إعلان
إعلان

أبعاد الزيارة الأماراتية.. مسار جديد في العلاقات العربية – السورية بقلم : سماهر الخطيب

#سفيربرس

إعلان

حملت زيارة وزير الخارجية الإمارتي “عبد الله بن زايد” إلى دمشق، رسالة سياسية ودبلوماسية تتعدّى كونها مجرّد زيارة من قبل وزير خارجية دولة عربية، بل تندرج في خانة إحياء للعلاقات الدبلوماسية.

إذ تعتبر هذه الزيارة خطوة جديدة مهمّة في إطار المساعي الرامية إلى تطبيع العلاقات الخليجية السورية بشكل متدرّج لأسباب واعتبارات عدة لها علاقة بمصالح البلاد.

وبالرغم من مرور عقد كامل على القطيعة الخليجية لسورية، بل وأكثر من كونها مجرد قطيعة، شاركت بعض بلدان الخليج في تمويل ودعم الجماعات المسلحة ضدّ الدولة السورية لإسقاط منظومتها ومؤسساتها، وكذلك المساهمة الحثيثة من دول خليجية لإخراج سورية من جامعة الدول العربية، لكن لا يخفَ على أحد أن الإمارات ساعدت دمشق عبر قنوات صامتة في الكثير من القضايا خلال الحرب، وحسب التصريحات الرسمية السورية – الإمارتية فإن العلاقة بين البلدين لم تنقطع، وبقي هناك قنوات تواصل واتصال على الرغم من الموقف المعلن لـ”عبد الله بن زايد” الذي طالب الرئيس الأسد بالتنحي وترك السلطة خلال ما عرف بمؤتمر أصدقاء سورية في السنوات الأولى من الحرب السورية، لكنّ الموقف الخفي ظهر في تصريحات الدكتور فيصل المقداد عندما حضر بصفته نائباً لوزير الخارجية حفل العيد الوطني الاماراتي الذي أقيم في دمشق العام الماضي لأول مرة منذ اندلاع الحرب حيث قال حينها “إن الإمارات لم تكن شريكة في الحرب على سورية”، مؤكداً أن العلاقات لم تنقطع واستمر الطرفان بالتواصل”..

وبالتالي، ومن منظور العلاقات الدولية والدبلوماسية تعدُّ الزيارة الإماراتية عالية المستوى، إعادة لوصل أواصر شبه مقطوعة وتعبيد لطريق تلتقي فيه المصالح التي تتفوّق دائماً على الخلافات مهما تأزمت أو لاح أفق مسدود لها تسعى الدبلوماسية دائماً لخرق ذاك الأفق، وفي ذاك الاحتفاء الإماراتي بالوجود السوري، محاولة إماراتية لإيجاد حلقة تصل ما انقطع وتحقق مصلحة مشتركة عبر إحداث الصدمة في إحياء العلاقات والتي تتماثل مع تلك الصدمة الكهربائية التي يعطيها الطبيب للمريض حين يتوقف قلبه حتى يعود إليه النبض من جديد..

وأفادت مصادر أن “بن زايد” وجه دعوة رسمية للأسد للقاء ولي عهد الامارات محمد بن زايد في أبو ظبي، كما تناول البحث موضوع عودة سورية الى الجامعة العربية، وأبلغ الضيف الأسد أن “سورية ستحضر القمة العربية المقبلة في الجزائر”، وستكون الدعوة الأولى  التي توجه لسورية لحضور القمة منذ العام 2011، ليبدو أنّ الإمارات تسعى لأن تكون هي قاطرة عودة سورية للمنظومة العربية

وفي الحديث عن المصلحة المشتركة لدى البلدين فأول ما يبادر إلى الذهن الحراك التركي في المنطقة من سورية إلى ليبيا فبعد «المستنقع» السوري الذي أغرق فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ها هو اليوم يتوجّه نحو «المستنقع» الليبي ناقلاً معه أذرعه القتالية المسمّاة بمقاتلي «المعارضة السورية» بعد أن فشل مشروعه في سورية، محاولاً أن يروي ظمأه المتعطش لإحياء أمجاد عثمانية في الأرض الليبية. فوجدت الإمارات بإعادة العلاقات مع سورية إلى المربع الأول خير حل للوقوف في وجه المشروع التركي، مستغلة وجوده كـ”عدو” مشترك بين سورية وبينها، معتمدة على ما يجمعها بسورية من أواصر عربية وتاريخية مشتركة في عالم عربي واحد، رغم أنها “تناسته” سنوات عدّة..

في هذه الأثناء يظهر جلياً الدور الروسي في كل إجراء يتعلق بالحليفة سورية، حيث يضطلع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدور كبير في تفعيل المساعي الدبلوماسية بين الأطراف الفاعلة في الحرب السورية. فهو حريص على عودة العلاقات الثنائية الإماراتية – السورية، لأن ذلك سيسمح لروسيا بتيسير التنسيق مع قوى إقليمية في المنطقة، وسيعجّل من بلورة الحل السياسي الذي تعهّدت به روسيا لحليفتها السورية في سوتشي وأستانة وغيرها من المحافل الدولية، وربما توجيه الإمارات نحو دعم إعادة الإعمار في سورية..

وبالتالي محاصرة تركيا أيضاً عبر إحياء التحالفات المتناقضة بالنسبة للاستراتيجية التركية، والمتوافقة بالنسبة للاستراتيجية السورية وكذلك الروسية التي تعتبر دول المنطقة امتداداً حيوياً لإقليمها، وبالتالي إيجاد قاعدة مستقرة في هذه المنطقة ينعكس على استقرارها، ويحدّ من التهديدات التي لطالما تؤرقها في حدودها الجنوبية عبر إضعاف الناتو، حينما يجد الأخير أنّ الحضور الروسي قد رسّخ وجوده وتحالفاته وتبلور في مشروعه الأوراسي..

وبوتين مقتنع بأن انخراط الإمارات العربية المتحدة في إعادة إعمار سورية بعد إحياء العلاقات بين البلدين هو عنصر إيجابي جداً يستفيد منه اقتصادهما. مع العلم بأنّ المساهمة المالية الغربية في إعادة الإعمار لم تتبلور بعد وتفتقر تلك الدول إلى الحماسة التي تدفعها للمثل هذه الفكرة وبشكل خاص كونها تأتمر بما يمليه عليها قائدها الأميركي..

وحتى روسيا وإن كانت ترغب في الضلوع بالمرحلة الجديدة إنما لا تملك تلك الإمكانات المالية التي تتيح لها المساهمة فيها بشكل فاعل. ما جعلها تدير المرحلة سياسياً ودبلوماسياً عبر استراتيجية توفيقية تصالحية وتشاركية وتدوير الزوايا بين الأطراف الفاعلة والمؤثرة لإيجاد مصالح مشتركة بينها وترسيخ للتعاون الدولي الذي لا يتعدّى حدود السيادة والتدخل في الشؤون الداخلية للدول..

أما الهدف الأساسي الذي يمكن أن تحققه سورية من خلال إعادة العلاقات مع الإمارات المتحدة، فهو العودة إلى الجامعة العربية، وتذكير محيطها العربي بكونها «سيف العرب وترسه»، حاملة شعار «العفو عند المقدرة» ليدرك محيطها بأنّه أخطأ عقداً من الزمن وبأن سورية أرضاً وشعباً وسيادة قادرة على الصفح كما كانت قادرة على الصمود، وتدرك دمشق جيداً أهمية الوزن الإماراتي لتحقيق مآربها التصالحية مع محيطها لكون دبي فاعلة وذات تأثير في العالم العربي، وسيتبلور الغرض السوري وكذلك الإماراتي مع الأيام..

وفي الحديث عن الغرض الإماراتي، باتت الإمارات أكثر قناعة بأن إعادة العلاقات الإماراتية السورية إلى مجراها ومربعها الأول، سيساعدها في تحقيق أهداف عدة أولها إيجاد وسيط طبيعي مع إيران لتجاوز التصعيد الإيراني الإماراتي، وفتح أفق جديد لإنهاء النزاع القائم بين البلدين فيما يخص الجزر الثلاثة المتنازع عليها وكذلك الحرب اليمنية التي استنزفت الإمارات كما السعودية..

وهذا ما يفسر سبب تلك الزيارة وذاك الاحتفاء الدبلوماسي، والانقلاب في السياسة الإماراتية تجاه سورية، ومحاولتها طي صفحة الخلافات عبر هذا الاختراق الدبلوماسي الذي لم يكن وليد الصدفة، بل كان بلورة للتوجه الانفتاحي الإماراتي، في إطار مدروس بعناية لبدء صفحة تحالفية جديدة تحمل عناوين المرحلة الجديدة..

أضف إلى ذلك، الأسباب التي دفعت بالإمارات نحو الانفتاح على سورية هي رغبتها بمواجهة التحالف القطري التركي فقد رأت أن هناك قاسم مشترك يمكنها التعويل عليه لإحياء العلاقات الثنائية، مستفيدة من العدو المشترك لكليهما.

ورغم أنّ الاتصالات الجارية بين البلدين والتي لم تنقطع طيلة سنوات الحرب على سورية لكنها لم تترجم أي تقارب حقيقي، إلا حين تم فتح السفارة الإماراتية منذ عامين في دمشق ليترجم اليوم بتطور حقيقي، تبلور مع زيارة وفد إماراتي رفيع المستوى إلى دمشق، فالظروف قد تغيّرت وباتت الحاجة لإحياء العلاقات الثنائية حاجة ملحّة فالأموال الإماراتية ستساعد سورية في مرحلة الإعمار، والعمق السوري سيساعد الإمارات في تحسين علاقاتها مع إيران في ظلّ خسارتها الحرب اليمنية وفشل رهاناتها على الحماية الأميركيّة..

في المحصلة ستحمل الأيام المقبلة عودة فاعلة ومؤثرة للدور السوري في محيطه العربي يعنون باستعادتها مقعدها في الجامعة العربية، وفتح السفارات العربية في دمشق وتوارد الوفود العربية للعاصمة دمشق بعد أن قامت الإمارات بالخطوة الأولى سنجد السعودية قد فتحت سفارتها وأرسلت بوفودها إلى دمشق.. وسينعكس هذا الحراك بشكل إيجابي على المنطقة برمتها

# سفيربرس _ بقلم : سماهر الخطيب – كاتبة وباحثة في العلاقات الدولية والدبلوماسية

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *