قصة مخطوطات البحر الميت ، ولفائف قمران..

أقام فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب في مقره الكائن بدمشق يوم الثلاثاء 15/6/2021 ، [محاضرة] بعنوان: (قصة مخطوطات البحر الميت ولفائف قمران) ألقاها الباحث د. حسين عمر حمادة، وذلك بحضور هيئة الفرع، د. إبراهيم زعرور، رئيس الفرع، أ.أيمن الحسن، أمين السر..
في البداية رحب أ. أحمد خدام السروجي امين صندوق فرع دمشق بالحضور، المحب للعلم والثقافة وشكر اهتمامهم مواظبتهم على حضور ما يقام في فرع دمشق من فعاليات أدبية.
ثم دعا د. حسين لبدء محاضرته، والتي بدأها بتعريف مختصر لقمران: (قمران موقع سكني في الصحراء المعروفة باسم صحراء اليهودية وهي تسمية من العهد القديم وواحة أريحا هي الأقرب لموقع قمران ويسمى القمرانيون منطقتهم بأرض دمشق، ويعني ذلك أنَّ هذه المنطقة كانت جزءاً من الشرق الأوسط بتجدد لغاتها ودياناتها وأعراقها وتواجد في المنطقة البدو وعرب أريحا، وموقع قمران كان منطقة عسكرية رومانية. ولكن وهل يمكن اعتبار هذه الإشارة على أن القمرانيين قوم من المقاتلين بالإشارة إلى الآثار التي خلفها الرومانيون. كما نوه إلى أنَّ موقع قمران قد دُمر بيد الجيش الروماني بقيادة تيتوس بن فسبازيا نوس الذي أصبح امبراطور روما لاحقاً..
يرى د.حسين حماة، أن اسم مخطوطات البحر الميت يطلق على مجموعة المخطوطات المرقومة واللفائف الكتانية والنحاسية والجلدية وأوراق البردي التي عثر عليها بين عامي 1947 و1956 وحتى اليوم داخل كهوف الجبال الواقعة في غرب البحر الميت في مناطق قمران (أو عمران) وخرب الدالية والمرد وعين جدي ومسعدة (أو مصادا أو مسادا) بالضفة الغربية للأردن على بعد عدة كيلو مترات جنوبي مدينة أريحا منذ ما يقرب من خمسة وسبعين عاماً..
وإلى جانب التجمعات اليهودية كانت هناك تجمعات من الأنباط والعرب الذين لهم اعتقادات جاهلية وثنية.
ومن المعروف أن القمرانيين آمنوا بالفلسفة الثنائية التي تعود جذورها إلى الثنائية الدينية بشكل جلي وأن العالم تتحكم فيه قوتان / الخير والشر / وإن أحداث التاريخ ناجمة عن صراع هاتين القوتين.
ونجد تصويراً أو تفسيراً لهذه الثنائية في مخطوطة الحرب. حيث أعطى القمرانيون لهذه الثنائية حالة اعتقادية.
وكان لمحاولات ترجمة المخطوطات وفهم مضامينها أثر عميق على تفكير ومعتقدات الباحثين والدارسين من أتباع العقيدتين اليهودية والمسيحية ومحاولة تحديد العلاقة الخاصة بين الجماعات اليهودية التي كانت قائمة آنذاك في فلسطين وظهور الديانة المسيحية ..
جماعة قمران :
عاشت على شاطئ البحر الميت في القرن الثاني قبل الميلاد وحتى سنة /68/ بعد الميلاد ودخول الجيوش الرومانية إلى القدس سنة /70/م.
سماهم الأقدمون بالاسينين لارتباطهم بعالم الشفاء وميز العلماء بين أهل قمران والاسينين الذين اختفت آثارهم قروناً عديدة، قبل أن تكتشف عن طريق الصدفة سنة / 1947/ بواسطة بدو من قبيلة التعامرة.
تجد في مخطوطات قمران التوراتية ثلاثة أنواع من الكتب..
1/ النصوص البيبلية أو نصوص الكتاب المقدس بعهده القديم
2 / النصوص المنحولة لم تكن معروضة إلا في اليونانية
3 / النصوص القمرانية التي تتحدث عن نظام الجماعة وحياتها والتي وجدت موزعة في إحدى عشرة مغارة ، / 173 / مخطوطات تتضمن مقاطع كبيرة وصغيرة من جميع أسفار الكتاب المقدس ما عدا سفر استير والسؤال الذي نطرحه الآن: ماهو المثال الروحي لجماعة قمران؟؟؟!!
دلت النصوص القمرانية على وجود جماعة يهودية في برية يهوذا ابتعدت عن الهيكل بل انفصلت عن أورشليم وقدمت نفسها على أنها جماعة العهد الجديد، الجماعة الحقيقية في نهاية الأزمنة، وهذه النهاية هي المحور الذي يتكلم حوله تنظيم (خبرة جماعة قمران)، ومن مخطوطاتهم: نظام الجماعة، وثيقة صادوق، أو وثيقة دمشق، نظام حرب النور ضد أبناء الظلمة، نظام الحلقة أو الأخوة الذي ارتبط بنظام الجماعة وأطول مخطوط هو درج الهيكل وقد اكتشف في المغارة الحادية عشرة، وأهم صفة من صفاتهم: القمرانيون أنَّ قولهم أثبت من القسم ويتحاشون إعطاء اليمين.
ويقول يوسيفوس مؤرخ القرن الأول بعد الميلاد (27-100م) في كتابه حروب اليهود (2 – 8) إنه كان عند اليهود في عصره فرق فلسفية ثلاث. الفريسيون، والصدوقيون، والحاسيون، أو الآسيون، أو الأسينيون، وإنَّ هؤلاء ولدوا يهوداً وتحابوا أكثر من غيرهم، وأنهم اعتبروا لذات الجسد شروراً أو ذنوباً.. واعتزوا بالعفة والتعفف، وجعلوا التغلب على الشهوات فضيلة.. وهم يهملون الزواج وينتقون من أولاد غيرهم من يعتبرونهم منهم، فيقبلونهم صغاراً، لديهم قابلية للتعلم ويطبعونهم بطبائعهم، وهم لا ينكرون حيوانية الزواج وحفظ النسل، وإنما يحذرون من سلوك النساء الفاسق، مقنعين أن ليس بينهن واحدة تحافظ على أمانتها لرجل واحد، ويحتقرون الثروة والغنى. ويتراءى أنَّ هنالك إرثاً واحداً لجميع الإخوة.
ويرون أن الزيت وسخٌ، وإذا مُسح أحد به يرون موافقته مُسح عنه مسحاً، ويعتبرون عرق الجسم خيراً، وكذلك ارتداء الأبيض، ولهم وكلاء (خرج) يعنون بشؤونهم المشتركة وليس لأحد منهم مصلحة خصوصية وإنما العمل لمصلحة الكل، ويستترون بنقاب أبيض ويستحمون في الماء البارد..
النيويوركي والمسيح:
برأي أندره دوبون صومر أوفدت جريدة النيويوركي كبير محرريها ادموند ويلسون إلى شاطئ البحر الميت، لينقل لقرائها الخبر اليقين. ووصل ويلسون إلى أن الاكتشافات التي تمت في ساحل البحر الميت أقضّت مضاجع الاكليريكيين الكاثوليكيين وقساوسة البروتستانت وأحبار اليهود في آن واحد.. وإنَّ ما اعتقدوه منزلاً هو في الواقع يهودية متطورة.. وأوضحت لليهود أن النصرانية ليست في حد ذاتها خروجاً على دين الآباء، وإنما هي مذهب من مذاهبهم..
وخلص إلى القول بأنَّ من لا دين له أقرب إلى معالجة هذه المخطوطات وأهميتها ممن يقول بدين معين. وأن أفضل رجال البحث التاريخي والعقيدي في مضامين هذه المخطوطات هو أندره دوبون صوم ولم يعلم ادموند ويلسون أو علم لست أدري ؟!
أن أستاذ السوربون الفرنسي: نشأ كاهناً ثم جحد فأنكر..
وكما نعلم أنَّ القمرانيين ظهروا وقت أزمة فكرية دينية واجهت اليهود ومن حالة التوصيف المبتسر لمواقع كهوف + مخطوطات وقريباً من حالة تحليل مضمونها
كما يتابع الباحث من بودابست / عاصمة المجر/ (في حوار مع الكاتب ثائر صالح) مع البروفيسور غيزا كوموروتسي رئيس قسم الدراسات الآشورية والعبرية في جامعة لورانت أُتْفُش وكان من بين أوائل العلماء المجريين الذين ترجموا نصوصاً كاملة من مخطوطات البحر الميت..
ويرى كوموروتسي أنه بعد نصف قرن من الفضائح التاريخية التأويلية العلمية يمكننا القول إنَّ النصوص قد وصلت مرحلة الاستقرار لأنها النصوص التي وجدت في المغارة المحيطة بقمران نُشرت، ووافق عليها من الناحية التاريخية والفلسفية والعقيدية.
صاغ العالم الآثاري أيزنمان نظريات عن إعادة تفسير الجوانب التاريخية للمخطوطات وربطها بنشوء المسيحية ويرى كومور وتيس ضرورة نشر مضامين كل المخطوطات.
بعدما تركزت مساعي حاضرة الفاتيكان في روما على حجب وضع وصول معلومات معينة لأيدي المترجمين الباحثين المتعلقة ببلاد يسوع المسيح ونشوء المسيحية، لأن أحدث النصوص المترجمة تشي بأسبقيتها على تكون المسيحية بنصف قرن.
لدراسة مخطوطات قمران وتحديد عمر المخطوطات نتبع طريقتين:
الأولى: دراسة محتواها والأسماء الواردة فيها والأحداث التي تشير إليها والخلفية الدينية والتاريخية لها وفحص مادة المخطوطات من أوراق البردي والبرقوق الكربون …
والثانية: فحص اللقى الآثارية المجاورة للمخطوطات ومنها النقود المعدنية وكيفية سكها وصنعها، وأيضاً، طينة جرار الفخار والسيراميك والخزف وإن كان الفحص بالكربون المشع، لا يعطي نتيجة حاسمة وقاطعة بل يوفر معطيات تقريبية.
ويتم الآن في جامعة بودابست للهندسة فحص تركيب الجرار يعود تاريخها لقرنين قبل الميلاد وللقرن الذي بعده. علماً أنَّ النصوص كتبت بين / 140/ق.م. و/30/ ميلادية.
الصراع المكشوف بين الفاتيكان الكاثوليكي ومديرية الآثار الإسرائيلية:
نشب صراع بين لجنة دراسات المخطوطات الكاثوليكية وبين سلطات الآثار الإسرائيلية منذ اليوم الأول لسقوط متحف القدس، ووقعت المخطوطات تحت سلطة الاحتلال الإسرائيلي بعيد حرب حزيران 1967 إلا أن الأمور استمرت على ما كانت عليه لأكثر من عشرين سنة بعد ذلك.
قبل أن يبدأ الصراع المكشوف الذي أدى في النهاية إلى التخلص من السيطرة الكاثوليكية وإحلال سلطة الآثار الإسرائيلية مكانها.
ففي عام / 1991 / ظهر في لندن كتاب بعنوان: (خداع مخطوطات البحر الميت) للكاتبين مايكل بيسجنت وريتشارد لي، اتهما فيه الفاتيكان بالتدخل في عملية ترجمة ونشر مخطوطات قمران ومحاولة إخفاء معلومات وردت فيهما مخالفة للتعاليم السائدة والمتداولة حالياً.
ثم بدأت حملة إعلامية كبرى أواخر 1990- 1991 في الصحف الأمريكية الكبرى مثل النيويورك تايمز والواشنطن بوست تهاجم بضراوة مجموعة الباحثين المسؤولة عن ترجمة ونشر المخطوطات خاصة جون استروجنل رئيس المجموعة، وتتهمهم بالاشتراك في مؤامرة يحيكها الفاتيكان لمنع نشر بعض ما ورد في نصوص مخطوطات قمران.
واستروجنل هو أحد الباحثين الإنكليز النابغين في دراسة اللغات السامية ، عمل أستاذاً لدراسات العهد القديم في معهد ديفينيتي كوليدج، (الدراسات الدينية)، بجامعة هارفرد، وتبين أن استروجنل ترك كنيسته البروتستانتية وتحول إلى الكاثوليكية بمناسبة توليه رئاسة اللجنة. وعند فقدان أحد أعضاء اللجنة يحل باحث جديد حتى يبقى عدد أعضاء اللجنة ثمانية.
وكان استروجنل أول من غيَّر هذا النظام عندما سمع بضم عدد من الباحثين اليهود بحيث زاد عددهم إلى عشرين عضواً.
غير أنَّ هذا الإجراء لم يبدُ كافياً في نظر هيئة الآثار الإسرائيلية التي آلت إليها السيطرة الكاملة على متحف القدس وكل ما فيه من مخطوطات قمران وقام أمير دروري مدير هيئة الآثار الإسرائيلية عام 1990 بتعيين ايمانويل توف الأستاذ في الجامعة العبرية في القدس مديراً للجنة المخطوطات إلى جانب استروجنل المدير الأصلي.
لم يرضِ هذا التصرف استروجنل والذي يبدو أنه استفز من قبل الصحفي الإسرائيلي آفي كاتسمان الذي نشر في صحيفة ها آرتس نص حديثٍ أجراه مع الباحث الإنكليزي استروجنل اعتبرته السلطات الإسرائيلية معادياً للسامية الذي قال عن اليهودية إنها ديانة مرعبة وأنها ليست سوى هرطقة للديانة الصحيحة والتي هي المسيحية واختفى استروجنل بعد ذلك من القدس، ليظهر بعدها في مستشفى بالقرب من جامعة هارفارد، وغير مسموح بلقائه، وقيل إنَّ أحد أبنائه حصل على تقرير طبي بإصابة والده بمرض نفسي خطير.
استطاع عن طريقة الحصول على أمر من المحكمة بفرض العلاج القسري على الباحث البريطاني استروجنل، والذي طُرد من جامعة هارفارد في الوقت نفسه، من عمله أستاذاً فيها واستصدر أميردروري قراراً بفصل استروجنل من رئاسة اللجنة البحثية لمخطوطات قمران.
وتم تثبيت نائبه ايمانويل توف في منصبه رئيساً للجنة عام 1991، ثم أضافت سلطات الآثار الإسرائيلية عدداً آخر من الباحثين إلى لجنة المخطوطات حتى أصبح مجموعهم خمسين عضواً غالبيتهم من اليهود الإسرائيليين.
وقد تم إغفال قواعد القانون الدولي وكل مبادئ القانون الإنساني..
ينبغي استعادة التاريخ الدنيوي لفلسطين ليكون بديلاً عن تاريخ مقدس..
لأن أرض فلسطين ليست أرضاً يهودية حصرياً. بل أرض مشتركة للديانات التوحيدية الثلاثة من الناحية الروحية.
والديانة اليهود هي ليست إلا أصغرها عدداً وانتشاراً..
وهل هي الديانات أو الحضارات أو الثقافات التي تسبب الحروب والعنف. أم طموحات الدول ورجال السياسة والمثقفين الباحثين عن المجد السهل.
هل هي الدول العربية التي غزت واستعمرت أرضاً أوربية في عالمنا المعاصر أم هي الدول الأوربية التي هيمنت على الساحل الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط، ودعمت بشكل لا متناه إنشاء معقل مسلح على هذا الساحل لإيواء اليهود الأوربيين مسوغاً مثل هذا العمل العدائي الغاصب بنصوص توراتية تثبت مكتشفات مخطوطات البحر الميت ولفائق قمران إنها محل نظر مستمر حتى اليوم.
واختتمت الفعالية بشكر الحضور على مواظبتهم واهتمامهم بحضور الأنشطة المقامة في فرع دمشق..

#سفيربرس _ إعداد: ماجدة البدر