إعلان
إعلان

كتبت فتون الصعيدي : في المجتمعات العربية يتم تقييم الطالب إن كان ناجحًا أم فاشلًا من خلال المعدل الذي يحصل عليه في الثانوية العامة

#سفيربرس

إعلان

هل سألنا أنفسنا لماذا ننتج أجيالًا تحفظ الشعر ولا تتذوقه تدرس العلوم وتسيء إلى البيئة، تحرق أشجارها، وتتفاخر برمي الأوساخ على شوارعها، تفلسف الجمال وتنشر القبح، تتقن تعريف الوفاء وتبدع في الخيانة، تكتب عن الشرف وتمارس السفول، تنقد العنف وتتباهى بالقسوة، تقرأ عن الصدق وتتفنن بالكذب، تعد ولا تفي، تقول ولا تفعل، ترى ولا تُبصر، تبصم ولا تفهم، وبعد كل ذلك نبدأ بالبحث عن أسباب فشل المجتمعات العربية وعدم ازدهارها؟
لأن تعلم الشرف والأمانة والوفاء والصدق والأخلاق والوطنية وتذوق الفن لايكون عن طريق الكتب، بل هناك أساليب أخرى أكثر فعالية لا تستخدمها المدارس والمناهج والجامعات في مجتمعاتنا بكل أسف، فالطالب يردد مافي الكتب وهمه حفظها من أجل النجاح لا من أجل القيمة العليا لهذه المفاهيم، وبذلك لا يأبه إلا بتخزينها واستذكارها ليوم الامتحان من ثم ينساها.
لذلك لا تستغربوا حين ترون الجامعات مليئة بطلاب هدفهم فقط التخرج دون رسوب
وفي النهاية وحده المجتمع من يدفع الثمن، حين يتخرج طبيب كل همه أن ينعته الآخرين بلقب “دكتور” ثم يرتكب الأخطاء الطبية ويعرض حياة الناس للخطر، ومهندس لا يجيد الرسم إلا على الورق، ثم تنهار بناياته ويموت الكثير من الأبرياء عند حدوث سيول او هزة أرضية بسيطة، ومحامٍ يتاجر بحقوق المظلومين، وقاضٍ ضميره غائب عن العدل ومنفصل عن الحق، وصحافي يعرض قلمه للبيع ويضلل به الرأي العام يسافر ويبيع وطنه ويتلون كالحرباء في المكان الذي يجد فيه شهرته ويبيع قناعته بثمن بخس، ومدير يسرق المال العام، ومعلم فاشل يُلقن طلابه المعلومات ولا يمنحهم الثقافة وينتج مثل هذه الكوارث البشرية، وبعد كل هذا نسأل لماذا؟
لأن في مدارسنا معظم الطلاب لا يعرفون ماذا يريدون
وتكون العلامة كل همهم، رأيت صورة لأحد الطلاب أعاد البكالوريا بسبب علامة نقصته لدخول كلية الطب والكل يبارك له على البطولة و الإنجاز.
من غير المنطق والمعقول أن تُحدد نتيجة الثانوية العامة مستقبل الطلاب بناءً على نجاحهم أو فشلهم فيها، فالمعظم يختارون تخصصاتهم الجامعية وفقا للعلامات التي يحصلون عليها وليس وفقًا لمستواهم الفعلي أو وفقًا لرغباتهم وقناعاتهم أو ما يبدعون به.
مع الأسف، في المجتمعات العربية يتم تقييم الطالب إن كان ناجحا أم فاشلًا من خلال المعدل الذي يحصل عليه في الثانوية العامة، بل ربما يذهب البعض لتحديد نسبة ذكائه بحسب الفرع الذي يختاره، فطالب الفرع العلمي ذكي، وطالب الفرع الأدبي بصيم أي كثير البصم، وهكذا…..
فتكون الثانوية العامة بداية الفشل ؛ وهذا لا يعني عدم أهمية وجود نظام تعليمي يُلزم الطالب بالدراسة قبل التحاقه بالجامعة، بل يبدأ الفشل بسبب جعل الثانوية العامة محورًا ومعيارًا لنجاحه أو فشله في الحياة، وخلق رهبة ورعب منها والمسؤول في ذلك هو النظام التعليمي والمجتمع.

نبدأ من النظام التعليمي الذي يُجبر الطالب على تكرار ذات المعلومات خلال سنة كاملة، ولا يمكن أن يمنحه أفقًا لمعرفة التخصص الذي يناسبه، ومن المستحيل قياس مستوى ذكائه عن طريقه، فخلال سنة كاملة يجتهد الطالب في الدراسة وفي وقت الامتحان قد يحصل معه ظرف أو مرض أو مشكلة تُفقده التركيز ويحصل على علامة متدنية تحرمه من دخول التخصص الذي يرغبه، وهذا هو السبب الذي يجعلنا ندرك إن الثانوية العامة هي بداية الفشل، لأن اختياراتنا في الحياة إن لم تنبع من قناعاتنا ورغبتنا الشديدة تصبح مجرد روتين مضجر، وتحول الإنسان إلى شخص مادي يفكر بالمهنة وبلقمة العيش دون أن يولي أدنى اهتمام بإمكانية الاستفادة من طاقته وإبداعه الذي لا تكشفه العلامات ولا الثانوية العامة ولا المدرسة، في حين نرى بعض الطلاب يحصلون على علامات عالية جدًا نتيجة تركيزهم فقط بالامتحانات “التي أصبحت مجرد تكرار لسنوات سابقة” في كثير من الدول العربية، أو بمساعدة مهاراتهم في الغش، وأيضا في هذه الحالة تتحكم به العلامة، فيستخسر الطالب دراسة تخصص يمكن أن يُبدع فيه لكنه يحتاج لعلامة متدنية، ويختار تخصصا مناسبا لعلامته، ويكون بهذه الطريقة قد اختار فشله، لأنه عمليا لن يستطيع أن يُبدع في مجال لا يحبه، وهذا ما يكتشفه من بعد تدني مستواه في دراسته الجامعية.
من جهة أخرى، لو قارنا النظام التعليمي في الدول العربية بالنظام التعليمي في دول أوروبية متقدمة، لوجدنا الفرق واضح، فالأول يختزل مستقبل الطالب خلال سنة واحدة تحدد مصيره من خلال العلامة، ويعتمد على التلقين من الأستاذ والتلخيص من أسئلة سابقة أو دروس خاصة تختصر المادة وتضعها في عقل الطالب كي يحصل على علامة جيدة، ثم لو سألته عن تلك المعلومات بعد سنة لوجدت أنه نسيها تماما، أما النظام التعليمي في الدول الأوروبية فهو نظام تراكمي يركز على اهتمام الطالب والمجال الذي يمكن أن يحبه ويستطيع أن يُبدع فيه أو على الأقل يطابق قدراته.
في الدول الغربية يقومون بتهيئة الطفل للتعلم بتدريبه على ممارسة السلوك الاجتماعي السليم، فلا يزيد عدد الأطفال من عمر (3-5 سنوات) في هذه المدارس عن أربعين طفلاً، مع وجود عدد كبير من المختصين المؤهلين، وتعتمد طرق التدريس على اللعب والغناء وسماع القصص الهادفة. ثم ينتقل الطفل لنظام التعليم الابتدائي الإلزامي الذي يشمل برامج دراسية منوعة تهدف إلى إعداد “مواطن صالح”، وفي هذه المرحلة لا توجد كتب ملزمة، بل تحدد المدرسة طرق التدريس التي ترتكز على البحث والابتكار وليس على مجرد الحفظ والتلقين، وتنتهي هذه المرحلة باختبار لا رسوب فيه، وحتى لو كان مستوى الطفل متدنيًا، يتم نقله مع زملائه والعناية الخاصة به.
في هذه المرحلة نجد عددا قليلًا من الامتحانات بهدف التقليل من الضغط النفسي على الطفل، بعكس النظام التعليمي لدى العرب والذي يعتمد على وجود امتحانات أسبوعية وشهرية وسنوية وما يتبعها من إرباك مستمر يضع الطالب في ضغط نفسي ويجبره على الدراسة وأداء الواجبات المنزلية بشكل يومي، فتجد الأم تجري يوميًا وراء طفلها بالعصا كي تجبره على الدراسة، لأن طبيعة المناهج تتطلب ذلك، فهو لا يتعلم عن طريق القصة والأغنية والحكاية التي تُركز على تحسين سلوكه قبل تلقينه المعلومات ومن ثم تبقى القيمة المستخلصة منها في ذاكرته لآخر العمر، وهذا ما يلمسه كل فرد منا في طفولته حين يحكي له والده أو جده حكاية فيتعلم من خلالها الكرم والأخلاق والتسامح وبر الوالدين وتنعكس تلقائيا على تعامله مع الآخرين، ولا يعي أنه تعلم منها إلا حين يكبر ويجد نفسه يمارسها في تعاملاته اليومية.
العامل الثاني الأكثر خطورة هو المجتمع والأهل الذين يتسببون في إرباك الطالب، فيكون كل همهم حصوله على علامة جيدة، ثم تحويله لشيء يتفاخرون به، وهذا ما يتسبب في حصول الكثير من الطلاب على علامات متدنية جدًا أو التكبر بسبب تجميعهم للعلامات، لأن تفكيرهم الذي يتركز في إرضاء الآخرين يتسبب في كلا الحالتين بفشلهم أضف إلى ذلك الأجواء العامة والبوليسية التي يوضع فيها الطالب خلال تقديم الامتحانات، حيث يتم تكثيف الأمن في المدارس والتفتيش اليومي والمراقبة وقطع الاتصالات…
وهذه التصرفات سببٌ كافٍ لنرى أننا أنتجنا طلابًا لا يمكننا الوثوق بهم حتى على مستوى تركهم في قاعة الامتحان دون مراقب!..

#سفيربرس _ بقلم  : فتون الصعيدي 

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *