إعلان
إعلان

مَآلاتُ العُبورِ السُّورِيِّ الأخيرِ (3) فُصولُ الرَّحيلِ والأنينِ والحِصارِ..بقلم :د. منصور جاسم الشامسي

#سفيربرس

إعلان

(I) فَصلُ صُعودِ دِمَشْقَ السَّماوي

نامَتْ دِمَشْقُ
الوَعْدُ / الأولى / الآخِرة /
بَيْنَ أذْرُعِ الأنْبياءِ المُتَكاتِفةِ، والمَلائكِ المُتَزاحِمةِ – في مَوْكِبٍ،
وأثوابٍ مُكَوْكَبةٍ،
وكَواكبَ، وأجْرامٍ،
وأنْجُمٍ على أفْراسِها، تَصْحَبُها نُجومٌ أخْرى، وأنْجُمٌ جَديدةٌ تَنْدَلِقُ،
تَسيرُ إثْرَ كَواكِبَ، تَبْرُقُ،
وأُخْرى تَتَكَوْكَبُ،
تَرْفَعُها إلى السَّماءِ بَيْنَ صَمْتٍ وخُشوعٍ وهَمْسٍ وصَلاةٍ وتَسابيحَ وتَرانيمَ وبُكاءٍ وابْتِهالٍ
وغَضَبٍ؛
غَضَبُ الأنْبِياءِ لَيْسَ كأيِّ غَضَبٍ /
غَضَبُ الْمَلائكِ لَيْسَ كَأيِّ غَضَبٍ /
تَتْبَعُهُمْ قَوافِلُ الشُّهداءِ، عَبْرَ العُصورِ،
عَادوا،
جَمَعوا دِماءَهُمْ مِنْ كُلِّ أرْضٍ وفَلاةٍ وقَبْرِ،
وجاؤوا،
تَجَمَّعوا عِنْدَ نُقْطَةِ العُبورِ السَّماويّةِ/
الجُموعُ في رَهْبَةٍ زاحِفَةٍ،
تَتَرامى جَليلةً،
الحَشْدُ مُنْتَخَبٌ،
جَبْهَةٌ واحِدةٌ،
اجْتِياحٌ مُبارَكٌ حاذِقٌ ساطِعٌ /
والأرْضُ راجِفَةٌ، مُشْتَعِلَةٌ،
والقُلوبُ واجِفَةٌ /
في مِعْراجٍ غَيْرِ اعْتياديٍّ /
الطُرُقاتُ بَيْنَ الأرْضِ والسَّماءِ مُزْدَحِمَةٌ
والأصْواتُ مُخْتَلِطَةٌ،
الدُّروبُ انْعِكاساتٌ /
العُبورُ مَآلاتٌ /
والفَراسِخُ مُزْهِرَةٌ،
مُرَحِّبَةٌ بالقادِمَةِ.
رَأيْتُ زَمَناً قَديماً يَمْشي، يَضَعُ أقْدامَهُ في زَمَنٍ جَديدٍ – الزَّمَنُ واحِدٌ
رَأيْتُ دَماً قَديماً يَمْشي، يَضَعُ أقْدامَهُ في دَمٍ جَديد – الدَّمُ واحِدٌ،
الكيمياءُ تَغَيَّرَتْ
وفيزياءُ جَديدةٌ تَعْمَلُ في الكَوْنِ.
المآذنُ تَرْفَعُ نِداءاتِها / النِّداءُ لا يَرْجِعُ /
والأجْراسُ تَدُقُّ / الصَّوْتُ لا يَرْجِعُ /
والصَّلواتُ قائمةٌ.
الفَلاسِفَةُ يَخْرُجونَ من شُقوقِ الأرْضِ وحِجارَتها سِراعاً،
يَتَقَدَّمونَ على الْمُفْتَرَقاتِ،
والْمَضائِقِ،
حُفاةً /
عُيونُهُم ناظِرَةٌ، شاخِصَةٌ، دامِعَةٌ /
يوقِظونَ الشُّعَراءَ النِّيامَ: انْهَضُوا! ما لَكُمْ في غِيابٍ!
دِمَشْقُ عابِرَةٌ /
قِفوا،
انْظُروا إلى مِعْطَفِ الأرْضِ،
نَسيمُ الدُّنْيا والارْتِجاجُ،
مَارٌّ،
عَلى شِفاهِها وَميضٌ،
ما أَحْسَنَها،
والْمَسيرُ تاريخٌ مُرَصَّعٌ،
كَتِفاها السَّماءُ والأرْضُ /
الدُّروبُ حِبْرٌ، عَبِّئوا أقْلامَكُمْ وتَدَثَّروا
بالحُزْنِ،
بالحُلُمِ السُّوريِّ القَديمِ،
لا تَلْهوا بِقصائدِكُمُ الأولى، اتْرُكوها،
تَعالَوْا
إلى رَسْمِ القَصيدِ الأبَدِيِّ /
التَّعَبُ القَديمُ ولّى، والأحْلامُ الأولى لا تَضيعُ، صارَتْ كالعُطورِ، مَجامِرَ بَخورٍ، تَظَلُّ تَدورُ.
دِمَشْقُ تَمُرُّ /
عِنْدَ أوَّلِ السَّماءِ / أوَّلِ الْمَسافَةِ /
بَدءُ الأزَلِيِّ،
بَدْءُ الأبَدِيِّ /
جِهَةُ النُّورِ
والضِّفافِ /
وأحِفَّةُ الضِّياءِ،
تَتَقَدَّمُ دِمَشْقُ /
عَبْرَ البَوّابَةِ الأولى الْمُطِلَّةِ على الأرْضِ مُباشَرَةً /
في الْمَدى الآخَرِ الحَريرِ/
بِجانبِ الْمَرايا، مَرْأى الأعْماقِ،
والجَلالِ، والكَمال /
حَيْثُ يَقِفُ الفِعْلُ الصَّحيحُ /
ماسِكاً كُلَّ الاشْتِقاقاتِ،
يُطيعُهُ الظِّلُّ، يَخْضَعُ لهُ الذَّهَبُ، تَصونُهُ الطَّبيعَةُ، تَهيمُ فيهِ الأرْواحُ، يُزيُنهُ الرَّيْحانُ، تَعْرِفُهُ النُّعْمى، تُدْرِكُهُ الرَّوْعَةُ، تَرْجِعُ لَهُ التَّفاصيلُ، يَجْلِسُ بِجانِبِهِ الْمُطْلَقُ /
في البُعْدِ الأزْرَقِ،
ودَرَجاتِهِ الْمُتَماوِجَةِ /
قَبْلَ ظِلالِ الجُسورِ العُلْويَّةِ الماضِيَةِ إلى السَّماءِ الثّانيةِ /
جِهَةَ البُشْرى، قُرْبَ رَوافِدِ الأنْهارِ والجَداولِ، واليَنابيعِ، نَحْوَ الغُدْرانِ، حَدَّ الفِرْدَوْسِ، سَفْحَ الطّيوفِ،
بمحاذاةِ قُصورِ الآخِرَةِ
وحَدائقِ الخَلاصِ
في الجِنانِ الأولى،
في الطَّريقِ إلى الجِنانِ الثانِيةِ
في الأفُقِ الأعْلى،
مِنْ هُناك تَجيءُ الخُطْوةُ الأخيرةُ الفاصِلَةُ /
المَسالِكُ فَيْضٌ/
والفَضاءُ مُسَلّحٌ /
زَهْرَةُ المَدائنِ دِمَشْقُ،
تَعْبُرُ بَهْوَ السَّماواتِ،
مُرْتَدِيةً حُلَلَ اليَقينِ،
قَلْبٌ نادِرٌ يسيرُ على الماءِ فَوْقَ الكَوْثَرِ،
فُراتٌ أرْضيٌّ ضَمَّهُ فُراتٌ عُلْويٌّ،
دِمَشْقُ واضِحَةٌ،
كَسِيَرِ الأنْبِياء /
نَبيلَةٌ،
كَسِيَرِ الشُّهَداء،
غامِضَةٌ،
كالأساطيرِ /

رَمْزُها
لا يُفَكُّ /
سِرُّها
لا يُعْرَفُ /
حِزْمَةٌ
مِنْ
عُذوبَةٍ
وعَذابٍ /

طَيِّبَةٌ،
حَنونَةٌ،
مُعَطَّرَةٌ /

دَمَشْقُ واحِدَةٌ،
في الدُّنْيا
واحِدَةٌ،
لا تُشْبِهُ أحَداً،
ولا يُشْبِهُها أحَدٌ /

ما أحْسَنَها

صاعِدَةً.

# سفيربرس _ بقلم:  د. منصور جاسم الشامسي
شاعر
دولة الإمارات العربية المتحدة

إعلان
إعلان

رئيس التحرير

محمود أحمد الجدوع: رئيس تحرير صحيفة سفير برس. صحيفة سورية إلكترونية، يديرها ويحررها فريق متطوع يضم نخبة من المثقفين العاملين في مجال الإعلام على مختلف أطيافه, وعلى امتداد مساحة الوطن العربي والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *