إعلان
إعلان

نجمةٌ سرمدية الضياء. _ بقلم  : سدرة سامر محيميد

#سفيربرس

إعلان

بِخطواتٍ رتيبة أمشي في الشّوارع واثقة مِن نفسي ورجالُ الحيّ ينظرونَ إلى جمالِ وجهي وملامحي الطّفوليّة بدهشةٍ، فأمّا عن نفسي فقد كنتُ أبحثُ عن عزيزِ قلبي أنظرُ إلى الأرضِ؛ لأنّني مُعتادةٌ بأن أرى ظِلّهُ يتبعني في كُلّ خطوةٍ.
أتشّوقُ؛ لِكي أسمعَ صوتَ صريرِهِ المُعتادة عليه ومِن ثَمَّ توجّهتُ إلى مخبئهِ السّري إذ كانَ يختبئُ فيهِ عِندما تُغلقُ السّماءُ أبوابَها في وجههِ.

أجثو أمامهُ مهزومةً مِن فرطِ الجمالِ وقد كانَ أيضاً يمتلكُ الوسامة (الوسامة العقلية).
ماذا أقولُ لكم عن اسمه؟
إنّهُ مكوّنٌ مِن ثلاثةِ حروف، التمستُ شعرَ اللّحيةِ الفاتن في وجدٍ واشتياق، ثُمَ مِلتُ عليهِ، ها أنا الآن أسمعُ دقاتِ قلبهِ، كأنّهنّ سيمفونيّة، وبعدَ ذلك: قبّلني قُبلةَ الجبين وهو ينظر إليّ ويقول: أنا سماء وأنتِ ملاكٌ بِلا أجنحة أشعرُ بذنبٍ رهيب!
ذنبي إنّني مُحبّ وحُبّي محرّمٌ وعشقي لكِ مُشرّدٌ لا مسكنَ لهُ، إنّني أحترقُ في ذنبي، فأنا مكوّنٌ مِن خليط شيطان على هيئة ملاك، مُتلبّسٌ قِناعَ الحقيقة ولديّ شخصيّةٌ مُعقدةٌ وانفعالاتٌ غيّر مفهومة.
فسألتهُ هلِ انتهيت ؟!
-ردّاً على ذلك يقول: نعم، هذا كُلّ ما لديّ، أنتِ لا تُدركين مدى حُزني، وما أدراكِ بما أعانيه؟ وددتُ لو لديّ القُدرة الكافية على وصفِ فظاعةِ الألم الّذي يُهاجمُ قلبي.
– أمّا أنا فأقولُ قولي هذا وأنا على يقينٍ تام بأنّكَ تستَحِقُّ التّضحية، أريدُ مشاركتَك في كُلّ شيء، أقترفُ الذنوبَ مِثلكَ ومعك؛ حُبّي لك أعظم وأعمق مِما تظنّ.. اطمئنّ ياسيّدَ قلبي، سأكونُ بجانبك على أيّ حال، حُبّي لك مرضٌ دائم لا علاجَ لهُ، مرضٌ سقيّم، استطعتُ معك بأن أتجاوزَ جميعَ حواجزِ الحياة وتخطّيتُ الكثير مِن الأيّامِ السّيئة؛ فقد كانَ ذكرى اللّقاءِ الأوّل مولدَ الأماني، إنكَ سراجٌ قد أضاءَ أيّامي المُظلمة، مهما ابتعدتَ عنّي ستعودُ يوماً ما تتأملّ نجمتَكَ السّرمديّة وكأنها لوحةٌ إغريقيّة مُثيرة وفريدةٌ مِن نوعها.. سأنثرُ عليكَ لعنةَ عِشقي الأبديّ؛ فقد أصبحَ قلبي مفتونًا بك، أتلهفُ لِمداعبةِ وجنتيك.
لولاكَ أنتَ لما كنتُ أنا.
فأما بعد يا سادة: بعدَ كُلّ هذهِ التّضحيات والحُبّ الّذي قد وصلَ إلى مرحلةِ التقديس والهيّام سرقَ قلبي مِنيّ وأعادهُ إليَّ مُلطّخاً بالسّوادِ والانتقام.
أتقيّأ حُبّك القذر الّذي قادني إلى الهاوية، أصبحت خطواتي بطيئة، أملِكُ قلباً معتلًّا وروحاً مُتعريّه، وجهي شاحب، يتردّدُ قلبي كترنيمةِ وداع، أسارعُ للوصولِ إلى حُضنِ والدي؛ لأنّني أشعرُ بالخيبة، ولأنَّ الآباء يمتصّونَ ذلكَ الشّعور ويملؤونَ الفراغَ الموحش.
أتنفّسُ نفساً عميقاً يتخلّلُ صدري، ومِن ثَم ألمحُ طيفهُ وكأنّهُ شبحٌ هزيّل، تتسلّلُ رائحتهُ إلى أعماقِ الذّاكرة رائحة العِطر الممزوجة برائحة التّبغ، كم مرَّ مِن الوقت ؟
وكأنّني كنتُ مُغيّبة، ها أنا الآن، استعدتُ وعيي بعدَ أن كانت عيني معصوبة عن رؤية ماهية ذلك الفتى الّذي جعلني أمشي فوقَ الرُّكام، وبعدَ صحوتي: قرّرتُ مقابلته، فطرحتُ عليهِ سؤالاً بمزيجٍ مِنَ الحُزنِ والخوفِ والخيبةِ والغضب.
من أنت ؟
لماذا قتلتَ روحي؟ ومزقتَ قلبي؟ وخيبتَ أملي بِمُقبلِ الأيّام ، فأنا ضحيّةُ الخطيئة، لقد سجنتَ روحي أنتَ سجانُ القلوب وجدارها، أشعرُ بألمٍ ينهش في صدري، لا أستطيعُ النّوم ذلكَ (الجاثوم) غيّر المرئيّ يَطبِقُ على قلبي مِثلَ الصّخرة.

يا إلهي! ماهذا بحقّ السّماء؟ أصبحَ لساني عقيماً مِن شدّةِ الخوفِ مِنَ (الجاثوم)
وفي اليوم التّالي، بعدَ غروبِ الشمس وفي ليلةٍ مُظلمةٍ وشديدةِ البرودة: كان قلبي يَعصفُ مِنَ الخوف، ذهبتُ لِكي أنزويَ في حُضنِ أبي كما كنتُ مُعتادة، احتضنني وبقوّة، وبعدها قال لي: لا تخافي يا أميرة؛ فالأميرات لا يخشينَ شيئاً، لا تهابِي شيئا ما دامَ قلبي ينبضُ في هذهِ الحياة لم أجد أجملَ وأعظمَ مِن هذا القول، كانت كلماتُ أبي تُسعفُ قلبي كجرعةٍ مِنَ الحنانِ والأمانِ والثّقة، يراودني سخطٌ كبير وحسرةٌ عظيمة؛ لأنّني وضعتُ قلبي سابقاً بينَ يديّ لِصٍّ لم أدرك أنّهُ مُلطخٌ بالنّجاسة، يعزّ عليّ إغلاقُ بابِ قلبي الّذي تمنيّتُ أن يظلَّ مفتوحاً، لكنّني تعرضتُ للخيبةِ والخِذلان، أيا ليتَك رميتَ بي على قارعة الطّريق؛ لِتنهشَ قلبي الكلابُ بدلاً مِن فعلتِكَ هذهِ. ابتلعتُ حُزني، ألعقُ اليأسَ، أتقيّأ دموعي وندمي على الماضي والحُبّ اللّعين، الآن وفي هذهِ اللّحظة: أصافِحُ الحاضر لِكي أقضيَ بقيّةَ حياتي بسلامٍ وهناءٍ وأمانٍ، انغمسَ قلبي في الطيّن ومِن ثم خلعَ ثيابَ الماضي القذر المُهلهلة المُتّسخة وارتدى ثوبَ الحاضر، وهنا انخرطتُ فجأة في البكاء بعدَ كبتِ دموعِ وابتلاعي لِملحِ دموعيَ اللّذيذ، أريدُ أن أحيا مِن جديد وأخلعَ قلادةِ الموتِ المُلتفة حول عُنقي، إنّها تتناثرُ وتندثرُ على الأرضِ مِثلَ قطراتِ الندى أو حباتِ اللّؤلؤ، أنتَ شخصٌ يتقنُ فنَّ التّمثيل، أنتَ الآن نكرة بالنّسبةِ إليّ، وكم مِن مرةٍ أخبرتَني أنكَ لنْ تتخلّى عنّي أبداً؟ وقلتَ ليّ ترّهات أخرى لمْ أعد أذكُرها، إنّكَ وغدٌ وحقير، لا تعدْ إليَّ مُعتذراً؛ لأنّني لن أقبل هذا الاعتذار التّافه مِثلك، اذهب إلى جهنم وبِئسَ المصيّر.
حينها السّماء أمطرت بِدموعها لعلّها تؤنسني وتخفّف وطأة الألم الّذي أشّعرُ به، وكأنّني طفلةٌ يتيمةٌ فقدت عائِلتَها في الحرب وأنتَ كُنتَ حربي! تنتابني موجاتُ شوقٍ حزين، أحاربُ لِأحلامٍ لا حدودَ لها، لأمانٍ تُعانق المجرّات وتغوصُ في خِضمّ البحار، هكذا هي أحلامي ، كبيرةٌ مِثلَ حُبّ الأمِ لِولدها، تتبّعتُ سراطَ القمرِ ومشيتُ في ظلمةِ اللّيل، جافيتُ الأملَ والسّعادة والحيّاة.
مهما تكبّر الإنسانُ على الحيّاةِ سَيقعُ في الهاوية، قلبي مسجونٌ خلفَ القُضبان، هل مِن قاضٍ لِيحكمَ بيني وبينكَ؟
لم يَعُدِ التّلميح يصفُ الكلام، هل تناسيتَ صوتي وصورتي؟ لقد أحببتُكَ كجدّةٍ لا تتسعُ الأرضُ لفرحتها بِقدومِ حفيدها الأوّل، لقد كسرتَ أجنِحتي وحطّمتَ قلبي، وكأنك لِصٌّ يلوذُ بالفِرار؛ لأنّكَ مِن أكثرِ الأشخاصِ جُبناً، مهما فعلتَ لن تستطيعَ إطفاءَ النّورِ الّذي في عينيّ ولا حتّى إخمادَ توهّج قلبي؛ فأنا نجمةٌ سرمديّةُ الضيّاء تذكر هذا جيداً.

#سفيربرس _ بقلم  : سدرة سامر محيميد

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *