إعلان
إعلان

زهـــرمان بخـــاري 15 ـ بقلم : المثنى علــوش

#سفيربرس

إعلان
جاري مطيع بلغ السادسة و السبعين و بعض الاشهر .. لكنه ينافس والدي عزّت بالسباق الأزلي نحو نهاية محتومة و هي الموت دون حاجة إلى منّة من أحد مهما اقتربت صلة الوصل بينهم .
يعاني مطيع من الزهرمان البخاري و هو أحد أنواع الامراض التي شاعت في الآونة الاخيرة رغماً عن أنفه و أنف كل من حوله .. لذلك قرر اتخاذ سريره كعنوان دائم لإقامته و عزف عن أي نشاطات أخرى إلا الثرثرة و كثرة القيل و القال .
يتحدث مطيع : إن أخبار الجيرة و زوجاتهم و الأقرباء باتت مملة جدا و قد أدت الى ضيق أفقي و ضعف بصيرتي ..
لذلك قررت الحديث عن الزهرمان البخاري و سبل الوقاية منه و آثاره السلبيه على جيبي و صحتي ..و قد تعدى ذلك للحديث عن هيمنة الدول الكبرى التي أوصلتنا نحن البسطاء الى هذه الحال ..
فكل سابقها من الأمراض كانت تأتي و تذهب لكني لم أكن أفارق الأرض و زراعة الدخان او الخضار الموسمية التي كان يتغنى بها القاصي و الداني و خصوصاً عزًت أبو طعجة ( والدي) .. و كان أول الحاسدين و العياذ بلله منه . .
حتى أن نساء الحارة كنّ أجمل بكثير و كانت نفسي تدفعني للنظر و التبحر بالعيون و الفم و الانف مها استطال او قصر .. كنّ أجمل حقاً قبل هذه الخزعبلات و القماش الأزرق المقيت.. و هذا ما أسميه ب(أيام اللولو ).
يرفض مطيع نصائح زوجته باعتبارها تتحدث بفظاظة و انعدام للحس الإنساني كما وصف .. فهي لم تصب بالزهرمان كما تمنى و لو كان تمنيه للتشفي و أخذ الثأر . عمد مطيع إلى تحويل كل موارده إلى ذهب و باع الجزء الأكبر من حصته في الارض لأحد المتنفذين بسعر بخس كنوع من الحيطة لمواجهة المجهول من القادم .
بعد اكثر من سنة .. ازداد الوضع سوءاً بالنسبة لمطيع .. فهو لم يعد يعلم ما قد حل به ..أهو داء الزهرمان أو أنه مرض آخر أو أن ما جرى كان سيجري بأي حال .. لكنه شفي و استعاد عافيته نوعاً ما و أصبح قادراً على التجوال في القرية و استعادة الأحاديث القديمة الغائبة الحاضرة.. لكن أشكال الناس اختلفت هذه المرة ..
فبالرغم من ان داء الزهرمان قد انتهى و أصبح ذكرى .. إلا أن الوجوه بقيت عابسة و غامضة و مقيته ..و نساء ما قبل الزهرمان ليسوا كنساء ما بعده .. و زوجته هي الأخرى ازدادت عجرفة و علا صوتها أكثر و أكثر .. و لكن المفارقة تكمن في سطوة مطيع التي فقدت حيويتها و جوهرها بعد أن أصبح فقيراً لا حول ولا قوة ..
بالكاد يردون عليه السلام في القرية .. الكل منشغل بترميم نفسه بعد الكارثة و تدبير اموره بإمكانات بسيطة .. إلا مطيع يقف متفرجاً غير قادر على رفع رأسه خوفاً أو خجلاً . توفي مطيع بعد أن توقف قلبه بسكتةٍ جاءت في الوقت المناسب إثر مشادة كلامية جرت بينه و بين عزت الذي اتهمه بالخنوع و الانهزامية .. الأمر الذي شكّل خثرة وضعت حداً لحياته التي لم يكن لها أي معنى و كأنها لم تكن .
#سفيربرس ـ بقلم : المثنى علوش
إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *