إعلان
إعلان

قراءة تفكيكية للعدوان التركي على سورية….بقلم : د. شاهر إسماعيل الشاهر

#سفيربرس

إعلان

بداية لابد من الاشارة إلى أن الأكراد مكون أساسي من مكونات الشعب السوري تقاسمنا معهم السراء والضراء، ولم نكن إلا أخوة وأشقاء، وإن حدثت خلافات فهي خلاف الأخوة والمحبة. أما الجماعات الكردية المسلحة فهم لا يمثلون الشعب الكردي السوري، بل هم سماسرة سياسة مثلهم مثل غيرهم من السماسرة المحسوبين على باقي شرائح المجتمع السوري…
الأحداث تثبت أمرين: الغباء السياسي لدى القيادات الكردية، وهو غباء منقطع النظير، وعدم قدرة على قراءة الأحداث والمتغيرات المحيطة بهم. أو العمالة والارتهان للآخر لإعطائه المبررات لاجتياح وطننا الحبيب سورية.
ومن المفيد أيضاً أن لا نبرئ أنفسنا نحن العرب، فالعمود الفقري لعصابات قسد كان من أبناء العشائر العربية الموجودة في المنطقة، وهم نوعين: نوع غرر به وانتسب إلى قسد عندما كانت تقاتل داعش وتحقق الانتصارات التي توجت بتحرير الرقة عاصمة داعش المزعومة. أما النوع الآخر، فهو من اللصوص والمرتزقة الذين لا يعنيهم الوطن بشيء، وما يهمهم هو الفوضى والنزوح ليقوموا بسرقة ممتلكات الأهالي هناك.
كما أن من الثابت فشلنا في جعل الأكراد يشعرون أنهم مكون من مكونات المجتمع السوري، لا يختلف عن باقي المكونات في الحقوق والواجبات، بل ظلوا يعيشون حالة من التمييز والمعاملة الدونية التي ربما شكلت مبرراً من وجهة نظر بعضهم لما يقومون به اليوم، فغياب المواطنة الحقيقية سمة بارزة لمجتمعنا حسب ما كشفت لنا الأحداث.
ساذج من لم يتوقع ما وصلنا إليه اليوم، بعد أن قامت الدولة بدعم ميليشيات قسد على حساب ابناء القبائل العربية، لكن الواقع السياسي فرض نفسه عندها، حيث تصدت قسد لمقاتلة فصائل عصابات داعش وكسرتهم في أكثر من معركة. وهو ما ترك أثراً ليس بطيب وقتها عند العرب من أبناء تلك المناطق تجاه الدعم الحكومي للكرد.
الدولة الكردية المزعومة والتي تحلم قسد بقيامها ليست سوى أوهام لمن يقرأ ألف باء السياسة، وكان هناك درس قريب يؤكد صحة ما نقول: فعندما أعلن مسعود البرزاني قيام الدولة الكردية في أربيل ثم اضطر للتراجع. فالظروف الاقليمية والدولية والمحلية كلها لا تسمح بقيام هكذا كيان، نعم هو كيان مزعوم لا يستند الى أي مبرر من مبررات قيام الدول. لشعب لا يمتلك أي حق في الدولة السورية سوى حق المواطنة. بحكم عيشهم لعشرات السنوات في هذا البلد لا أكثر.
والأكثر غرابة أن قسد رأت أنه ربما إذا جعلت نفسها حذاء للأمريكي في المنطقة فسيدعمها ويقف معها في مطلبها لقيام كيانهم، رغم أن كل الدروس التاريخية تقول أن الأمريكان لا يريدون حلفاء، بل أدوات يتركونهم بعد الانتهاء من خدماتهم، وهو ما نبه إليه الرئيس بشار الأسد مرات عدة.
وكانت الدولة السورية قد وجهت عدة نداءات لهذه العصابات لتغليب العقل والمنطق وعدم الارتماء في أحضان الأمريكي أو اعطاء التركي فرصة للتدخل، لكنهم لم يقبلوا إلا أن يكونوا طابوراً خامساً في خاصرة الدولة السورية….
تركيا التي يشكل الفكر الإخواني المحدد الرئيس لسياستها الخارجية، لم تعد تحتمل الهزائم والانكسارات التي تعرضت لها أدواتها في سورية، والتي بدأت تعاني من ملف اللاجئين السوريين وتبعاته، حيث بدأت تبحث عن أي وسيلة للخلاص من هؤلاء الأذلاء، الذين أثبتت لهم الأيام أن أنقرة لم ترى فيهم سوى ورقة للضغط على الحكومة السورية من جهة، وتهديد أوروبة بتصديرهم إليها من جهة أخرى، وابتزاز المنظمات الدولية للحصول على المساعدات بحجة ايواء هؤلاء من جهة ثالثة.
ترامب الذي لم ينس التوجه التركي نحو موسكو وشراء صواريخ S400 لتكون أول دولة من دول حلف الاطلسي تتسلح بأسلحة روسية الصنع. لقد أراد ترامب لأردوغان الخوض أكثر في المستنقع السوري فأعلن سحب قواته من المناطق التي تود القوات التركية اجتياحها، وما يثبت ذلك هو منعه للطيران التركي من التحليق والمشاركة في المعركة لأن ذلك سيطيل في أمد الحرب ويستنزف الجيش التركي، والعمل على فرض عقوبات اقتصادية معينة على أنقرة تؤدي بالنهاية إلى اضعاف الليرة التركية أمام الدولار.
أما الخونة السوريين بالهوية في الجيش اللا وطني السوري فالكلام يقف عاجزاً عن وصف من يدخل مع القوات الغازية إلى أرض وطنه مهما كانت الأسباب. لكنه مكانكم المناسب الذي وضعكم به الأتراك ليس حباً بكم، بل لتكونوا دريئة أمام القوات التركية المحتلة، لقد هنتم ولبسكم العار إلى أبد الآبدين.
أما الموقف الروسي، فقد شكل مثالاً للبراغماتية السياسية، فروسيا المنزعجة من قسد بسبب رفضها الدخول بحوار مع الدولة السورية، والمنغاضة من النظام التركي الذي لم يقبل وساطتها مع دمشق للعودة إلى تطبيق اتفاق أظنة. أرادت نقل الاكراد من ورقة أمريكية إلى ورقة روسية بعد أن نجحت موسكو في احداث شرخ في علاقة تركيا مع الولايات المتحدة الامريكية، خاصة بعد الانقلاب العسكري ضد أردوغان، ومن ثم التوصل إلى تزويد تركيا بالصواريخ الروسية. لقد أرادت موسكو للطرفين المتصارعين استنزاف بعضهما البعض، ومن ثم العودة إليها لتكون الوسيط بينهم من جهة، وبينهم وبين دمشق من جهة أخرى، وهو ما يفسر الموقف الروسي في مجلس الأمن وهو ما ستثبته الأيام القادمة.
أما ايران الصديق والحليف لسورية والمنغاظة من السلوك التركي الأرعن، فقد كان مبرراً موقفها التصعيدي إزاء أنقرة والذي تجسد بإلغاء زيارة مقررة لرئيس مجلس النواب الايراني علي لاريجاني إلى تركية كتعبير عن المعارضة الايرانية لسلوك أنقرة، والتأكيد على وحدة وسلامة الاراضي السورية.
أما الدول الاوربية التي تحركت لاستصدار قرار في مجلس الامن يوقف العدوان التركي فهم نفسهم الدول التي وقفت ضد سورية منذ بداية الحرب، وبالتأكيد فإن حرصهم ليس على سورية. ويقف خلف هذه الدول العربية التي شاركت في تدمير سورية والتي وجدت نفسها ربما مضطرة بطريقة ما أن تقف إلى جانب الدولة السورية في وجه هذا العدوان التركي الغاشم. أما الجامعة العربية والتي لعبت دوراً قذراً في الحرب على سورية فكانت أداة بيد المال الخليجي في قراراتها، فقد اتخذت اجراءات هزيلة، تماماً كما هي، هذه الاجراءات التي لن تعدو الشجب والاستنكار.
الدولة الوطنية السورية وعبر وزارة الخارجية حاولت تفويت الفرصة على التدخل الخارجي، وسعت بكل الوسائل المتاحة لحل المشكلة مع عصابات قسد التي رفضت وأصرت على تحقيق حلمها الواهن. ومن وجهة نظري، وهي بكل تأكيد خطأ يحتمل الصواب، الدولة السورية تنتظر وتتحلى بالصبر الاستراتيجي وتكتفي بالرفض والشجب التكتيكي، وتعد العدة للتعامل مع المنتصر المهزوم فيما بعد، فأعداء البارحة وجدوا أنفسهم من حيث لا يدرون يقفون إلى جانب سورية فيما تتعرض له.. الأيام القادمة تحمل بداية النهاية لأصعب وأقذر حرب تتعرض لها دولة في التاريخ الحديث… دولة سيكون قدرها إعادة صياغة النظام الدولي ككل….

#سفيربرس _ بقلم : د. شاهر إسماعيل الشاعر

 بروفيسور في كلية الدراسات الدولية- الصين

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *