موت يجلب السعادة. _ بقلم  : المثنى علوش

يستيقظ شكري باكراً معلناً إقلاعه عن التدخين فجأة و دون سابق نية أو تخطيط لهذا الحدث الجلل بالنسبة لمدخن سبعيني شارف على الموت لعدة أسباب أقلها الدخان .
حاول إظهار نشاطه المفتعل و تجول في أرجاء المنزل باحثاً عن أول قضية تلهيه عن السيجارة… لذا كان لابد من بعض القرارات الأولية المثيرة للإهتمام.
حميدة .. حميدة .. منادياً بصوت عالِ على غير المعتاد حيث حضرت على وجه السرعة لتسمع جديده .
أنا تركت الدخان يا حميدة .. اذهبي إلى البقالية و أحضري كل أنواع المشروبات الساخنة و الباردة، ثم إلى الحلواني أبو محمد و اجلبي رطلين من الهريسة الغارقة بالسمن و السكر، و لا تنسي اللحمة، اللحمة يا خديجة مهمة جداً كي تسند صحتي في هذا الظرف العصيب.
لم يكن بوسع حميدة سوى شراء بعض الشاي و قليل من السكر، فهذا كل ما تستطيع شراءه بالمال القليل الذي رصده شكري كي لا يقع بأزمة مالية حتى ٱخر الشهر .
لعل كل ما يدخره شكري لا ينفع حتى لقضاء يوم واحد على النمط الذي تمناه، لكنه حاول جاهداً الكبس على أنفاسه في محاولة منه للبقاء بعيداً عن التدخين الذي اعتبره مضراً بالصحة و يفضي إلى الموت المحتم .
لكن الطامة الكبرى أن حميدة مدخنة، و أولادهم و أحفادهم أدمنوا التدخين منذ زمن طويل و ليس على الأب سوى التركيز على برنامجه الذي أرضخ نفسه إليه، ليجد نفسه في ورطة كبرى لم يستطع تحملها وحده، و في الوقت ذاته ليس بإمكانه البقاء على هذا النحو مدة أطول فيفقد ماله و صحته على السواء.
أبلغ شكري زوجته بأن عليها ترك التدخين هي الأخرى و سيقوم بمصادرة أي سيجارة يراها أو يسمع بوجودها، و يسري هذا القرار على جميع أولاده و ذريته ممن يخصصون جزءاً من مدخراتهم لشراء السجائر و خصوصاً المستوردة منه.
دخل المنزل في حالة عجيبة من الكٱبة و قلة الحركة و انعدام الروح الأسرية التي لطالما اعتاد الأبناء على بثها طوال السنين الماضية . ملّ الجوار من تصرفات شكري التي وصلت طرطشاتها أرجاء الحي كله، و كأنه يريد منع الكون كله من التدخين كرمى لعينيه .
استمر الحال هكذا حتى صباح التاسع عشر من ديسمبر بعد عامين كاملين من البؤس و المعاناة حيث وافته المنية و لفظ أنفاسه الأخيرة متأثراّ بحروق بالغة بعد أن أكلت النيران غرفته بسبب السجائر التي كان يدخنها سراً .
و مات شكري .

#سفيربرس _ بقلم  : المثنى علوش