إعلان
إعلان

سمعة البحر ليست حسنة دائماً..ـ بقلم : المثنى علوش

#سفيربرس

إعلان
 هنا على شاطئ اللاذقية، تمتد رقعة طويلة من التضاريس و الرمال التي تشكل الواجهة البحرية للمدينة الناعمة، و هذا ما أعطاها بعض خواص الاستقلالية التي ميزتها عن غيرها من المدن على طول المتوسط، خصوصاً فيما يتعلق بطبيعة أهل المدينة و تقاليدهم التي امتزجت مع الرياح الاوروبية عبر الزمن .
و لأني إبنها.. اعتدت على صفات توارثتها عبر سني عمري من خلال الاحتكاك المتواصل مع اولاد البحر من صيادين و بحارة و هواة السباحة، كل هؤلاء رضعوا ايديولوجيا واحدة انسكبت في جيناتهم لا سبيل لتغييرها إلا اذا جفّ البحر، فالمجازفة هي احدى أهم ما يميزهم عن باقي خلق الله كحالة عامة .. و لهم كل الحق بذلك .
بعد كل هذه السنين السوداء التي حاقت بنا، كان لا بد من إعادة النظر بالقرارات و المبادئ السابقة و حتى الايديوليجيات الثابتة، لأنه و على ما يبدو فإن الدولار عندما يتغير ستتغير معه ملوحة البحر و عمقه، حتى أخلاق سمكاته ستتغير هي الأخرى، فتراها تجوع أكثر و تصبر و تحاول الفرار بعيداً كي لا يلتقطها فقير فتكون بذلك قد أضاعت عمرها لتسقط على مائدة ممدودة على الأرض و قد تحوّق حولها نصف الحي . هذه سمكة لا راحت ولا اجت .. فكيف حالي !! .
لا بد و أن الامر قد تغير فعلاً، و لا بد و أني سأنتهج سلوكاً جديداً في السباحة، فالغرق أصبح خبراً روتينياً نسمعه و نرى نتائجه كل صباح، و كان من الأفضل أخذ الحيطة و الحذر تماشياً مع ظروف الحرب .
تحمست كثيراً عندما اشتدت الحرارة .. و قلت في خاطري إنّ غطّةً في البحر قد تنعش الفؤاد و النفس . لدى وصولي الشاطئ، لاحظت عدداً من الصبية و الأولاد يلعبون وسط الامواج دون ان يعيروا أي اهتمام لما تحت أرجلهم من حجارة او تعرجات و ثنيات، و لن يشعروا بمدى خطورة ما قد يحل بهم فيما لو داس احدهم على زجاج مكسور او مسمار صدء، ناهيك عن الدوارات و التيارات البحرية التي قد تودي بحياتهم بشكل جماعي .
كنت مثلهم .. لا أنظر الى أسفل، ولا أنظر الى الخلف عند الولوج بعيداً عن الشاطئ، و اذا غصت أغمض عيناي. أما الآن يا أولاد، فإن مكاني الاستراتيجي هو على الرمل، و قد أتفحص برودة المياه لا أكثر كي لا أتحسر لعدم الاقتراب منها، و صار من الأفضل ان أنأى بنفسي عن كل هذه الطرطشة الغير مسؤولة .
هؤلاء الصبية المجازفين قد لا يهتمون لكل ما يخبئه البحر و هو الشهير بالغدّار، إما لرعونتهم الجديدة او لأنهم يدركون أنهم تحت أنظار من سينقذهم في اللحظات الحرجه .
أما أنا و بكل فقر ، فلا أمل لي بطوق نجاة .. ليس لي إلا رحمة ربي و خبرتي في السباحه التي بدأت تحتاج الى إعادة تأهيل و تحديث بعد كل هذا الزمن . و لقلة حيلتي، بادرت للانتساب الى رابطة المجازفين القدامى التى فتحت ابوابها مع بداية الحرب، و قد شعرت بالإمتنان لأن كبير المجازفين الذي كان معروفاً بتصخر قلبه و خشونته، قد سارع لنيل عضوية الرابطة .
منذ زمن ليس ببعيد .. كان المجازف فضولياً تدفعه الحماسة و حب المغامرة. إنه مخترع بلا شك، و صاحب أول تجربة . لكن في هذه الاوقات، فقد اعتمد كفأر تجارب، و باتت المجازفة يغلب عليها التهور و لا تمت للشجاعه و القوة بأي صلة.
#سفيربرس ـ بقلم : المثنى علوش

 

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *