آخر ليلة في دمشق …ـ بقلم : المثنى علوش
#سفيربرس
السادسة و النصف مساءً..لا عشاء مميز ..قطعة الطماطم و بعض الزيت الاخضر و الملح و الكثير من الخبز على أنه درعنا في مواجهة العدو و الصعاب و الاوبئة الخ..
اكلت اكلت حتى انفجر شيء ما داخل معدتي أشعرني بالغثيان .. تركت الطاولة و عدت الى السرير كعادتي لتسلية نفسي ببعض الذكريات.. فمنها الخبيث و منها اللطيف و منها المريح .. لكن ما لفت انتباهي انني أعاني من فرط التذكر.. فمثلا تذكرت البارحة أول صبية طارحتني الغرام على هذا الفراش ذاته .. و كيف كانت مستعدة للبقاء تلك الليلة لكني و بجهد جهيد أقنعتها ان والدتي ستأتي بين ساعة و أخرى و ليس من اللائق أن تقبض علينا متلبسين .. خصوصاً أننا قد نسينا صنبور الماء في المطبخ و قد حصل ما يشبه الطوفان .
يفصلني عن هذا الحدث اللطيف ثلاثون عاماً .. و لازال يأتي الى ذاكرتي كل يوم او يومين على الأكثر..على حسب توجهاتي المزاجية.
على سيرة المزاج و بما أن ذاكرتي لا تخونني .. سبق و أن استشرت طبيب الاعصاب ناهد تركماني و هو احد اهم اليساريين في تلك الحقبة( التسعينيات) … و انتهى الى نتيجة مفادها أن كل ما شعرت به من ألم في معدتي هو بسبب التفكير العشوائي بألم المعدة.. و قال أن التفكير السوي و المنتظم سيخفف كثيراً من هول المشكلة و يساعد تباعا في تخفيف الالم. أشفق عليه فقد حوصر مع عائلته أيام حركة الاخوان المسلمون في حماه و استطاع الهرب بعد ان توفيت زوجته اثر سكتة قلبية من شدة الخوف و الهلع و شفقتي هذه تعود لأنه فقد زوجته و ليس لحصاره و تشرده .
تتميز وصفته ببعض السطحية لان واحدا مثلي يحتاج الى حبة دواء او اي شيء ملموس و مادي حتى يصدق ان العلة ستزول.. لكن للاسف لم ينفع علاجه مطلقا و ازداد الوضع سوءاً إلى أن تسلم احد أصدقائي وزيراً للتربية آنذاك..و كان معروفاً عنه ( وزير التربية) ضيق أفقه و خشبية مواقفه. حيث وافق مباشرة على تعيين زوجتي مدرسة في أحد الضواحي الشرقية للعاصمة مما اضطرني لنقل كل ما يخصني الى العاصمة و ترك الجمل بما حمل .
على ذكر دمشق…
تمنيت لو أن سعادة الوزير أثنى على جهودي بنقل الأمتعة و قتال الشوارع مع العمال الذين أخرجوا روحي و أعادوها حتى انتهينا من ترتيب المنزل و تنظيفه.
و قد كان من المهم جدا ان اتناول وجبة فاخرة من الدجاج المشوي على السيخ و شرائه من مصدره الأصلي الذي يحكى عنه كثيراً.. فقد كان الوزير ( الله يوجه له الخير) يحكي لي دائما عن الطعام الجاهز في دمشق و الاماكن التي من يجب على الانسان زيارتها قبل ان يموت و منها الميدان.
سمعت نصيحة ذلك الخشبي و اتجهت مسرعاً و تلقفت ذي الجناحين مطرزاً بالتوابل و الزفر .. و اجمل لحظة كانت عندما دخلت المنزل الجديد منتصراً و زوجتي تنظر إلي بسعادة غامرة .
عادةً لا أصف نفسي ..لكني و لله الحمد كنت ذكياً كفاية في تلك المرحلة التي اتسمت باقتناص الفرص بغير قصد. كيف؟ .. لا أعرف..
بعد وفاة أمينة ( زوجتي) عدت الى بلدتي تاركاً دمشق و ليلها .. عدت الى فراشي الذي يحملني بين دفتيه أعاني من فرط التذكر و المقامرة بأوراق الماضي .
#سفيربرس ـ بقلم : المثنى علوش