سورية أهم دولة في منطقة الشرق الأوسط هذه حقيقة استراتيجية وليس إدراك مبالغ فيه للمكانة الإقليمية. لذا بدء السعي إلى تحويل سورية من دولة ناشطة جيوستراتيجياً (دولة مؤثرة)، إلى دولة مهمة جيوسياسياً (دول متأثرة). ولعل أكبر انتصار في مواجهة الحرب على سورية هو بقاء الدولة السورية، وقد فشلوا في تقسيمها أو انهاء وجودها.
لقد أتاحت مجموعة الظروف هذه، لسورية أن تلعب أدواراً مهمة في منطقتها، نُظر إليها على أنها أكبر من حجمها وقدراتها الحقيقية، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي، غير أنه كان لذلك أيضاً أثر سلبي، على اعتبار أن الدور السوري لم يبن على مقومات حقيقية، بقدر ما بني وتأسس على وقائع ظرفية، وظروف دولية عابرة.
وفي المحصلة النهائية، فإن هذه الميزات الجيوبوليتيكية جميعها جعلت من سورية بلداً ذا منفعة حيوية بالنسبة للدول المعنية بالمنطقة، كما جعلت منه نقطة استقطاب مهمة لمطامح هذه الدول اقتصادياً وسياسيا وعسكرياً، مما يعني موضوعياً تحويله إلى مركز تجاذب ومن ثم التأثير في شعبه وسيادته واستقراره ونظم الحياة فيه. فالصراع الحقيقي على سورية هو بين قوى تريد تغيير الخرائط وقوى تريد الحفاظ عليها، وباقي موضوعات الصراع مجرد خطابات دعائية. فلو كانت الأطراف تريد ارجاع سورية إلى ما كانت عليه قبل بداية الأزمة لتمت تسويتها لكن الكل يريد خلق وضع جديد يخدم مصالحه. وأن الصراع في سورية لابد وأن يكون مؤثراً في أقصى الحدود على التوازن الدولي ككل.

#سفيربرس _ بقلم :د. شاهر إسماعيل الشاهر
بروفيسور في كلية الدراسات الدولية
جامعة صن يات سين- الصين

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *