إعلان
إعلان

إرث ثقيل: بقلم دلال ابراهيم

#سفيربرس

إعلان

سكننا منذ أن بدأت أصابعنا تندس في شعرنا تداعب خصلاته المتطايرة, نَعضّ شفاهنا غنجاً ودلالاً, نضج بالحياة وتدب أسراب النمل تحت جلودنا الطرية,  ذلك الرقيب المجتمعي المتلصص. هو الحاكم المستبد الذي يتلبس أرواحنا مع أصابع جداتنا المرفوعة على أفواههن بإشارة العيب, في حال باعدنا أرجلنا بحركات عفوية في جلساتنا. وحدة نظرات أمهاتنا الممهورة بالترهيب حين تلحظ اشتعال حمرة وجنتينا من نظرة حب استرقناها خلسة في الطريق ونحن عائدون إلى البيت.

صرنا مشوهين من الداخل, مدعوون للفضيلة والمثالية, والحدود …تركوها ملتبسة علينا. اقنعونا أن أبائنا وأمهاتنا هم ملائكة الله على الأرض, لا سبيل للخطأ لديهم, الرب أعطاهم قدرة عجيبة على تمييز الصواب من الخطأ. خلعوا عنهم أي صفة بشرية وكأنهم لم يخرجوا مثلنا من ذلك المستنقع وهذا العرف. ونحن ما زال في داخلنا ذلك الطفل الذي يستيقظ ليلاً خائفاً جزعاً من منظر الأب وهو يمارس ما يعده المجتمع واجبه الديني والدنيوي في توبيخنا وضربنا يوماً لأننا خرجنا عن العرف السائد والمقبول أو عن الخط الذي رسمه لنا المجتمع. ويصعب علينا تصديق أن أمهاتنا القديسات اللواتي أرعدن وأزبدن حين التقطونا متلبسين نقف على شرفاتنا نتلقى بسعادة وفرح طفولي نظرات الاعجاب والتودد من ابن الجيران أنهن كن ليلاً يمارسن الجنس في فراش الزوجية في تلك الغرفة الموصدة .

رددوا أمامنا وبإصرار أن المرأة ( عورة ) وشرف العائلة مرهون بها و ( هم البنات إلى الممات ) ومن تلك العبارات التي ترسخت في لا وعينا حتى صرنا نمارس بتعسف التعنيف بحق أنفسنا وضرباتنا تأتي أشد قسوة في جلد ذاتنا. خلال تصفحي صفحات إحدى المجموعات على الفيسبوك وكان التريند هو مشهد في مسلسل ( كسر عظم ) المعروض خلال شهر رمضان مشهد تتعرض فيه إحداهن للتحرش بسبب لباسها, وهذا ما كرسه الكاتب في الحوار حينما تتهم إحداهن اختها في أن لباسها هو السبب ( بنات الناس ما بتلبس هيك وما بتتأخر بالليل ) وعندما طرحت إحداهن في معرض التعليقات أن أستاذهن تحرش بفلانة من صديقاتهن ( بس أنت شفتي كيف لبسها !! أي طبعاً كيف بدو يمسك حاله؟؟) ردت عليهن إحداهن ممن أثقل عليها مجتمعها بتحميلها عبء الذنب في كل ما يحصل من مصائب في هذا العالم. . نعم كرسوا صديقاتي الافتراضيات مقولة أن حواء في إحدى الليالي المثيرة أغوت آدم في أكل التفاحة وكانت السبب في طرده من ملكوت السماء إلى الأرض عقاباً له.

نحن في مجتمعاتنا نعيش الفضائل التي أقرها الدين والمجتمع, نعيشها ونباهي بها في كل مجلس وموقف, نعيش بطواعية زيفها القاتل, نجترعها تقتل صدقنا وتقتل حقيقتنا, وتزيد من كبتنا, وتجعلنا بعيدين كل البعد عن الصدق وعن الحقيقة. وعندما نتحدث نحن النساء بصوت النساء ليس لأن جل مشاكلنا محصورة في النساء, بل لأن كل خطوة إلى الأمام محصورة في وعي الانسان وفينا. في السعي إلى جعل الآخر حراً صادقاً وفي عدم الوصاية الأبوية. وإنما اعتبارنا كائنات تحب وتخطأ وتمارس تجاربها بمسؤولية وحرية, بالتخلص من إرث ثقيل, إرث يجز أجنحتنا كلما حاولنا الطيران .

#سفير برس- دلال ابراهيم 

إعلان
إعلان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *